على مدى سنوات... دوامة النزوح تلاحق نساء حلب

تعيش نساء ريف حلب في سوريا دوامة نزوح مستمر لا تنتهي، والتحديات التي تقف في طريقهن لتوفير الأمان لأسرهن في ظل بيئة غير مستقرة يُثقل كاهلهن، ومع ذلك يظل الأمل ينبض في قلوبهن لحياة أكثر استقراراً.

غفران الهبص

حلب ـ تعيش النساء في ريف حلب في سوريا فصولاً متكررة من النزوح القسري، كأنما كُتب عليهن حياة تُثقِلها التحديات والمصاعب، نزوح يتكرر مرة تلو الأخرى، يحمل معه أوجاعاً لا تنتهي ومعاناة تتجدد مع كل خطوة من رحلة البحث عن مأوى آمن لأطفالهن.

تواجه النساء في الحروب والنزاعات قدراً قاسياً بين خوفٍ من المجهول ومحاولات للحفاظ على شتات عائلاتهن، وفي كل نزوح تزرعن بصيص أملٍ جديد في غدٍ يحمل لهن حياة أكثر استقراراً وحلماً ببلاد تحتضنهن بعيداً عن نيران الحروب وآلام النزوح، حيث روت قمر عبد الغفور نازحة من ريف حلب وأم لستة أطفال "في عام 2012، كان كل شيء يشير إلى أن حياتنا ستتغير إلى الأبد، لم يكن لدينا خيار سوى مغادرة منزلنا، بعد أن أصبحنا ضحايا للصراع الذي مزق أرضنا، كان القصف والدمار يحيطان بنا من كل جانب، وأي محاولة للبقاء أصبحت مستحيلة، اضطررنا إلى ترك كل شيء وراءنا، حتى ذكرياتنا، ذاك العام كان بداية رحلة النزوح التي لم أكن أعلم أنني سأعيشها مراراً وتكراراً، وأبقى أبحث عن مكان يشعرني بالأمان، حتى لو كان مؤقتاً".

وأضافت "في كل مرة ننزح فيها أشعر بأنني ابدأ من الصفر، حيث انتقل إلى قرية جديدة، لا أعرف فيها أحداً، ولا أملك فيها شيئاً سوى أملي البسيط في إيجاد مكان أستطيع فيه التنفس بسلام والنوم بأمان مع أطفالي، لكن عادةً ما يطاردني القلق، ففي كل قرية نصل إليها تصبح محطة مؤقتة في رحلة البحث عن الأمان ومع ذلك لا يمر وقت طويل أكون مجبرة على الانتقال مرة أخرى، بسبب القصف المتبادل الذي يلاحقنا حتى في أكثر الأماكن هدوء".

وتابعت قمر عبد الغفور حديثها بكل حزن ودموعها تنهمر على وجنتيها "أكثر ما يؤلم في هذا النزوح المتكرر أننا محاصرون نعيش في سجنٍ واسع، لا نعرف كيف نهرب منه، فمع كل نزوح  تصبح رقعة حياتنا أصغر بكثير مما كانت عليه ولا نملك القدرة على الذهاب إلى مكان آخر أو الهروب إلى مدينة بعيدة، كلما حاولت أن أبحث عن طريق للهروب بعائلتي إلى مكان أكثر أماناً، كنت اكتشف أن جميع النوافذ قد أُغلِقت، وأننا محكومون في هذه الأرياف الصغيرة ولا يوجد أمامنا أي خيار سوى أن نعيش في هذه الأماكن الضيقة، ليلاحقنا القصف وتستمر الصراعات ولا توجد أي حلول تساعدنا على البقاء آمنين".

وعن التحديات التي واجهتها خلال رحلات النزوح قالت "من أصعب التحديات التي واجهتها أنني لم أستطع تأمين فرص تعليم دائمة لأطفالي، ففي كل مرة ننزح فيها نخرج فارين بأرواحنا لا نملك أي وثائق ولا أستطيع تأمين مكان ثابت لهم في المدارس، هذا الواقع المؤلم الذي كان يجب عليّ أن أتعامل معه، أراهم يتنقلون بين القرى دون أن أستطيع أن أضمن لهم مستقبلاً آمناً أو تعليماً مستقراً، ومع ذلك أسعى في كل مرة لإيجاد مدرسة تستقبلهم لكن في معظم الأحيان لا يكون هناك مكان لهم فيها، كان بعض الأطفال يتعلمون بشكل غير رسمي في المنازل، ولكن هذا غير كافي كما يتوجب عليّ دفع أقساط شهرية ووضعي الاقتصادي لا يسمح بذلك الأمر الذي جعلني أشعر بالعجز أمام طموحاتهم التي أتمنى أن أحققها لهم".

النزوح المستمر لا يقتصر على قمر عبد الغفور بل تعاني منه الكثير من النساء في مناطق حلب، وهي ليست الوحيدة التي تتحمل هذه الظروف التي تعد سبباً في إصرارها لتواصل السعي نحو مستقبلٍ أفضل لأطفالها، متشبثة بالأمل في كل يوم جديد "كنت دائماً أحاول أن أكون قوية أمام أطفالي رغم أن قلبي ينفطر كلما بدأوا يشتكون من قسوة الظروف، كنت أبتسم وأقول لهم لن يدوم الحال هكذا، سنجد الأمل في مكان ما، وكان الصبر هو سلاحي الوحيد، لأنني لم أكن أريد أن يشعروا باليأس أو أن يفقدوا الأمل بمستقبل أفضل، فقد كنت أرى في أعينهم حزناً لا يمكنني أن أزيله، ولكنني كنت أحاول إضاءة طريقهم ببصيص الأمل وأقول لهم حتى وإن كنا في العتمة فإننا سنظل نبحث عن النور".

فمسلسل النزوح لا يزال مستمراً إلى يومنا هذا، ولا تزل قمر عبد الغفور تبحث عن النور وسط المعارك العنيفة التي تدور في مدينة حلب كاملة والتي باتت جميع المناطق فيها غير آمنة.