بعد حرمانهن من التعليم فتيات تتقن حرف لضمان مستقبلهن

على الرغم من حرمانهن من حقهن في التعليم لم تستسلم فتيات من تونس لقرارات المجتمع، فبدأن بتعلم حرف تساعدهن على بناء مستقبل أفضل لهن.

إخلاص حمروني

تونس ـ تمكنت فتيات تونسيات من تعلم حرف تساعدهن على تكوين ذاتهن بعد حرمانهن من التعليم في تحدن منهن للمجتمع الذي يحاول كسر عزيمتهن وإرادتهن.

بأنامل مرتعشة تحاول سميرة بشابشة ذات 15 عاماً، رسم زهرة على قطعة من القماش باستخدام الخيط، ومع الكثير من التركيز تحاول عدم إفساد ما أنجزته سابقاً، وهي واحدة من الفتيات اللواتي انتسبن منذ عام إلى مركر دار المرأة بمدينة القيروان للالتحاق ببرنامج تعلم الفتيات المنقطعات عن الدراسة في سن مبكر وتتابع دروسها بانتظام على أمل الحصول على شهادة تمكنها من الحصول على عمل يكون سلاحها في مواجهة ظروف الحياة القاسية.

وعن تواجدها في هذا النوع من البرنامج قالت "أنا لست أمية فقد اجتزت مرحلة لا بأس منها في المدرسة، على الرغم من أنني كنت أرغب في مواصلة دراستي حتى أتمكن من الالتحاق بالجامعة إلا أن وفاة والدي ووضع والدتي الصحي المتدهور أجبراني على الانقطاع عن الدراسة، شعرت بالمرارة إزاء ذلك لكنني لم أيأس وبحثت عن طريقة لمساعدة عائلتي ونفسي لذلك قررت تعلم حرفة يدوية خاصة بعد أن سمعت بهذا البرنامج تشجعت أكثر وشاركت فيه، وأنا الآن عدت للدراسة من جديد بالإضافة لاكتسابي حرفة توفر لي دخلاً مادياً".

سميرة بشاشة ليست أصغر فتاة في هذا البرنامج فهناك آمال سهيلي ذات 12 عاماً هي الأخرى أجبرت على ترك المدرسة حتى يتمكن شقيقيها من مواصلة تعليمهما، لتبقى هي حبيسة المنزل لكن مع تسجيلها في البرنامج وقبولها فيه تمكنت من تعلم حرفة بالإضافة لمخالطتها العديد من بنات جيلها، وعن تجربتها قالت "لم ينصفني المجتمع لمتابعة تعليمي إلا أن تعلم حرفة يدوية ساعدني على تعزيز ثقتي بنفسي وأنني لن أكون عالة على عائلتي، كما التحقت ببرامج لمحو الأمية أحصل من خلاله على دروس في القراءة والكتابة حتى لا أكون امرأة أمية".

من جهتها أكدت المنسقة الجهوية لبرنامج تعليم الفتيات المنقطعات عن الدراسة مريم الديماسي أن هذا البرنامج يساهم في دمج الفتيات في سوق العمل والتكوين المهني في حرف مدرة للدخل، حيث تتلقى خلاله المشاركات دروساً نظرية وتطبيقية عن أنواع الحرف المتنوعة "يوجد بمحافظة القيروان 7 مراكز لتعليم الحرف كالخياطة العصرية والطرز التقليدي بالإضافة لبرامج محو الأمية، حيث تستقطب دار المرأة فتيات تتراوح أعدادهن بين 170 و250 فتاة أعمارهن بين 15 و21 عام، وفي بعض الحالات نستقبل فتيات أعمارهن 30 عاماً بحكم رغبتهن الشديدة في تعلم الحرف والدراسة"، موضحة أن هذه البرامج انطلقت منذ سنوات عديدة حيث زاد الإقبال عليها بحكم ارتفاع أعداد الفتيات المنقطعات عن الدراسة في سن مبكر.

وحول خطة البرنامج التعليمة قالت "يتضمن البرنامج دروس في حرفة الخياطة صباحاً ثم استراحة وبعدها تتلقى الفتيات طرق عن كيفية تعليم من هن أكبر منهن سناً دروساً في حرفتي الحياكة والتطريز"، مضيفة أن هذا البرنامج التعليمي مدته الزمنية تتراوح بين سنتين و5 سنوات، تحصل في نهايتها الفتيات على شهادات في هذه الحرف وأخرى في تعليم الكبار أو ما يسمى بشهادة محو الأمية.

وأشادت مريم الديماسي بجدية الفتيات وإصرارهن على تعلم الحرف ونجاح غالبيتهن بعد نيل الشهادة في الضلوع بمهارة في سوق العمل، فقد افتتحت العديد منهن ورش خاصة بهن كما يعمل البعض الآخر منهن في المصانع أو بيوتهن.

وعن أبرز الفئات المستهدفة في هذا البرنامج قالت "النسبة الأكبر للمشاركات هن من الأرياف المهمشة اللاتي حرمن من التعليم بسبب الظروف المادية لعوائلهن التي تعمد لزيادة أفرادها رغم ظروفها الاقتصادية الصعبة لذلك عندما تعجز عن مصاريف دراستهم تجبر الفتيات على الانقطاع عن التعليم بينما تحافظ على استمرار تعليم الذكور".

يذكر أن تقرير أعده مرصد الإعلام والتكوين والتوثيق والدراسات حول حماية حقوق الطفل الصادر سنة 2022، كشف أنّ تونس تشهد سنوياً انقطاع قرابة 100 ألف حالة عن الدراسة أغلبها لدى الفتيات، وتمسّ هذه الظاهرة بالأساس الأوساط الريفية والعائلات الفقيرة، كما كشف التقرير أن أغلب الفتيات المنقطعات عن الدراسة يتم استغلالهن اقتصادياً وجنسياً، ويكنّ أكثر عرضة لظاهرة الاتجار بالبشر، مشيراً إلى وجود 600 طفل في تونس محل إتجار أكثر من نصفهم إناث.