انتقادات وأزمات عديدة تواجه قطاع التعليم في تونس

أثارت أزمة التعليم في تونس انتقادات عديدة، ويواجه قرابة مليوني طفل تراجعاً غير مسبوق في مستوى التعلّم، وتدني المستوى الدراسي أدى إلى تفشي ظاهرة التسرب المدرسي للآلاف منهم.

نزيهة بوسعيدي

تونس ـ تدهور منظومة التعليم في تونس أدى لتدني التحصيل العلمي لكثير من الطلبة، ما دفع الكثير من النساء للمطالبة بإعادة النظر إلى هذه المؤسسة وإيجاد الحلول المناسبة لإنقاذ ما تبقى منهم.

لتسليط الضوء على الأسباب والتداعيات والحلول الممكنة لوضع حد لهذه الأزمة، تحدثت وكالتنا مع عدد من النساء المهتمات بالشأن التربوي والتعليمي.

 

الأسباب الكامنة وراء أزمة التعليم في تونس

حول بداية وأسباب أزمة التعليم قالت الأكاديمية والمتفقدة العامة للتعليم الإعدادي والثانوي سلوى العباسي لوكالتنا "إنّ كلّ الأنظمة التربويّة والتعليميّة في العالم على امتداد تاريخها القريب والبعيد تشهد أزمات، وأسبابها قد تكون فكرية وثقافية وسياسيّة واقتصاديّة، شأنها شأن كلّ الأزمات التي يجابهها أي مجتمع، وعلى أساسها ينتعش الفكر التربويّ وتتعمّق أسئلته بمختلف أشكالها الفلسفية والعلمية والنفسية وكذلك الاجتماعية والتقنية، وتنضج التجارب الإصلاحيّة لتتمكّن في نهاية كلّ أزمة من خلق النماذج الإيجابيّة التي ستشكل المرجع عند بناء المفاهيم وتأسيس النظريات، وعلى أساسها يتم إصدار الأحكام واتخاذ القرارات ووضع الحلول المناسبة".

وتعتبر أن الإشكال الحقيقيّ في أزمة المنظومة التربويّة التي بلغت أوجها وأوشكت على الانهيار، يتمثّل في غياب الإرادة الكافية لتخطّي هذه الأزمة على مدى سنوات من الفشل السياسي والاقتصادي ومن التدهور الاجتماعيّ والثقافيّ والفكريّ، إضافة إلى غياب العقل التربويّ الذي يعرف مجمل أعطال هذا النظام والقادر على مسك مقاليد إدارة الأزمة وإحكام تشخيصها بالقوانين بغية إيجاد المداخل والآليات والحلول الناجحة للإصلاح، وعدم السماح لأي قوى باختراق المنظومة والتحكّم فيها وتعميق أزمتها وتأبيدها، على حد تعبيرها.

وأوضحت أن "من سيّروا الشأن التربويّ في تونس على مدى ما يزيد عن عشر سنوات كانوا من كفاءات التعليم العالي ولكن جلّهم من خارج المنظومة يعيّنون بالتوافقات والولاءات، ولا علاقة لهم بالبيداغوجيا فهم يدخلون مجال موسوم بأقصى حدود التركيب والتعقيد والتشعّب ولا علم لهم بأدنى مكوناته وأدقّ تفاصيله، ويقضون وقتاً طويلاً لفهم دلالات أبسط مفاهيمه ولا يملكون رؤى إصلاحية كافية تشبع منوال حاجاتنا المجتمعيّة الكبرى إلى الإصلاح، بالإضافة لوجود أصحاب المصالح والنفوذ المزروعين في مفاصل المنظومة والمتسببين في تعميق الأزمة واستفحالها على الصعيدين المركزي والجهوي داخل المندوبيات".

 

الحلول الممكنة لانتشال التعليم من مستنقع الضياع

بخصوص الحلول الممكنة لإنقاذ التعليم من الانهيار بينت أن "السبب الأساسي الكامن وراء أزمة التعليم في البلاد هو سياسة التربية بالدرجة الأولى، لذلك حلّ أزمة التعليم ينطلق منها وهنا أتساءل أين الدستور الصغير للمدرسة التونسية وقانونها التوجيهيّ الجديد بعد ما يزيد عن عشر سنوات من الثورة، وبالرغم من صدور دستور الجمهورية الثالثة تواصل وزارة التربية عقد ندوات الإصلاح الشكلية وتنفق على ذلك المليارات، ولا وجود لنصّ تشريعيّ يعدل أولاً هويّة النظام التربويّ التونسيّ في ظلّ مجتمع متحوّل يعجّ بالتطلعات نحو الاقتصاد المحليّ المتجدّد، وينشد الذكاء الاصطناعي وتحرير المبادرة وتحقيق العدالة والمساواة والجودة والإنصاف وارتباط مخرجات التعليم بمتطلبات التنمية الشاملة المستدامة، ويحدد المرجعيّة الوطنيّة للتربية والتعليم بمنطق منظومي شمولي لا يقبل الانفراط ولا التجزئة ولا التناقض بين المراحل ومختلف مكونات النظام الهيكلية والمناهج والزمن المدرسي وكذلك منظومات التقييم والتكوين وقيادة المؤسسة والحياة المدرسية، وثالثاً يحدد آليات التسيير والرقابة والتقييم الدوري المرحلي الداخلي والخارجي".

وتساءلت كيف ستكون إدارة الأزمة التعليمية بعد إرساء المجلس الأعلى للتربية؟ هل ستكون له سلطة التقرير؟ أم التنفيذ؟ أم التحكيم والرقابة والمتابعة؟ وهل سينجح في تحقيق الانسجام مع وزارة التربية التي تعمل على استكمال إصلاح تربوي موهوم فاقد لأبسط معايير الاتساق والمنظومية؟ أم سيحلّ محلّها ويضع الخطط والسياسات الكبرى وتغدو الوزارة مجرد مرفق تسيير فاقد للقدرة والفعل؟ وإلى متى ستبقى أجهزة الدولة عاجزة عن مقاومة الفساد الإداري والمالي والبيداغوجي المستشري في المنظومة، وتتغاضى عن القوى النافذة التي تنتعش من أزمة التعليم وتستغلها على مدى سنوات، لذلك يجب اقتلاع الظواهر الطفيلية وإعادة معنى حسن التصرف في الموارد واعتماد القانون لتمكين الهياكل والمؤسسات، بالإضافة لاختيار المسؤولين بالاعتماد على الكفاءة والتناظر والخبرة المهنية والابتعاد عن الولاءات السياسية والفكرية والجهوية العصبية والخوف غير المبرّر".

وأكدت أنه "لا يمكن  إصلاح منظومة التربية وميزانية التعليم مستنزفة وعاجزة عن تحقيق تدريس ذي كفاءة عالية وتكوين أساسي وصناعي متطوّر وتوفير بنية تحتية موائمة للتعلم بالتجهيزات والوسائل الضرورية وحمايتها من النهب والسرقة والتخريب والعمل على صيانتها وحمايتها، ولا يمكن أن يكون للمدرسة قيمة عندما تكون منعزلة عن متطلبات الرقي الثقافي والفكري والمادي والمعرفي والسلوكي، ما لم يلتحم مشروعها بمشروع المجتمع ومنشوده على جميع المستويات لتكون رافدة في  إصلاح المجتمع والرقي به في إطار مقاربة مجتمعية شاملة تكسر الطوق وتدحر الحدود والحواجز بين المدرسة والمجتمع والبيئة والمواطنة والثقافة والتنمية المحلية بمختلف مشاريعها".

واختمت سلوى عباسي حديثها بأنه لن يكون للمدرسة دوراً إذا لم تضع الدولة أسس وقائية في مجال التربية والتعليم لحمايتهما من سطوة الأجهزة المدمّرة في الثقافة والإعلام، وإذا لم تحم المحيط المؤسساتي من عصابات ترويج المخدرات والإتجار بالبشر، وإذا لم تعيد القيمة والمعنى إلى المطالعة والكتاب بنوعيهما الورقي والرقمي بالإضافة للأنشطة التثقيفية والترفيهية، حتى تستعيد مكانتها وتكون من أسمى منابر نشر قيم التربية وثقافة العمل والسلم الاجتماعي.

ومن جانبها وصفت نائبة رئيس المركز العربي للتربية الوالدية الدكتورة حياة سعودي الأزمة التعليمية بالشائكة لأنها تزامنت مع أزمة المجتمع والأجيال وأزمة الاقتصاد والسياسة، مضيفة أن الأزمة تنقل المجتمع إلى أزمات أخرى، والمدرسة سحقتها التكنولوجيا نظراً لأن نسق الحياة في العالم الافتراضي أسرع بكثير من نسق المدرسة وبالتالي يعيش الطالب حالة تشتت بين هذا وذاك.

وقالت "لا أرى أن الأزمة مرتبطة بالمحتوى والإصلاح كذلك لا يعني بالضرورة التركيز على المحتوى بل هي أزمة ابستمولوجيا وأزمة تموقع وقيم ومسؤولية ورسم استراتيجية، وبالتالي لابد أن يكون هناك نظرة استشراقية".

 

"المدرسة سجن مفتوح"

في ظل تفاقم أزمة التعليم وتدني التحصيل العلمي تقول الصحفية ليلى عطيطا لله "فيما يخص التعليم في تونس نلاحظ أن المناهج التربوية بحاجة لإعادة تقييم، لأن الطالب أصبح يشعر بإن التعليم عقوبة وأن المدرسة بمثابة السجن المفتوح حتى أنه لم يعد لديه ذلك الحب والشغف تجاه الدراسة كما هو حال جيل السبعينيات والثمانينيات آنذاك".

وأوضحت أن هذا الأمر يعود للمناهج التربوية التي لم تتغير ولم يحدث لها أي مراجعة منذ عام 2002 "من غير المعقول أن يدرس أبنائي المناهج التي كنت قد تلقيتها فنحن لم نعش في الزمن نفسه ولا نمتلك نفس المهارات حتى أن الوضع بشكل عام أختلف عما كان في السابق".

وأضافت "لابد من تقليل عدد المواد التي تعطى في اليوم، لأن كثرتها يولد لديه شعوراً بأنه معاقب ولا يملك الوقت الكافي لقضائه مع عائلته واللعب وممارسة هواياته"، مبينة أن الدول التي تحتل المراتب الأولى من حيث التعليم تعطي مواد دراسية أقل كما أنها تستخدم التكنولوجيا لتقوية العملية التعليمية.

وقالت إن "الطفل في سن التسعة أعوام يدرس مناهج بعيدة عن عقله وجسده، هو يحتاج أن نعلمه كيفية التواصل مع الآخرين وأن نترك له الوقت الكافي للعب وممارسة الأنشطة الرياضية وهواياته".

واعتبرت أن النقطة المضيئة في مجال التعليم في تونس هو تأنيث القطاع التربوي، أولاً على مستوى المدرسين والمدرسات حيث نجد حالياً قرابة 80% من المدرسات هن اللواتي يقدن قطار التربية والتعليم، كما أن الفتيات يشكلن غالبية الطلبة في المدارس وصولاً إلى الجامعات.

وأضافت "المرأة هي الأم وهي أول مدرسة يتلقن فيها الطفل أبجديات الحياة والمهارات، ونأمل إشراكها في وضع الاستراتيجيات الفعالة للتربية والتعليم لأنها تملك المقومات الكافية لإصلاح المنظومة التربوية وتقديم أفكار تقدمية تنهض بجيل المستقبل".

 

 

وقالت المدربة في التنمية الذاتية وناشطة بالمجتمع المدني آمال الماجري إن "التعليم في تونس تدهور كثيراً خلال العشرة أعوام الماضية لأن المواطنين تدهورت أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، مما دفع الكثير من الناشئة إما للتفكير بالهجرة بينما بلادنا تحتاج لطاقاتهم وعلمهم ومعارفهم أو لتعاطي المواد الممنوعة ويقبلون على الإدمان بجميع أشكاله، وعلى الأولياء مراقبة أبنائهم والتصدي لهذه الظواهر وزرع القيم السليمة داخلهم".

وأكدت أنه "يجب الاهتمام بالأبناء والاستماع إليهم وتشجيعهم وتحفيزهم على العمل والنجاح لأن الهجرة ليست هي الحل".

 

 

"صعوبة في التوجيه"

 قالت صاحبة مؤسسة خاصة لمساعدة الطلبة على التوجيه الصحيح ميساء خمسي "التعليم في تونس يواجه منذ سنوات عديد صعوبات ويشهد تراجعاً في مستواه، ويعود ذلك إلى نقص كبير في الامكانيات خاصة المؤسسات العمومية التي تعتبر أساس التعليم في البلاد".

وأشارت إلى أنها مؤخراً قامت بتنظيم حملة "وجهني" بالتعاون مع مؤسسات تربوية وجمعيات، تهدف لتشجيع أولياء الأمور والتلاميذ الذين يدرسون في المعاهد الثانوية إلى الاختيار السليم في مرحلة التوجيهي، وذكرت أن طلبة المعاهد بحاجة ماسة للتوجيه لأنهم لا يملكون أدنى فكرة عما يحتاجونه في المستقبل من اختصاصات، كما أنهم يشكون من قلة عدد المرشدين والمقاعد في بعض الاختصاصات الأمر الذي يجعلهم مجبرين على التوجه إلى اختصاصات غير مطلوبة في سوق العمل.

وفي ختام حديثها نوهت إلى أن الشعب التونسي شعب متعلم ومنفتح على الحضارات وخاصة المرأة التي لها دور هام في المنظومة التربوية فهي صمام الأمان وحريصة على تعليم أبنائها كما أن نسب تواجدها مرتفعة في المؤسسات التعليمية الخاصة والعمومية.

 

 

الانتقال إلى التعليم الخاص هروباً من الجهل

ترى الناشطة بالمجتمع المدني ومديرة مجمع تربوي إيهاب الطرابلسي أن التعليم في تونس يعاني من أزمة البرامج وعدم مواكبتها للعصر، أي أنها لا تجذب اهتمام الطلبة كما أنها بعيدة عن واقعه المعيشي.

وأوضحت أن طرق التدريس تقليدية وتقوم أساساً على التجريد ولا تحفز رغبة المتعلم في زيادة مستواه العلمي، لأنها لا تقوم على التجريب إنما على التلقين في معظم الأحيان، كما أن المؤسسات التربوية تكاد أن تخلو من الأنشطة الثقافية والفنية والرياضية ولا تسعى إلى تنمية المهارات لدى الطفل.

ومن أسباب أزمة التعليم تقول "كثرة الاضرابات والانقطاع القسري عن التعليم لأن الطلبة باتوا يتخلون شيئاً فشيئاً عن التعليم العمومي لعدم وجود تطور في آليات التواصل مع الطلبة وأولياء أمورهم مقارنة مع المدارس الخاصة التي تملك منصات تعليمية وأساليب تواصل متطورة".

وأفادت أن التعليم يعاني من انسداد الآفاق في ظل أوضاع سياسية هشة وأوضاع اقتصادية أكثر هشاشة وأصبحت الرغبة المتواصلة ليس في تغيير الواقع إنما في الهروب منه ويتمثل ذلك في الهجرة.

وفي ختام حديثها نوهت إيهاب الطرابلسي إلى أن محاولات التغيير هذه محاولات فردية لا تستطيع أن تحقق الغايات المرجوة ولأن الوزارة تفتقر إلى الموارد والإمكانيات لذلك كثير من الطلبة يتركون مقاعد الدراسة لأنه لم يتلقوا التعليم والرعاية الكافية.

وفي سياق متصل تقول إيمان بوزيدي عضو في جامعة خاصة "نلاحظ أن التعليم في تونس يتراجع سنة بعد أخرى، والطلبة أصبحوا غير جديين مع الدراسة ويعود ذلك إلى الوضع الاقتصادي الذي تعيشه البلاد وقلة مجالات العمل، مضيفة "إن الطالب يدرس في اختصاص معين وبعد تخرجه يعمل في اختصاص مغاير وأنا واحدة منهم".

ونوهت أن قلة إقبال الطلبة على الدراسة في الجامعات الخاصة يعود لارتفاع تكاليف الدراسة في هذه الجامعات، على عكس نسبة الإقبال التي تكون مرتفعة في المدارس الخاصة لمراحل التعليم الأساسي والإعدادي، على الرغم من ارتفاع تكاليف الدراسة فيها، وذلك يعود للإضرابات التي شهدها قطاع التعليم العمومي خاصة في عامي 2017 و2018 والتعطيل المتكرر في سير العملية التعليمية.