الزواج المبكر في المجتمع الفلسطيني... أسبابه وآثاره
تعد ظاهرة الزواج المبكر في المجتمعات قضية مهمة وتأخذ حيزاً واسعاً من قضايا المجتمع وفي الوقت ذاته تعد جريمة بحق الفتيات القاصرات، نتيجة الأضرار الناجمة عن هذه الظاهرة التي انتشرت بشكل كبير في المجتمعات الفلسطينية
نغم كراجة
غزة ـ .
تزويج الفتيات بسن مبكر يعود غالباً للعادات والتقاليد التي يرثها الآباء عن الأجداد، روت (أ. ر) التي تبلغ 24 عاماً لنا قصتها مع الزواج المبكر، "تزوجت بعمر الـ 14 عاماً تبعاً للعادات، عندما تقدم عريس بمواصفات جيدة وافقت عائلتي عليه وحين سؤالي بقبول الزواج أجبت: نعم، لكنني لم أدرك وقتها المسؤوليات والواجبات المتطلبة وأن الأمر سيصبح الأمر معقداً".
وعن معاناتها بعد الزواج في سن صغيرة تقول "حملت بعد زواجي مباشرة وعانيت من مشاكل صحية بسبب صغر سني، بالإضافة إلى المشاكل العائلية التي كانت تندلع بسبب عائلته، فوصلت إلى مرحلة لم أعد أتحمل هذا العبء والخلافات المستمرة فقررت الانفصال بعد محاولات كثيرة من إيجاد الحلول".
أما (ع. د) التي أكدت على أنها لن تدع أياً من فتياتها بالزواج في سن صغيرة، تقول "تزوجت عند بلوغي ولم أعي الثمن الذي ستخلفه كلمة موافقة على الزواج، لكنني كبرت وتأقلمت وأنجبت بعد معاناتي في بداية أول حمل من المشاكل الصحية التي لا زلت حتى الآن أعاني منها، لا أريد تزويج فتياتي بسن مبكر ليرين ما رأيته، لقد أصبحت أكثر وعي وخبرة بسبب تجربتي مع الزواج المبكر، لذلك سأتيح لهن المجال لإكمال تعليمهن أولاً".
وتعلق الأخصائية النفسية في مركز شؤون المرأة الفلسطينية سعاد أبو ضلفة قائلةً "يعرف الزواج المبكر بأنه زواج لأحد الطرفين أو كلاهما الفتى أو الفتاة دون بلوغ سن الـ 18 عام، حيث حدد القانون الفلسطيني سن التزويج للفتى 17 عام وللفتاة 18 عام، ويعتبر الزواج المبكر أحد أنواع الزواج القسري حيث أن أحد الطرفين أو كلاهما لا يملك الحرية الكاملة في الموافقة أو القدرة على تحديد الشريك المناسب لهما، ويفتقد كلاهما المعرفة بخبرات الحياة التي تمكنهما من اتخاذ القرارات المناسبة، حيث أن اقبالهما على حياة جديدة بحاجة إلى اتخاذ قرارات مناسبة وتحمل المسؤولية كاملة".
وتوضح سعاد أبو ضلفة أن الفتاة هي الأكثر تأثراً بهذه الظاهرة حيث هناك بعض الأسر وفقاً للعادات والتقاليد الراسخة في عقولهم تفرض على الفتيات شريكهن منذ ولادتهن فما أن تصلن لسن البلوغ يتم تزويجهن على الفور.
وتنوه إلى أن الأسباب الاجتماعية وراء تزويج الفتيات بسن مبكرة عديدة ومنتشرة "هناك أسباب ودوافع عديدة للزواج المبكر وهي محدودية التعليم، حيث يتم حرمان الطفلة من التعليم بسبب عدم توافر وسائل النقل أو انخفاض التوعية، وكذلك ضعف المعرفة بالقانون، بالإضافة إلى الفقر وسوء الوضع الاقتصادي والعادات والتقاليد المجتمعية، فبمجرد بلوغ الفتاة يفرض عليها الزواج؛ لأن المجتمع يعتبر في هذه المرحلة أن زواجها يعتبر سترة، إلى جانب عدم الأمن والأمان نتيجة الكوارث والحروب التي يمر بها الشعب الفلسطيني".
وتضيف "ومن الأسباب
كثرة إنجاب الفتيات في الأسرة أيضاً يعد سبباً من الأسباب التي تدفع العائلات إلى تزويج فتياتهن في سن مبكرة، أي وجود أكثر من فتاة في الأسرة الواحدة في ظل محدودية الدخل فيتم تزويجهن واحدة تلو الأخرى للتخلص من عبء المسؤولية، فيما يعد الميراث هو السبب الأكثر أهمية، حيث يعتبر من أهم دوافع الزواج المبكر للفتاة أو الفتى في المجتمع الفلسطيني، فيتم تزويجهن للأقارب حتى لا يخرج الميراث من نطاق العائلة للحفاظ عليه".
وعن تأثير الزواج المبكر على حياة الفتيات الاجتماعية تقول "يؤدي التزويج المبكر للفتاة إلى انتشار العنف الأسري والجنسي وإساءة المعاملة، كما يؤدي إلى وجود فجوة بين الطرفين إذا كان هناك فارق كبير في السن، كما يحرم الفتاة من التعليم وعدم اختلاطها بمن حولها، وأحياناً كثيرة يؤدي إلى الطلاق وتلك الظاهرة منتشرة بشكل كبيرة في الآونة الأخيرة، نتيجة عدم الإدراك والتفاهم بين الطرفين".
وتشير سعاد أبو ضلفة إلى أن هناك آثار نفسية كذلك لهذه الظاهرة تتمثل بـ "فقدان الفتاة لحنان ورعاية والديها وفرصة العيش والاستمتاع بمرحلة الطفولة والمراهقة، ما يعرضها لضغوط نفسية وعدم تفهمها لطبيعة العلاقة بينها وبين شريكها، علاوةً على ذلك تتعرض للاضطرابات الحميمية نتيجة الخوف واضطرابات في العلاقات المجتمعية ممن حولها، كما وتصاب بالاكتئاب والقلق نتيجة كثرة المشاكل وعدم تفهم الطرف المقابل لتمر على إثر ذلك بحالة من الهستيريا والفصام، وينتابها مشاعر الحرمان نتيجة عدم قدرتها على العطاء وتصاب أحياناً بالصدمة لما هي عليه اليوم، فبالأمس كانت طفلة ليس لديها أي خبرة في الحياة تحتاج إلى رعاية واهتمام واليوم هي مسؤولة، ويجب عليها أن تعطي الرعاية والاهتمام لمن حولها".
ولم تخلو هذه الظاهرة من جلب مشاكل صحية للفتاة حال زواجها باكراً كما قالت سعاد أبو ضلفة "الزواج المبكر يعرض حياة الفتاة للخطر خصوصاً في فترة الحمل حيث تتعرض للإصابة بفقر الدم وارتفاع ضغط الدم، والتهابات تناسلية، كما أن الحمل المبكر يؤدي إلى الإجهاض، ويؤدي في معظم الأحيان إلى الإصابة فيما بعد بتقلبات في المزاج وصعوبة في التركيز والحزن واضطرابات عديدة في النوم".
كما تصاب الفتاة باكتئاب ما بعد الولادة وذلك نتيجة تغييرات عديدة حسب ما روت الأخصائية "يعود سبب اكتئاب ما بعد الولادة إلى صعوبة إقامة علاقة بين الأم وطفلها والتعب الشديد الناتج عن آلام الولادة التي خاضتها، وعدم الاستمتاع بالأنشطة الحياتية التي كانت تسعدها سابقاً، والتفكير في إيذاء نفسها وطفلها، كما ينتابها شعور الخوف والقلق والهلع، كل هذه الأمور كافية لإصابتها باكتئاب ما بعد الولادة".
وتوضح سعاد أبو ضلفة بأنه لابد من وجود آليات وأساليب معينة للحد من ظاهرة الزواج المبكر وتقليل الأضرار والآثار السلبية المترتبة عليها "على جميع المؤسسات والوزارات والمعنيين بالأمر أن يعملوا على نشر الوعي الاجتماعي وتعزيز دور المرأة والحد من الإساءة لها بأي شكل، وذلك لتجنب ظاهرة التزويج المبكر والعنف الواقع عليها، ومن جانب آخر مساعدة الفتيات المتزوجات لإكمال دراستهن لزيادة الوعي والإدراك لديهن، وتوعية المجتمع بالسن القانوني للزواج لكلا الطرفين والصحة الإنجابية والجنسية والآثار النفسية المترتبة عن ذلك، وتقديم الخدمات النفسية والإرشادية للمتزوجات مما يساعدهن على تخفيف شدة الأذى بسبب العنف الجسدي والصدمات النفسية".
وشددت على أنه لا بد من "إطلاق حملات الضغط والمناصرة وحملات جماهيرية وتوعوية مستمرة لزيادة الوعي والنضج والمعرفة بالخبرات الحياتية، والاهتمام بترابط الأسرة وتماسكها وإنشاء خطة للطوارئ وتقديم الخدمات القانونية والنفسية وتوفير سكن آمن في الحالات الطارئة جداً للفتيات".