التحرش يزيد من عبئ الحرب على نساء غزة

"أسماء محمد" لم تكتف بتحمل التحرش من شقيق زوجها، بل واجهت من حولها بمأساتها، لتقع في دوامة الاتهام والعنف الأسري، وتتحول من ضحية إلى "مذنبة" في أعين مجتمعٍ عاجز عن حماية من يُفترض أنهم أضعف.

رفيف اسليم

غزة ـ أجبرت الحرب في قطاع غزة العائلات الفلسطينية على العيش في مساحات ضيقة، فيسكن في الشقة السكنية الواحد من 3 ـ 5 عائلات، بينما إذا كان الحديث عن مراكز النزوح سيكون الأمر أسوء بكثير، مما عرض النساء للتعرض للتحرش سواء اللفظي أو الجسدي دون معرفة ماذا يجب عليهن أن يفعلن.

أسماء محمد "اسم مستعار"، تعرضت للتحرش الجسدي من شقيق زوجها فكانت البداية عندما ناولته كوب ماء وحاول لمس يدها، وعندما التزمت الصمت خوفاً مما سيحدث لها، تمادى ولمس مؤخرتها، هنا انفجرت ولم تستطيع الاحتفاظ بعبء ذلك السر الخطير.

تقول "في المساء عندما نام الصغار، استدعيت زوجي من سهرة كان قد بدئها بالخارج مع الرجال النازحين في المنزل، وأخبرته بكل شيء بداية من النظرات وحتى اللمسات التي تخدش الحياء حينها جن جنون زوجي وانهال علي بالضرب"، مشيرة إلى أنها لم تكن تتوقع ردة الفعل منه وكانت منتظرة الحماية إلا أنه لم يفعل وانهال عليها بالشتائم واللكمات حتى أيقظ جميع من بالمنزل والمنازل المجاورة.

لم ينتهي الأمر إلى هذا الحد فتكمل "أسماء محمد"، في اليوم التالي استدعى أبي وإخوتي وأخبرهم بما حدثته به لينهالوا علي هم أيضاً ضرباً، وانتهى الأمر بعدم تطليقي كوني من تسببت بفضيحة نفسي وزوجي وحكم بأن يطرد شقيقه ويسكن بأي شقة سكنية بالعمارة"، فيما أصبحت هي المنبوذة في عائلة زوجها صاحبة السمعة السيئة ومن تغوي الرجال للاقتراب منها.

ولفتت إلى أنها في لحظات ما تندم أنها حدثت زوجها لكن ماذا كان عليها أن تفعل أتنتظر حتى تجد ذلك المتحرش في غرفة نومها، وفي أحيان أخرى ترى أنها فعلت الصواب ومن سيقترب منها بالمرات القادمة لن تنتظر تدخل زوجها بل ستنهال عليه بالضرب كما فعلوا بها، مشيرةً إلى أن نفور زوجها منها لا يعنيها كثيراً، فهي من أصبحت لا تطيق رؤيته ولا تراه رجلاً بعدما عجز في الدفاع عنها.

أوضحت ناريمان حلس، المحامية والناشطة الحقوقية في مجال المرأة والطفل، أن التحرش الجنسي هو مفهوم يقع ضمن الاعتداءات الجنسية التي تتعرض لها النساء، كفعل مخل ومنافي للحياء، كالمسة الغير مرغوب فيها، والتلميحات اللفظية التي توحي بغرض جنسي ما، مؤكدة تلك الحالة الموجودة بالفقرات السابقة، تمثل حال عشرات السيدات، لكن هي كانت نموذج قوي استطاع البوح والدفاع عن نفسه فيما عجزت الأخريات عن الحديث.

وبينت أن حالات التحرش تلك متواجدة ما قبل الحرب، لكن الكثافة السكانية المتواجدة سواء بالمنازل أو مراكز الإيواء ساهمت في زيادة هذا النوع من الاعتداء الجنسي، نتيجة النزوح القسري، مما ساهم بتعرض النساء للاعتداء دون أن يكون هناك حماية مناسبة لهن، وغياب المراكز الشرطية والقوى التنفيذية ومؤسسات العدالة طمأنت الجاني من عدم تعرضه للعقاب.

فالنساء غالباً ما تصمتن بحسب ناريمان حلس، ولا تبلغ عما حدث معها لخوفها من الحديث والخوض في شرفها ووصمة العار التي يلصقها المجتمع بها على الرغم من كونها الضحية التي يجب حمايتها وليس العكس، مشيرة إلى أن هناك عدد من المنظمات ومؤسسات المدني التي بدأت تصنع شبكة أمان بديلة عن المراكز الشرطية والقضاء والمؤسسات العاملة على إنفاذ القانون لتبلغ النساء داخلها وتحصل على الحماية والعون على حد سواء.

ومن بين تلك المراكز وفقاً لناريمان حلس، شبكة سند، وهمة، والعديد من المؤسسات التي عملت على وضع خطة للنجاة بالضحايا، كما وفرت خطوط مجانية وصفحات عبر مواقع التواصل الافتراضي، مشددة أن تلك المراكز تحظى بسرية خاصة لبيانات الضحية ولا تطلع أحد عليها خشية عليها من أي ضرر كما تأخذ بيدها وتساعدها بالفعل على حل المشكلة من جذورها، ومحاولة معاقبة الجاني عبر التواصل مع جهات الاختصاص.

وعن عقوبة التحرش بالقانون الفلسطيني، لفتت إلى أن قانون العقوبات المطبق في قطاع غزة يعود لسنة 1936، فالجرائم التي كانت في تلك الفترة لا تؤام مع ما يحدث اليوم، ونص المادة (74) لم يرد مصطلح التحرش بالأساس، بل أورد الاعتداء الجنسي للنساء والتصرف المنافي للحياء فيكون النص فضفاض ولا يرصد عقوبة للجاني على أفعاله، لافتة إلى أن قانون العقوبات ينص أن ارتكاب الأفعال المنافية للحياء بالقوة مدتها حبس خمس سنوات بينما بدون قوة سنتان فقط.

وفي ختام حديثها، قالت ناريمان حلس، إنه بالوقت الحالي تواجه النساء ظروف قاسية للغاية في ظل تدمير منازلهن ونزوحهن، فاضطررن للتكيف مع حياة قاسية جداً وتحملن أدوار ليست لها، فأصبحت المعيل الأساسي للأسرة، بالتالي باتت تتعرض لتحرش وعنف مبني على النوع الاجتماعي، ناصحة النساء ألا يخشين من الوصمة الاجتماعية وتقوم بحماية نفسها والتبليغ حتى لو كان الشخص من مزودي الخدمات.