بين الركام والصمود... قصة منى عرفات ومأساة المأوى في غزة

لم تكن قد نسيت تعب وجهد التجهيز والبناء فقد أصبحت شقتها صالحة للسكن قبل الحرب بأشهر قليلة، ليسقط صاروخ واحد يقضي على حلمها الذي تحقق بعد عناء سنوات، ويمسح جميع الذكريات الجميلة التي عاشتها برفقة طفليها.

رفيف اسليم

غزة ـ دمرت القوات الإسرائيلية أكثر من نصف المنازل في قطاع غزة، فأصبحت غالبية العائلات في العراء دون مأوى خاصة من يعيشوا في عمارات سكنية مكونة من عدة طوابق، فلجأت الكثير من النساء للسكن بين وعلى أنقاض منازلهن المدمرة، على الرغم من الخطر الذي يحوم حولهن بانهيار السقف في أي لحظة على رؤوسهن.

من بين ركام منزلها المدمر تطل علينا منى عرفات، لتروي لوكالتنا، كيف انتهى بها الحال لتسكن بين الردم، فتقول "كنا نازحين في الأحياء الشرقية من قطاع غزة، بالتحديد حي الزيتون، عندما وصلنا خبر قصف عمارتنا السكنية المكونة من ثلاث طوابق والتي تقع غربي المدينة بالقرب من شاطئ البحر"، مشيرة إلى أن تلك العمارة كانت تسكن بها مع عائلة زوجها أي لكل عائلة طابق مستقل.

لم تكن قد نسيت تعب وجهد التجهيز والبناء فقد أصبحت شقتها صالحة للسكن قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، بأشهر قليلة، وقد اضطرت لبيع مصاغها كي تكملها، ليسقط صاروخ واحد بثانية فقط يقضي على حلمها الذي تحقق بعد عناء سنوات، ويمسح جميع الذكريات الجميلة التي عاشتها برفقة طفليها.

نزحت منى عرفات جنوب القطاع، وقلبها معلق في شماله مع بيتها الذي أصبح ركاماً، فأصبحت تعد الأيام بل الساعات والثواني، إلى أن رجعت وشاهدت بعينها "كنت أحدث نفسي بأن الجميع يبالغ وسأعود لأجد منزلي صالح للسكن، لكن ما إن شاهدته للوهلة الأولى حتى دخلت في موجة بكاء لم تنتهي لساعات، فلا منزل، ولا ملابس، ولا أثاث، ولا مطبخ، لاشي وما سلم من القصف لم يسلم من السرقة"، لافتةً إلى أن زوجها ومجموعة من أصدقائه أزالوا الردم ليفسحوا المدخل، وبعد شهرين أصبح المكان جاهز وبقي تنظيفه من الداخل.

وتصف منى عرفات "بطلوع الروح" استطاعت تنظيف المنزل وتقسيمه ليصبح غرفة واسعة ومطبخ يتسع لعائلتها "كان ما ساعدني هو الحاجات التي جلبتها من الجنوب فبعض الرفوف الخشبية والأواني والصحون والحبال والفراش لا يصح أن يطلق عليها أثاث منزلي".

وأوضحت أنه في أول يوم بعد أن نظفت الأرضية ونام الصغار وجلست لتستريح جاء زوجها وقال "هيا وضبي الأغراض والصغار لننزح، فالقوات الإسرائيلية أصدر أمر إخلاء للمنطقة"، فما كان منها سوى أن رفضت مجيبة "سأموت بين ذلك الركام لا أريد النزوح من جديد سأمت ذلك الوضع والنزوح من الموت للموت".

تخبرنا منى عرفات، أن العيش بين الركام أمر صعب للغاية فلا تسمح لصغارها بالحركة خوفاً عليهم من الوقوع وإصابتهم بجروح يصعب شفائها في ظل المجاعة، أو انهيار جزء من أجزاء البيت فوقهم وهي تعد الطعام، أو تقوم بالأعمال الأخرى مما يشعرهم بكونهم في سجن وليس منزل، كما ويعتبر جلب الماء مشكلة أخرى فينسكب نصفه قبل وصوله إليها.

ولا تخفي منى عرفات، أنها تشعر بالخوف حينما تقترب الضربات الإسرائيلية من منطقتهم خاصة أن السقف يبدأ يهتز وكأنه يهم بالسقوط، لكنها تعود وتواسي نفسها "يبقى أفضل من صهد الخيام" في حرارة تموز الحارقة، لافتة إلى أنها منذ أيام جاءت آليات لتزيل جزء من الركام الذي يحاوطها من كل مكان فشعرت أنها ستتدفن داخل غرفتها فالتقطت طفليها ونزلت تركض للشارع وبقيت كذلك حتى انتهائه من العمل.

والجدير ذكره أن إيجار البيوت في قطاع غزة قد ارتفع لأضعاف خيالية ما بعد الحرب، فأصبح أجار الشقة في الشهر الواحد ألف دولار دون عفش بعد أن كانت من مائة لأربعمائة دولار فقط، مما يجبر أهالي غزة على الاختيار بين أمرين كلاهما أصعب من الآخر، السكن في الخيام أو بين أنقاض بيوتهم المدمرة على أمل أن تعود غزة ويعاد إعمار بيوتها عما قريب.