الحرب في غزة تضعف نسيج المجتمع الفلسطيني خالقة حالة من القطيعة
من مظاهر القطيعة المجتمعية، الحالة الاجتماعية الحالية للأسر والنزوح المستمر الذي أدى لتغير الأهل بسبب الظروف التي دفعت الجميع للانغلاق على نفسه، عدا عن الفصل الإجباري بين العائلات ما بين شمال قطاع غزة وجنوبه وعدم تمكنهم من رؤية بعضهم البعض.
رفيف اسليم
غزة ـ يعاني المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة من تفكك أضعف نسيجه الاجتماعي بسبب الحرب المستمرة منذ ما يقارب العام وثلاثة أشهر، وبات الأمر ملحوظ بين العائلات عامة والنساء خاصة اللواتي أصبحن تفضلن عدم الاختلاط أو التواصل، بسبب مواقف الخذلان والعجز التي مروا بها.
أوضحت أحلام الزين، أن العائلة الفلسطينية كانت قبل الحرب في قطاع غزة شيء مقدس الجميع يحبها وينتمي إليها رغم الخلافات الضاربة التي قد تنشب أحياناً، مشيرةً إلى أن الزيارات الدورية كل يوم جمعة جزء أساسي من حياة قاطني المدينة المحاصرة التي تزيد المحبة في القلوب ويتفقد أفراد الأسرة الواحدة بعضهم البعض من الشمال حتى الجنوب دون أي حواجز أو معيقات.
وأضافت أن الحياة الاجتماعية اليوم تغيرت بالكامل، فلم يعد الشقيق كما كان بل أصبح يرى شقيقته عبئ عليه، حتى أنه في بعض الأحيان لا يرغب بالرد على مكالمتها خوفاً من مطالبته ببعض الدقيق أو الطعام، وكذلك الحال بالنسبة للأصدقاء الذين أصبحوا يتخوفون من السؤال عنك كي لا تطلب منهم النزوح لديهم لمدة من الزمن، أو بعض المال في ظل غلاء المعيشة.
ولفتت إلى أن الناس أصبحت تنظر لبعضها البعض اليوم بطريقة غريبة وغير معتادة ربما يشوبها الحقد أو الحسد فلم تعد مدينة غزة بيت واحد يتسع للجميع، بل أصبحت مكان يخنق كل من فيه تارة من الفقر وتارة أخرى من الخوف، فقد فاض بهم تحمل تلك الأعباء مع الحفاظ على تماسكهم النفسي الذي ينعكس على تواصلهم مع بعضهم البعض.
وعن المجاعة تروي أحلام الزين، أنها غيرت النفوس كثيراً فحتى الأجداد عندما يطلب منهم أحفادهم الخبز يجيبون بالنفي كون الرغيف الواحد هو قوت يوم إنسان فإذا ما انتهى لا يوجد بديل عنه، فكيف إذا ما قسنا العلاقة بين الأخوة والأخوات والعائلات والمعارف والأصدقاء الذين باتوا ينكرون علاقتهم ببعضهم البعض على مبدأ "عض قلبي ولا تعض رغيفي".
لدى أحلام الزين ابن نزح إلى منطقة جنوب وادي غزة هو وأبنائه منذ عام، وقد فقدت التواصل معه لأشهر لذلك عندما تتلقى اتصال منه اليوم تشعر أن الدنيا قد أزهرت وزارها الربيع من جديد، لكن شكوى أحفادها من مرارة البرد والجوع تنغص عليها تلك السعادة المنقوصة، خاصة عندما يروون لها أنهم لا يمتلكون غطاء بالخيمة أو رغيف خبز، فتبيع ما تحصل عليه من مساعدات لترسل لهم المال لعله يسد احتياجهم.
اليوم العديد من جارات ومعارف أحلام الزين قد توفوا بسبب الغارات الإسرائيلية وثلاث أسر من عائلتها مسحت من السجل المدني بشكل كامل، لذلك تتوقع أنه من الصعب عودة تلك الأيام فإن عادت الأماكن من يعيد أولئك الأحبة، مشيرة إلى أنها تشعر بغصة عندما تشاهد صور وفيديوهات لمعارفها على هاتفها الذكي وتستمر بالبكاء المتواصل ربما لساعات.
وترثي أحلام الزين اليوم نفسها على تلك الحياة التي تعيشها في النزوح المستمر وعلى الحالة الاجتماعية التي فرضها الخوف والجوع، متسائلة "أين ذهبت المحبة في قلوب الناس وكيف أصبحوا كالحجارة؟، وهل ما وصلنا إليه هو هدف آخر للقوات الإسرائيلية؟" ربما لم تعلنه بل أبقته في الخفاء لتهدم شيء يدعى بمجتمع فلسطيني متحاب ومتماسك، على حد وصفها.