أكتوبر الوردي.. مغربية تهزم السرطان مرتين وتحول تجربتها إلى رسالة أمل

قبل ست سنوات، لم تكن حنان الخمار، وهي مغربية من مدينة الجديدة، تتخيل أن ورماً صغيراً في صدرها سيغير حياتها بالكامل. كانت في أوج نشاطها، إلى أن تلقت التشخيص الذي أدخلها في صمت طويل، سرطان الثدي.

حنان حارت

المغرب ـ في زمنٍ يربط فيه كثيرون السرطان بالموت، تخرج حنان الخمار لتكسر هذه الصورة النمطية، وتقدم نموذجاً حياً للمرأة التي حولت الألم إلى أمل، والمرض إلى رسالة حياة. بدأت رحلتها مع السرطان عام 2019، حين اكتشفت ورماً في صدرها، لكنها تأخرت في طلب العلاج خوفاً، لتواجه لاحقاً مراحل متقدمة من المرض. ورغم ذلك، لم تستسلم.

بينما تتزين المدن حول العالم باللون الوردي خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر، تخليداً للشهر العالمي للتوعية بسرطان الثدي، ترفع حنان الخمار رايتها الخاصة في معركتها ضد المرض، تتحدث لوكالتنا بابتسامة هادئة لا تفصح عن حجم ما مرت به "مرتان واجهت فيهما السرطان، ومرتان عدت منه أكثر قوة وإيماناً بالحياة".

 

حولت الألم إلى رسالة أمل

تقول إن رحلتها مع المرض بدأت عام 2019، حين اكتشفت ورما في صدرها، لكنها تجاهلته خوفاً "تركت الورم فترة طويلة بدافع الخوف، ولو كنت لجأت إلى الطبيب في الوقت المناسب، لما وصلت إلى مرحلة الاستئصال الكلي، ولا إلى عودة المرض من جديد".

بعد تعافيها الأول، اختارت أن تحول الألم إلى رسالة أمل، فأنشأت قناة على مواقع التواصل الافتراضي لتوعية النساء بأهمية الكشف المبكر ومحاربة الخوف والمعتقدات الخاطئة "ما زالت بعض النساء يربطن السرطان بالموت، وهذه الفكرة القاتلة تجعل كثيرات يحكمن على أنفسهن قبل أن يمنحهن الطب فرصة الشفاء".

ورغم الصعوبات الجسدية والنفسية، كانت تحرص على ألا يعكس مظهرها الهزيمة "كنت أريد أن أُظهر أن المرض لا يمكن أن يسلبني أنوثتي ولا إيماني بالحياة".

تؤمن حنان الخمار بأن العامل النفسي يلعب دوراً كبيراً في العلاج، وأن الطاقة الإيجابية والإيمان قادران على تخفيف الأعراض الجانبية الصعبة "السرطان لا يعني الموت، بل يمكن أن يكون بداية جديدة مليئة بالنور والإيمان. الكشف المبكر هو ذهب الحياة".

 

عودة المرض مجدداً

بعد عامين على التعافي، وفي أواخر عام 2021، عاد المرض مجدداً، هذه المرة في الكبد والنخاع الشوكي "اخترت الحياة من جديد، وقلت لنفسي إنني لن أستسلم، ربما الأطباء قالوا إن المرض في مراحله الأخيرة، لكني كنت أقول كل شيء ممكن".

وتعتبر أن المرض غيرها من الداخل، إذ تعلمت أن تهتم بنفسها أكثر وأن تعطي الأولوية لصحتها النفسية والجسدية "أصبحت إنسانة أخرى، بدأت أمارس أنشطة جديدة وأشارك قصتي مع الآخرين، وجدت راحتي في مساعدة الناس، وفي أن أكون سبباً في تشجيع امرأة على العلاج".

من رحم التجربة، ولد شغف جديد، إذ تابعت حنان الخمار دراستها في جامعة محمد السادس لعلوم الصحة، حيث حصلت على دبلوم "Patient Partner en Cancérologie" الذي يؤهلها لمرافقة مرضى السرطان "بعد تجربتي مع المرض، تمكنت من مواصلة دراستي لأكون مرافقة لمرضى السرطان. واليوم، أصبحت مدربة ومعالجة بالطاقة أساعد من مرّوا بما مررت به".

تقول إنها ساعدت حالات عديدة على تجاوز الألم والخوف "استطعت أن أُخفف عنهن، وأن أُوعيهن بمرضهن، وأجعلهن يتصالحن مع السرطان ومع المعتقدات السلبية المرتبطة به".

وحذرت من استخدام الأعشاب أو وصفات العطارين إلى جانب العلاج الطبي، لما قد تسببه من مضاعفات خطيرة، وتشدد على أن السرطان مرض يحتاج إلى اختصاصيين.

وتأسفت لأن المجتمع ما زال ينظر إلى المريضة بنوع من الشفقة أو الخوف "عندما أتحدث عن استئصال الثدي، ألاحظ أن بعض النساء يرتعبن من الفكرة، وكأنهن يسمعن شيئاً محرماً، هذه النظرة تؤذي المريضة نفسياً، وتجعلها تستسلم قبل أن تبدأ العلاج"، مبينة أن "الخوف هو السبب الأول الذي يمنع النساء من الفحص المبكر، لأننا ربطنا السرطان بالموت، هذه الفكرة السوداوية أخطر من المرض نفسه".

 

السرطان كرسالة للحياة

ترى حنان الخمار أن المرض ليس عقوبة، بل رسالة "المرض فرصة للتغيير لا للانكسار"، قائلة "وجدت في السرطان خيراً أكثر مما وجدت فيه شراً، علمني الصبر، وعزز إيماني".

بسبب نشاطها التوعوي على الإنترنت، باتت تتلقى رسائل من نساء في بلدان عربية وأوروبية يشكرنها لأنهن تشجعهن على العلاج أو أجرين الفحص بعد مشاهدة فيديوهاتها "حين أقرأ أن امرأة قررت مواجهة المرض بسببي، أشعر أني أنجزت أعظم ما يمكن إنجازه".

وتوجه رسالة أمل تقول فيها "السرطان مثل أي مرض آخر، يحتاج فقط إلى الصبر والإيمان، أصبت للمرة الثانية في مرحلته الرابعة، وهي مرحلة متقدمة جداً، لكني خضعت للعلاج واعتنيت بنفسيتي، وها أنا اليوم، أعيش بصحة تامة منذ أربع سنوات".

 

رسالة أكتوبر الوردي

تقول "السرطان لا يساوي الموت، بل بداية حياة جديدة، أفضل وأجمل"، وترفع حنان الخمار في ختام حديثها رايتها الخاصة في شهر أكتوبر الوردي "السرطان أخذ مني شعري وبعضا من صحتي، لكنه أعاد إلي نفسي، علمني أن الحياة لا تقاس بعدد الأيام، بل بما نزرعه فيها من حب وإيمان".