زواج القاصرات في المغرب... حين تغتصب الطفولة بثغرات قانونية

تعد ظاهرة زواج القاصرات ظاهرة اجتماعية تنتشر في العديد من المجتمعات العربية وحتى الدول الأوروبية، والتي لها العديد من الآثار السلبية على الأسرة والمجتمع ككل، لكون الفتاة في هذه المرحلة العمرية تكون غير مؤهلة نفسياً وثقافياً وعقلياً وجسدياً

حنان حارت 
المغرب ـ ، لتتحمل مسؤولية بيت وزوج وتربية أطفال، فمثل هذا الزواج يعد اغتصاباً للطفولة.
ألقت وكالتنا الضوء على موضوع السماح بزواج القاصرات في المغرب، حيث أنه بعد مرور ما يناهز 17 عاماً على تفعيل مدونة الأسرة (الأحوال الشخصية)، ما زالت الفعاليات الحقوقية وأصوات سياسية تدعو إلى مراجعة ما يعتبرونه ثغرات قانونية، في المدونة التي تسمح بتزويج القاصرات.
 
"تزوجت في سن 16 عاماً"
بدأت كريمة. ع (24) عاماً، والتي رفضت الكشف عن لقبها كاملاً، برواية قصة زواجها قبل 9 سنوات عندما كانت قاصراً لم يتجاوز عمرها 16 سنة "كنت مضطرة على قبول الزواج، لأن والدي كانا متحمسين، وبحكم سني آنذاك لم أكن لأعترض، خاصة وأن أمي وأبي كانا فرحين ويحاولان إقناعي بشتى الطرق حتى لا أبدي أي اعتراض أمام القاضي"، تضيف "هكذا بدأت بجمع وثائق الزواج، وتقدمت بطلب مكتوب للقاضي يتضمن توقيعي وتوقيع والدي، وبعد دراسة الطلب والاستماع إلينا حصلت على الإذن الذي مكنني من الزواج بشكل قانوني".
تحكي كريمة. ع وهي الآن أم لتوءم إناث يبلغان 7 سنوات، وحامل في شهرها السابع، أنها لم تكن تعرف زوجها قبل الزواج، ولم تكن تعي جيداً معنى الزواج وتحمل المسؤولية، لكن أمام إصرار والديها وافقت على الأمر وانصاعت لطلباتهما، وخلال سؤالنا لها، عما إن كانت راضية عن زواجها؟ تتنهد وتجيب "لو كنت أتمتع بحرية اختيار الشريك، ولو كنت جريئة، وقول لا أرغب في إتمام الزواج، لما حكمت على نفسي العيش من دون كرامة؛ فزوجي يعنفني باستمرار ومجبرة على العيش معه، لأني ضحيت بتعليمي من أجل الزواج، صحيح أنني أصبحت أماً لحنان وجنات، وبانتظار طفل، لكن أشعر بأن هناك شيئاً ما ينقصني، ربما لأنني لا أشعر بانجذاب كبير لزوجي، لهذا فأنا لست راضية على زواجي، وأرغب في إكمال دراستي واغتنام كل الفرص التي فاتتني، لكن زوجي يقول لي دائماً أنني لم أعد طفلة وأنني أصبحت أماً وعلي الاعتناء بالأطفال ونسيان فكرة الدراسة".   
وتمضي قائلة "لو عاد بي الزمن للوراء، لم أكن لأجاري والدي وأتزوج وأنا قاصر، كان علي الإصرار على استكمال دراستي خاصة وأنني كنت من التلميذات المتفوقات، كنت سأتابع دراستي وعندما أحقق ذاتي وأصل لسن الزواج عندها سأفكر مائة مرة قبل الإقدام على خطوة الزواج".   
وتعد كريمة. ع واحدة من بين الآلاف من الفتيات المغربيات اللواتي توجب عليهن الحصول على إذن من طرف القاضي بقصد الزواج، ورغم أن مدونة الأسرة المغربية، حددت سن الزواج القانوني في 18 عاماً، لكنها تمنح القاضي حق توقيع استثناءات؛ فالقانون يخول له أن يقبل أو يرفض طلب تزويج القاصر طبقاً للسلطة التقديرية التي يمنحها له الفصل 20 من مدونة الأسرة، في وقت يرفض الحقوقيون هذا النوع من الزواج، معتبرين أنه يعد شكلاً من أشكال التحايل على القانون.
 
مقترح قانون
سبق للمجموعة النيابية للتقدم والاشتراكية؛ وهو أحد أحزاب المعارضة، أن تقدمت بمقترح قانون إلى مجلس النواب بالمغرب، والذي يهم منع تزويج القاصرات، وتشير مذكرة تقديم مقترح القانون إلى كون ظاهرة تزويج الطفلات تشكل أحد الانشغالات الحقوقية في البلاد، ومن شأن الزواج المبكر أن يحرم القاصرات من مجموعة من الحقوق الإنسانية الأساسية أسوة ببقية الأطفال، وعلى رأسها الحق في التعليم والترفيه، وحرمانهن من فرص تحقيق الرفاه الاجتماعي مستقبلاً.
وخلص مقترح القانون إلى أن الاستمرار في السماح بتزويج الطفلات يشكل مدخلاً لممارسة العنف باسم القانون وشرعنته، ويعتبر شكلاً من أشكال اغتصاب الطفولة.
ومن جهتها علقت عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية مجدولين العلمي، قائلة "إن حزبها كان سباقاً إلى طرح قضايا المساواة والدفاع عن حقوق النساء بصفتهن الجنس الأضعف تمثيلية في عدة مجالات، وأن الترافع عن حقوق النساء ليس جديداً في قناعات الحزب".
وأوضحت "إن القاعدة في سن الزواج حسب المادة 19 من مدونة الأسرة هي 18 سنة، أي بلوغ سن الرشد القانونية؛ وبالتالي لا تكتمل أهلية الزواج بالنسبة للجنسين إلا بإتمام السن القانونية للرشد أي ثمانية عشر سنة؛ وهذا ما نطالب به بالضبط، ونراه منطقياً، إذ لا نتخيل أبداً أن تتحول طفلة عمرها أقل من 18 سنة إلى أم وربة أسرة".
وأكدت على أن المشكلة التي يحاول حزبها حلها والتصدي لها بكل قوة حسب مقترح القانون هو ما تنص عليه المواد 20 و21 و22 من مدونة الأسرة؛ والتي تسمح وبصفة استثنائية (أي استثناء من القاعدة)، للأسف لقاضي الأسرة المكلف بالزواج، أن يأذن بزواج الطفلات دون بلوغ سن الأهلية أي 18 سنة، ولو أن المشرع اشترط أن يكون الإذن بمقرر يبين فيه القاضي المصلحة والأسباب المبررة، وبعد الإستماع لأبوي الطفلة أو نائبها الشرعي والإستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي.
ولفتت مجدولين العلمي إلى أن السماح بزواج القاصرات يعد كارثة وانتهاكاً لحقوق الأطفال وخاصة الطفلات، ويكفي أن نعرف بأنه تقريباً 90 في المائة من طلبات الإذن بالزواج الخاصة بالقاصرين تتم الموافقة عليها؛ بمعنى أنه عملياً تحول الاستثناء إلى قاعدة، ولم يعد هناك أي معنى لتحديد سن أهلية الزواج في 18 سنة مادام أن جميع طلبات تزويج القاصرين تقبل تقريباً.
وتضيف "كان لابد أن نتحرك ونطالب بإلغاء وحذف المواد 20 و21 و22 وحصر أهلية الزواج وبصفة نهائية ودون أي استثناء في 18 سنة"، مشيرة إلى أن هذا هو السبيل الوحيد لإيقاف ومنع تزويج القاصرات بالمغرب، مع ضرورة إعادة النظر في المادة 16 من مدونة الأسرة والتي تسمح للمحكمة بإثبات الزواج غير الموثق بصفة استثنائية كذلك، حيث يعلم الجميع أنه يتم التحايل على القانون بتزويج القاصرات دون توثيق الزواج، على أساس الانتظار إلى غاية بلوغهن السن القانونية لأهلية الزواج ويتم توثيقه بناء على المادة 16 من مدونة الأسرة.
 
رأي القانون
ويعرف زواج القاصرات في المغرب، انتشاراً في الأرياف لوجود عائلات فقيرة، والتي تسعى لتزويج بناتها الصغيرات، من أجل التخفيف من عبء المسؤوليات المادية، ورغم إقبال بعض الأسر على ذلك، إلا أن معدل زواج القاصرات شهد انخفاضاً بين 2014 و2020، حيث تم تسجيل أكثر من 33 ألف و489 حالة عام 2014، فيما تراجع هذا الرقم إلى 12 ألف و600 حالة في عام 2020، وفق أرقام سابقة قدمها وزير العدل.
ومن جهتها ترى المحامية بهيئة الدار البيضاء فاطمة الزهراء الإبراهيمي، أن المشرع المغربي وضع بعض الضوابط والمعايير التي يمكن أن نقول إنها صارمة حتى يمكن له الإذن بزواج القاصر، وجعل له إمكانيات واسعة يمكن اعتمادها سواء نفسياً أو طبياً حتى يخلص لما هو في صالح القاصر وضماناً لحمايتها من أي غلط أو تدليس أو إكراه.
وتنص المادة 20 من مدونة الأسرة على أنه لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية المنصوص عليه في المادة 19بمقرر يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك بعد الاستماع لوالدي القاصر أو نائبه الشرعي والإستعانة بخبرة طبية وإجراء بحث اجتماعي.
وقدمت الفاعلة الحقوقية والمحامية مثالاً كان قد ورد في أحد الأحكام القضائية حيث جاء في المقال "أن مصلحة القاصر في الزواج تبقى قائمة بالنظر إلى المعطيات السالفة الذكر لتحصين نفسها وبناء أسرة قوامها المودة والإحترام خاصة وأنها منقطعة عن الدراسة حسب الشهادة رقم 06/12 بتاريخ 18حزيران/يونيو 2001 الصادرة عن مدير مدرسة... كما أن الزوج له دخل محترم من شأنه أن يوفر لها حاجياتها الخاصة وحاجيات الأبناء". 
وهو حكم صادر عن قاضي الأسرة المكلف بالزواج، بقسم قضاء الأسرة بمدينة بني ملال في الملف عدد 86/06 بتاريخ 28نيسان/أبريل 2006.
وتنص المادة 21 من مدونة الأسرة على أن زواج القاصر متوقف على موافقة نائبه الشرعي وهذه الموافقة تتجلى في توقيع هذا الأخير مع القاصر على طلب الإذن بالزواج وكذلك في حضوره إبرام العقد.
وأضافت فاطمة الإبراهيمي "أن قاضي الأسرة المكلف بالزواج، له استخلاص الأسباب والمبررات الداعية إلى هذا الطلب، ومدى توافق رأي كل من القاصر ونائبه الشرعي حول مسألة زواجه، وبالتالي يمكن للقاضي الوقوف على المصلحة المنشودة من وراء هذا الزواج، كما جاء بالمادة 21 من مدونة الأسرة".
ومضت فاطمة الإبراهيمي تقدم أمثلة عن زواج القاصرات في عدد من الدول، مثل الجزائر، حيث أن المشرع الجزائري نص في قانون الأسرة، على أنه تكتمل أهلية الزواج بتمام 19 سنة، سواء عند الرجل أو المرأة، وللقاضي أن يرخص بالزواج قبل ذلك لمصلحة أو لضرورة متى تأكدت قدرة الطرفين على الزواج.
وقد نهج المشرع التونسي، نفس نهج نظيره المغربي، حيث نص في الفصل الخامس من مجلة الأحوال الشخصية التونسية، على أنه "إبرام عقد الزواج دون السن المقرر يتوقف على إذن خاص من المحاكم".
فيما القانون المصري لم يحدد سن معينة للزواج، وإنما أشار إلى عدم قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج، إذا كان سن الزوجة يقل عن 16 سنة وقت رفع الدعوى.
ويظل القانون بسلطنة عمان نموذجاً فيما يخص سن الزواج حيث يشترط لأهلية الزواج بلوغ الزوجين 18 سنة كاملة دون إدراج أي استثناء على النص المتعلق بأهلية الزواج.
وبفرنسا حيث يمكن لوكيل الجمهورية وقت إبرام الزواج الإعفاء من شرط السن حالة توفر الأسباب الجدية ومصلحة الطرفين، ولا يتم الزواج في هذه الحالة إلا بموافقة والدي القاصر حسب المادتين 145و 148 من القانون المدني الفرنسي.
وهو نفس الأمر بالنسبة لإسبانيا؛ حيث أجازت زواج القاصرين في حالة وجود أسباب جدية لذلك وبعد موافقة العائلة والحصول على أمر قضائي وهو ما جاء بالمادتين 45 و46 من القانون المدني الإسباني.
وبالتالي فالقضاء المغربي ساير مجموعة من القوانين المغاربية والعربية وحتى الأوروبية وليس استثناء من القاعدة.
وقالت المحامية فاطمة الزهراء الإبراهيمي إذا لم يعاين قاضي الأسرة الاستثناء الذي يكون في مصلحة القاصر والسبب الجدي ونتائج البحث الاجتماعي والطبي وموافقة جميع الأطراف والولي الشرعي، فإنه لا يأذن تبعاً لذلك بتزويج القاصر.