تونسيات بين الرفض والقبول: الزجر لا يؤسس لقيم حقيقية

بين منتقد ومرحب بتشديد الرقابة على مواقع التواصل الاجتماعي في تونس، اعتبرت حقوقيات أن اعتقال صانعات المحتوى لن يكون الخطوة الصحيحة لمحاربة العنف وإحلال القيم المجتمعية، ودعت الناشطات إلى محاسبتهن بعيداً عن أحكام السجن.

زهور المشرقي

تونس ـ لا تزال الاتهامات الموجهة لصانعي وصانعات المحتوى في تونس تثير الجدل، وتم إلقاء القبض على خمسة بتهم أخلاقية، وذلك بعد انتشار فيديوهات اعتبرتها المحكمة التونسية "تتعارض مع المبادئ التونسية".

في الوقت الذي كان لا بد فيه من استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في عصر الرقمنة، لتوعية المجتمعات والفئة الشابة، تدفع الأزمات التي تعيشها البلدان بما في ذلك التدهور الاقتصادي، لاستغلال المنصات الإلكترونية بشكل خاطئ فقط في سبيل الحصول على بعض المال، دون مراعات النتائج السلبية الناجمة عن ذلك.

وتتناقض هذه الممارسات عبر المنصات الإلكترونية مع ما تسعى له الجمعيات والمؤسسات التي تدافع عن الحقوق وتعمل على توعية المجتمع، وقد قضت الدائرة الجنحية التاسعة بالمحكمة الابتدائية بتونس بحبس عدد من صانعي المحتوى على منصة تيك توك، إلا أن ذلك أثار جدلاً واسعاً وسط دعوات بالتغريم المادي بدل عقوبة السجن التي اعتبرها البعض أنها "تقييد للحريات".

وجاءت الاعتقالات تزامناً مع دعاوى تونسية لحظر التيك توك الذي تحول إلى منصة ثلب وشتم وتسول، وقد تسبب سجن عدداً من صناع المحتوى انقساماً بين التونسيين، حول حدود استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وتمحورت الانتقادات بين الرافض للمضامين المنشورة والمنتقد للرقابة التي وصفت بالتضييق على الحريات، بينما اعتبر آخرون أن عقوبة السجن لن تكون الحل الأمثل للحد من انتشار الظواهر السلبية في المجتمع.

وقالت الناشطة النسوية والحقوقية عايدة بن شعبان إن هناك إمعان في عدم احترام الحرية وتجاوزت الإطار المعمول به من حيث التسيب الذي بلغ التهكم وهتك الأعراض والعنف الرقمي الذي كانت النساء أكبر ضحاياه.

وأفادت بأن هناك حالات خرجت من مواقع التواصل الاجتماعي خاصة التيك توك تستحق الردع، لكن عقوبة السجن ليست حلاً وفق قولها، معتبرةً أن السجن لا يمكن أن يكون الملجأ الأخير للعدالة، داعيةً إلى محاسبة المخطئ عبر تغريمه مالياً أو عقوبات بديلة أخرى.

وانتقدت وضع صانعات المحتوى بالسجن كحل أولي للردع ضد التهم التي الحقت بهن "هناك بطش على الحق في التعبير، حيث لوحظ في السنوات الأخيرة خلط بين الحق في التعبير والتجاوز الذي بلغ المس بالأعراض والثلب، ولم يعد هناك تمييز بين الأمرين".

واعتبرت عايدة بن شعبان أن هناك ترذيل في التيك توك ساهم بشكل أو بآخر في تشكيل مشهد لا يعكس حقيقة تونس ونساءها ورجالها، بل مشهد يشوه الواقع، منتقدةً أيضاً ترذيل المشهد الإعلامي من خلال الاعتماد على صانعي وصانعات محتوى في البرامج التلفزيونية وتمرير خطاب خطير يتنافى مع المبادئ ويتجاوز الحريات.

وترى أن توجه الدولة بمعاقبة هؤلاء بالسجن غير موفق "هؤلاء يمررون خطابات من أجل كسب المال، والدولة بإمكانها تغريمهم بمبالغ مالية ضخمة وفرض رقابة على المحتوى الذي فيه مس لصورة تونس ونساءها خاصة".

ولفتت إلى أهمية إقرار ضرائب لهذه الفئة خاصة ما سيساهم في محاربة الرداءة "تظن الجهات المعنية أن عقوبة السجن علاج للثغرات التي توجد في الوضع المجتمعي بتونس التي أساسها هدم المنظومة التعليمية والثقافية، حيث لم تولي الدولة الاهتمام الكافي لهذين المجالين في السنوات الأخيرة ما خلق جيلاً يتحدث فيما لا يفقهه ويقوم بأشياء بشكل غير واعي وغير مدروس بسبب نقص المعرفة وانعدامها".

ونوهت إلى أن "غياب الوعي خلق هذا المشهد الذي يجب ردعه لكن ليس عن طريق السجن، هناك طرق أخرى منها التعليم والتوعية إعلامياً وإرشاد الشباب خاصة أنهم من أبرز رواد التيك توك والانستغرام".

وارجعت تردي الوضع إلى الانهيار الاقتصادي والواقع الصعب الذي يعيشه الشباب نتيجة البطالة، معبرةً عن أملها في تحسن الوضع والعمل من أجل توعية الشباب ووضعهم في الطريق الصحيح بعيداً عن هذه الموجة التي تتلاعب بهم وتستغل ضعفهم وانعدام وعيهم.

وأشارت إلى أن هذه الفئة التي تُستغل بمواقع التواصل الاجتماعي تنتمي إلى الفئة الهشة التي تعاني البطالة وتحاول توفير قوت يومها من المتابعات والمشاهدات التي باتت عنواناً للرداءة وتشويه سمعة البلاد.

وعبرت عن رفضها لسجن أي صانع أو صانعة محتوى، بسبب محتوى ما مادام لا يمس أمن البلاد واستقراره، "الزجر لا يؤسس لقيم حقيقية، والقوة لا تكون نتائجها محمودة".