مشروع قانون المسطرة المدنية يكرس اللامساواة ويميز بين المغاربة

أثار مشروع قانون المسطرة المدنية في المغرب جدلاً واسعاً، حيث قالت جهات حقوقية إنه يكرس اللامساواة ويميز بين المغاربة، فهو يعطي الحق لسلك جميع مراحل القضاء لفئة دون غيرها.

حنان حارت

المغرب ـ قرر المحامون والمحاميات في المغرب إنهاء إضرابهم الشامل الذي بدأوه في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، بعد أن فتحت وزارة العدل باب الحوار معهم.

ذكرت "جمعية هيئات المحامين بالمغرب"، التي تضم 17 هيئة وعدداً من النقباء، في بيان لها أن اللجنة ستبدأ بتنفيذ نتائج الحوار اعتباراً من 15 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري.

وكانت قد شهدت محاكم المغرب شللاً تاماً خلال الأيام الماضية إثر خوض المحامين والمحاميات إضراباً مفتوحاً عن العمل، ومقاطعتهم الشاملة لكل الإجراءات القضائية والصناديق، في حين تم البت في القضايا الجاهزة بدون حضور هيئة الدفاع، أما القضايا الأخرى فكان مصيرها التأجيل.

ويعود سبب إضراب المحامين والمحاميات إلى اختلاف الرأي حول عدد من فصول مشروع قانون المسطرة المدنية المتعلق بجميع التدابير الإجرائية في المرافعات القضائية، وينظم العلاقات والمعاملات بين الأطراف في الولوج للمحكمة، والذي أحيل إلى مجلس النواب في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2023، وتمت المصادقة عليه بالأغلبية في تموز/يوليو عام 2024، وهو الآن قيد المناقشة بمجلس المستشارين، وهي الغرفة الثانية في البرلمان.

وعن أسباب خوض المحامين والمحاميات إضراباً مفتوحاً، قالت المحامية فاطمة الزهراء الابراهيمي بهيئة الدار البيضاء إن نضال المحامون والمحاميات في هذه الظروف هو نضال حقوقي من أجل المساواة والعدالة لولوج المحاكم "نحن ندافع عن حقوق أبنائنا وجيراننا وأقاربنا والمواطنين والمواطنات المغاربة، بصفة عامة الذين لنا معهم علاقات يومية، من أجل تحقيق العدالة لكل المتقاضين والمتقاضات".

ولفتت إلى أن مشروع قانون المسطرة المدنية الذي يكون محط جدل، يتضمن نصوصاً تمس بحق المواطن والمواطنة في الولوج للعدالة ويضرب الحق في المحاكمة العادلة، معتبرةً إياه مهزلة تشريعية "صحيح أننا في حاجة إلى تعديل القانون، لكن يجب أن يتم ذلك في تلاؤم مع تطور العدالة في المغرب وكذلك المستجدات الدستورية والقانونية، لا أن يتم تسقيف الولوج للعدالة وتكريس التمييز بين المواطنين والمواطنات".

وأكدت على أن بعض المواد التي جاء بها هذا القانون ستحول دون ولوج السكان إلى العدالة بشكل آمن، لافتةً إلى أن مجموعة من مقتضيات المسطرة المدنية خطيرة، لأنها تتضمن تسقيفاً وتغريماً، وهي بذلك تستهدف الفئات الهشة، وستجعل المواطنين في المغرب غير قادرين على اللجوء إلى كل درجات التقاضي".

وأوضحت أن "هناك مقتضى لا يعطي المواطنين والمواطنات حق الطعن في الاستئناف عندما يكون موضوع الدعوة لا يفوق 30 ألف درهم أي ثلاثة آلاف دولار، إذ يعتبر الحكم نهائياً كيفما صدر سواءً كان لصالح المتقاضي أو ضده".

ونوهت إلى أن مشروع القانون يفرض غرامات ثقيلة على ما سمي بالتقاضي بسوء النية، مع أن الأصل هو حسن النية، مما يبين أن هناك نظرة متخلفة تجاه حق التقاضي كحق دستوري مضمون، مؤكدةً على أن مشروع القانون يفترض سوء النية في كل متقاض إلى أن يثبت العكس "هذا أمر خطير، كيف سيتم إثبات حسن النية في التقاضي، وكيف ستثبت المحكمة سوء النية أو حسنها".

وقالت إن من بين المقتضيات الأخرى المثيرة للجدل هي أنه إذا تم تقديم دعوى المخاصمة ضد أي قاضي وتم رفضه يتم الحكم على المواطنين والمواطنات بغرامة تصل إلى 50.000 درهم أي خمسة آلاف دولار، لافتةً إلى أنه في حالة قيام المحامي في إطار الدفاع بدفاعات شكلية وقامت المحكمة برفضها، سيتم تغريم هذا المواطن بعشرة آلاف درهم أي ألف دولار "لِمَ يتم تغريم الموكل، فهو لا يعرف المساطر القانونية والقضائية والمساطر الشكلية والدفوعات الشكلية، ولكن بحكم كوني كمدافعة فأنا من أحمي حق موكلي، وأنا من يظهر لي أن هناك دفعات شكلية لابد من إثارتها، إذن  خوفاً على تغريم الموكل، فإن المحامي  والمحامية لن يستطيعون إثارة هذه النقاط وهو الأمر الذي يعرقل عمل المحامين ويجعلنا لا نقوم بالإجراءات القانونية اللازمة، وهذا فيه خرق لمبدأ مجانية التقاضي الدستوري".

وذكرت أن ما تتضمنه بعض مقتضيات المسطرة المدنية يعتبره المحامون والمحاميات تسقيفاً لولوج العدالة، كما أن التغريم هو وسيلة لتقييد السكان والحيلولة دون أن يمارسوا حقوقهم بشكل آمن وحر أمام القضاء.

وأفادت أن تلك الإجراءات ستسهم في حرمان فئات واسعة من المجتمع المغربي إلى الولوج للعدالة وخاصة الفئات الهشة، لهذا فالمشروع يضر بالسكان أولاً ومن خلالهم يضر المحامين والمحاميات.

وتساءلت "عمن يشرع ولمن يشرع؟ إذا كان المشروع يشرع للمغاربة والصالح العام فهذه ليست هي النصوص التي يجب أن تكون في المسطرة المدنية، فالمفروض أن تكون نصوصاً تحمي المواطنين والمواطنات الذين واللواتي في وضعية هشة وهضم حقهم في جميع مراحل التقاضي".

ومن بين المقتضيات الأخرى التي تثير حفيظة أصحاب البذلة السوداء، قالت "هناك نص لا يعطي المواطنين والمواطنات الحق في الطعن بالنقض في القضايا التي لا تتجاوز قيمتها 80.000 درهم أي ثمانية آلاف دولار".

وأضافت أنه "إذا حكمت محكمة الاستئناف على مواطن بأداء دين قيمته 80 ألف درهم مغربي ثمانية آلاف دولار يصبح ذلك الحكم نهائياً، ولا يحق له الطعن فيه، بحجة أن هذا المبلغ قليل ولا يستحق أن يصل إلى النقض"، لافتةً إلى أن هذا المقتضى يكرس اللامساواة بين السكان، فهو يعطي الحق للفئة الغنية فقط التي تذهب للاستئناف والنقض وإلى جميع الطعون لأنها تملك المال، في حين أن الفئة الهشة لا يحق لها ذلك لأنها فقيرة وديونها بسيطة".

وترى فاطمة الزهراء الإبراهيمي أن هذا التوجه سيتم على حساب حقوق المتقاضين والمتقاضات، إذ سيحرمون من الحق في استيفاء جميع مراحل التقاضي، كما سيثير لديهم المخاوف والشكوك من التوجه إلى القضاء خشية الغرامات، مضيفةً "دورنا كمحامين هو الدفاع عن حقوق وحريات المواطنات والمواطنين، وهذا يدخل ضمن مسؤوليتنا الأخلاقية والمهنية والقانونية".

والجدير بالذكر أن قانون المسطرة المدنية ترجع صيغته الأولى إلى عام 1913، حين كان المغرب تحت "الحماية الفرنسية"، في حين شهد هذا النص القانوني تعديلات في عدة محطات، كان أولها بعد الاستقلال، إذ تم تعريب ومغربة القانون سنة 1965، ثم تلتها أربع محطات للإصلاح والتعديل ترجع إلى عام 1974 و2011، و2019 و2021.