هل تُعدّلُ مدونة الأسرة المغربية لتحقيق المساواة الاجتماعية؟

من المرتقب أن تجرى نقاشات تشريعية برلمانية بين مختلف الأطياف الحزبية بخصوص مدونة الأسرة المغربية.

حنان حارت

المغرب ـ حظي موضوع تعديل مدونة الأسرة المغربية باهتمام كبيرة، وأكدت عدة جهات على ضرورة إدخال تعديلات عليها لمسايرة حركة التغيرات والتطورات التي يعرفها المجتمع، من أجل النهوض بوضع النساء.

 

خطوات إصلاح المدونة

عرفت خطوات إصلاح قانون الأسرة المغربية عدة محطات، فكل محطة شكلت مساراً تاريخياً ومرحلة حاسمة داخل البلاد.

خلال الفترة التي سبقت مدونة الأحوال الشخصية، لم يكن هناك سوى قانون الالتزامات والعقود وقانون المسطرة المدنية والقانون التجاري وقانون التحفيظ العقاري، وقانون المحافظة على الغابة وجميعها قوانين صدرت بموجب معاهدة الحماية بعد آذار/مارس 1912، والتي كانت تتسم بالتمييز والنظرة الدونية للمرأة.

 

أول "مدونة"

بعد شهور من حصول المغرب على استقلاله، صدرت مدونة الأحوال الشخصية عام 1957 وكانت باكورة إطار قانوني ينظم العلاقات الأسرية، لكن بعد أربع أعوام من إعلانها عام 1961 تقدمت لجنة مكونة من رؤساء المحاكم بمشروع للتعديل، لكنه لم يرى النور.

وتوالت المبادرات الرسمية الهادفة إلى إعادة صياغة نصوص مدونة الأحوال الشخصية، فتشكلت خصيصاً لهذا الغرض اللجنة الوزارية المنبثقة عن وزارة العدل عام 1974، إلا أنها لم تفلح في بلوغ هدفها وهو المصير نفسه الذي ختم أعمال اللجنة الملكية التي عينت في الخامس من أيار/مايو عام 1981 والتي كلفت بإحداث مدونة جديدة.

وبقي العمل "بمدونة الأحوال الشخصية" لعام 1957 سار حتى مطلع التسعينيات، وخلال هذه المرحلة كانت الحركة النسائية المغربية قد راكمت تجربة بلغ مستواها تقديم الملفات المطلوبة لكل تنظيم على حدى وتعميمها على الرأي العام والدفاع عنها أمام أصحاب القرار، والنظر في تنظيماتها وهياكلها ووسائل عملها لتتخذ قراراً تاريخياً بشأن أسلوب عملها؛ وهـو ما أفرز ثاني تعديل لمدونة الأحوال الشخصية في 10 أيلول/سبتمبر1993، لكن رغم التعديلات التي لحقت بالمدونة، لم ترق للحركات النسائية ولم تحقق أغلب متطلباتها وعبرت عن استيائها منها.

وبعد نقاش طويل شاركت فيه التيارات الحقوقية والسياسة المغربية، تمت المصادقة على مدونة الأسرة الحالية في عام 2004.

وشكلت المدونة حين صدورها قفزة نوعية فيما يتعلق بالعديد من الملفات المرتبطة بالمرأة، لكن بعد مرور 18 عام ظهرت الكثير من الإشكاليات والثغرات القانونية التي باتت معضلة حقيقية في ظل التغيرات التي يشهدها المجتمع المغربي.

 

قضايا النساء تحتاج للمعالجة

وقالت رئيسة جمعية اتحاد المرأة المغربية خديجة أهليل، إن قضايا النساء في البلد لا تزال تحتاج إلى العديد من المعالجات القانونية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، مشيرة إلى أن مدونة الأسرة الحالية حان وقت تعديلها.

وأوضحت أن هناك بعض البنود في مدونة الأسرة التي تحتاج إلى التعديل وإعادة صياغتها بما يضمن حقوق النساء والفتيات في المغرب؛ هناك زواج القاصرات يجب منعه، وحصر عمر الزواج بـ 18 عام بالنسبة للفتاة والشاب على حد سواء، والحد من السلطة التقديرية في اللعب بعمر الزواج بالنسبة للبنت القاصر؛ التي لها الحق في التدريس والتعليم وفي عيش طفولتها.

 

تعسف على حقوق الحاضنات

وأضافت خديجة أهليل هناك مشاكل تتعلق بالأمهات الحاضنات، عندما يحدث الطلاق المحكمة لا تنصفها، ترمى في الشارع، فلابد من إعادة النظر في هذه المسألة، ووضع صيغ جديدة تكفل للمرأة المطلقة حقوقها ومن ثمة الحفاظ كذلك على حياة كريمة للأطفال.

وأشارت إلى إنه عندما تتزوج المرأة للمرة الثانية تسحب منها الحضانة في حين أن الرجل عندما يتزوج لا تسحب منه، وهذا فيه تناقض كبير والظلم الذي يمارس ضد المرأة التي تنجب وتربي وتسهر على راحة أبنائها.

ومن جانبها أكدت عضو فيدرالية رابطة حقوق النساء لطيفة بوشوي، على ضرورة التغيير الشامل لمدونة الأسرة، من أجل إعطاء المرأة مكانتها داخل الأسرة والمجتمع، مشيرة إلى أن ذلك هو جزء من مقاربة الحركات النسائية، إذ لا يمكن تغيير القوانين دون مناقشة ووضع النساء في المكانة التي يستحققنها، لضمان الريادة والرفاهية لهن؛ لأن ذلك من شأنه أن يساهم في التنمية.

وطالبت برفع كل أشكال الظلم والتمييز التي تكرسها المدونة الحالية ضد النساء والأطفال، مشددة على أن هناك تحولات مجتمعية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار؛ كما يجب وضع واقع المرأة الاجتماعي والاقتصادي في صلب تغييرات مدونة الأسرة.

وقالت إنها في عام 2004 عندما صدرت المدونة كانت بمثابة ثورة، ولكن عند تطبيقها ظهرت العديد من الإشكاليات والثغرات القانونية، مضيفة إن هناك جانب الملاءمة بحيث جاء دستور 2011 وأكد على المناصفة والمساواة، فكان من المفروض أن يتمثل ذلك على مستوى المدونة.

 

تغيير شامل للمدونة

وعن مطالب الحركات النسائية في المغرب، فيما يتعلق بتعديل مدونة الأسرة الحالية طالبت لطيفة بوشوي بإعادة تغيير شامل للمدونة، التي نصت المادة الأولى على المسؤولية المشتركة داخل الأسرة في رعاية الأطفال، "نرى أن هذا النص هو الذي يجب أن يتحكم بباقي فصول المدونة؛ وكان لابد أن نرى ذلك مجسد في الحقوق والواجبات وفي كافة مقتضيات المدونة".

وأضافت "في بعض الفصول نرى أن المرأة لها مكانة حقيقية وأحياناً أخرى تصبح شيء تابع أو لديها مركز ثانوي مقارنة مع الرجل داخل الأسرة".

وأوضحت هناك عدة ملاحظات على الصياغة، إذ يجب أن تتم بطريقة عصرية تعطي مكانة للمرأة داخل الأسرة والمجتمع بنفس المعاملة اللغوية، وذلك بحذف الصيغ والمواد المبنية على الدونية والتمييز.

 

الولاية القانونية على الأبناء

وأكدت إن مسألة الولاية القانونية على الأبناء التي يجب أن تكون كذلك من حق المطلقات، فهن تواجهن عدة مشاكل، فالأمهات يصطدمن بفراغ قانوني في حالة الطلاق أو الحصول على وثائق للأبناء أو رغبتهن في نقلهم من المدرسة، إذ تكون الأم ملزمة بحضور الأب لتتمكن من هذه الوثائق، وفي هذا الوقت الذي يكون الأب ممتنعاً عن أداء النفقة أو ليس لديه عنوان محدد.

 

الأطفال خارج مؤسسة الزواج

وقالت هناك إشكال آخر يتعلق بالأطفال الذين يولدون خارج إطار الزواج، فهذه الفئة من الأطفال يتعسف عليها القانون، إذ ليست لها نفس حقوق الأطفال الذين يولدون داخل مؤسسة الزواج.

وأوضحت إن الحكومة هي المسؤولة عن حماية ورعاية الطفل كيفما كان وضعه الأسري، لهذا يتوجب عليها حماية وضمان حقوق الأطفال الذين يولدون خارج مؤسسة الزواج.

 

منظومة الإرث

أما فيما يتعلق بمنظومة الإرث، فأوضحت أن مسألة التعصيب تحتاج إلى التعديل كذلك، فشروط الحياة والعيش عرفت تغيرات فيما يتعلق بالإنتاج والدخل لدى المرأة.

وطالبت عضو فيدرالية رابطة حقوق النساء لطيفة بوشوي في ختام حديثها بمدونة تتماشى مع التغيرات التي يعرفها المجتمع المغربي، بهدف تحقيق المساواة.