العنف ضد المرأة في العراق... دعوات لإصلاح التشريعات وحماية المعنفات
وسط غياب تشريعات رادعة وأدوات حماية فعالة، طالبت ناشطات نسويات وحقوقيات في العراق بإصلاح القوانين وضمان كرامة المرأة وحمايتها.
كريمة الربيعي
العراق ـ يشهد العراق في السنوات الأخيرة تصاعداً مقلقاً في مظاهر العنف ضد النساء والفتيات، حيث تتنوع أشكاله بين الجسدي والنفسي والجنسي واللفظي، وصولاً إلى العنف الأسري الذي يهدد استقرار الأسرة والمجتمع. هذا الواقع يثير قلقاً واسعاً لدى منظمات المجتمع المدني والناشطات الحقوقيات اللواتي يطالبن بضرورة مراجعة التشريعات القائمة، وإقرار قوانين تحمي المرأة من التهميش والاعتداء، وتضمن لها العدالة والكرامة الإنسانية.
العنف ضد المرأة لا يُعد مجرد انتهاك فردي، بل هو ظاهرة اجتماعية خطيرة تعكس خللاً في البنية القانونية والثقافية، وتعيق مشاركة النساء في التنمية والحياة العامة. ومن هنا تأتي أهمية تكاتف الجهود بين المؤسسات الرسمية والمنظمات المدنية لتوفير أدوات حماية فعّالة، والالتزام بالاتفاقيات الدولية التي تدعو إلى القضاء على جميع أشكال التمييز والعنف، بما يضمن للمرأة مكانة متساوية وشراكة حقيقية في بناء المجتمع.
مطالب بالعدالة والكرامة الإنسانية
خيال الجواهري ناشطة نسوية ونائبة سكرتيرة رابطة المرأة العراقية، تقول إن العراق شهد في الآونة الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في مظاهر العنف ضد المرأة والأطفال، سواء كان ذلك اعتداءً جنسياً أو جسدياً أو نفسياً أو لفظياً، بما في ذلك العنف الأسري المتمثل في الضرب والإهانة للزوجة وتعذيب الأبناء "سجلت مدينة بغداد وحدها أكثر من 53 ألف دعوى من هذا النوع ضد النساء".
وأوضحت أنه كمنظمات مجتمع مدني وشخصيات نسوية وحقوقية وثقافية يعملون من أجل الحد من هذه الظاهرة، والحدّ من التهميش والاعتداء والتدخل في حياة المرأة تحت ذرائع واهية مثل "تأديب الزوجة" أو فرض السيطرة حتى على ملبسها، وهي ممارسات متوارثة من عادات قديمة لم يعد لها مكان في مجتمع يسعى إلى العدالة والكرامة الإنسانية.
تشريع زواج القاصرات شكلاً آخر من أشكال العنف
وترى خيال الجواهري أن تعديل قانون الأحوال الشخصية الأخير، المعروف بالقانون الجعفري، يشرع زواج الفتيات القاصرات، وهو ما يُعد من أشد أشكال العنف والإجبار بحق الطفلات، إضافةً إلى إباحة الضرب تحت ذريعة "تأديب الزوجة"، وقد ارتفعت هذه الحالات في بغداد لتصل إلى أكثر من 17% من المجتمع، وهو مؤشر خطير على تراجع حقوق المرأة.
وأكدت "كمنظمات مجتمع مدني، نرفض هذه الأفكار البالية التي لا تتناسب مع قيم العصر الحديث، ونطالب بتشريعات وقوانين تحمي النساء من هذه الممارسات، فالمرأة في القرن الحادي والعشرين يجب أن تُعامل كشريك أساسي في الحياة والتنمية، وأن تُحترم مكانتها حيث تشكل النساء ما يقارب 60% من المجتمع".
"العنف بأشكاله المختلفة يهدد حياة النساء"
الناشطة المدنية انتصار الميالي أكدت على أهمية مناهضة العنف ضد النساء والفتيات، مشيرة إلى ارتباط هذا النضال بالإعلان العالمي واتفاقية "سيداو" التي تهدف إلى القضاء على جميع أشكال العنف والتمييز ضد المرأة، والتي صادق عليها العراق عام 1986 مع بعض التحفظات التي أثارت جدلاً واسعاً.
وأوضحت أن الفترة الممتدة من 25 تشرين الثاني/نوفمبر وحتى 10 كانون الأول/ديسمبر مثلت مساحة زمنية لإطلاق الفعاليات والأنشطة الميدانية والجماهيرية، إضافة إلى المبادرات المشتركة بين القطاعات الحكومية والمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني، بهدف التوعية بمخاطر العنف وأشكاله المختلفة.
وأكدت أن العنف يشكل تهديداً مباشراً لحياة النساء والفتيات، سواء كان جنسياً، جسدياً، أسرياً، نفسياً، اقتصادياً، رقمياً أو عبر خطابات الكراهية، مشيرة إلى أن هذا الأخير يعد من أشد أشكال العنف الذي تتعرض له المدافعات عن حقوق المرأة وقضايا النساء.
أهمية وجود أدوات الحماية للمرأة في العراق
وشددت انتصار الميالي على أهمية توفير أدوات حماية فعّالة للنساء والفتيات، مشيرة إلى أن هناك إجراءات وأرقام ومنصات للاستجابة العاجلة، إلا أن هذه الأدوات ما تزال ضعيفة جداً في العراق.
وأوضحت أن غياب الإرادة السياسية وعدم وجود دور إيواء يمثلان عائقاً كبيراً، فعند تقديم شكوى واللجوء إلى الأجهزة الأمنية تُواجه الناجية من العنف مشكلة أساسية "أين يمكن إيواؤها؟"، غالباً ما تُترك في قسم الشرطة، وهو ما ينعكس سلباً عليها ويضاعف من معاناتها، إذ تُجبر في النهاية على العودة إلى عائلتها وتحمل الأعباء الأخرى، مع تعرضها لخطر القتل بسبب الأعراف والتقاليد. وحتى الآن، لا يوجد في العراق قانون خاص لحماية النساء من العنف الأسري.
ولفتت إلى أن الأسرة، التي يُفترض أن تكون حصناً للأمان والحماية وملاذاً للمرأة، قد تتحول في كثير من الحالات إلى مصدر للعنف، حيث تُقتل النساء تحت ذرائع مختلفة، كالحرق أو الرمي من أماكن مرتفعة، ثم تُسجل هذه الجرائم في ملفات الطب العدلي والمستشفيات على أنها حالات انتحار، مشيرة إلى جرائم ما يُعرف بـ "غسل العار"، ووجود مقابر في مدينة المثنى تُسمى "مقابر المخطئات"، وغيرها من الانتهاكات التي تُرتكب بحق النساء.
ضرورة مراجعة التشريعات
وأكدت أن العراق اليوم أمام مسؤولية كبيرة لتنفيذ تعهداته والتزاماته الدولية، وأن هناك حاجة ملحة إلى إجراءات جدية للحماية والوقاية من العنف، وإلى الإسراع في إقرار قانون خاص بالعنف الأسري، مع محاسبة مرتكبي هذه الجرائم بشكل فعلي، بعيداً عن المعالجات السطحية التي تنتهي غالباً بتبرئة الجناة بكفالة أو تسويف القضايا، فيما تتحمل الضحية وحدها الثمن المضاعف.
وشددت انتصار الميالي على ضرورة مراجعة التشريعات العراقية وتخليصها من النصوص التي تُكرس الظلم، مثل المادة 398 التي تسمح للمغتصب بالإفلات من العقوبة إذا تزوج ضحيته، وهو ما يُعد جريمة مركبة بحق الفتاة "القانون العراقي مطالب بوضع تشريعات واضحة وشاملة للتصدي لجميع أشكال العنف، بما في ذلك العنف الرقمي، وضمان حقوق النساء في الحماية والأمان والسلام، ليتمكنّ من المشاركة في الحياة بشكل متساوٍ".