دور الإعلام في تكريس الصور النمطية واتساع الفجوة بين الجنسين

تبقى وسائل الإعلام أحد العوامل المؤثرة في الخيال العام، خاصة في ارتباطها بقضايا المرأة والمساواة بين الجنسين‫، فهي تؤثر فيه وتشكله بما تروجه من صور ترسخ في الذهن. ‬‬‬‬‬

رجاء خيرات

المغرب ـ ترى الناشطة والصحفية فاطمة نوك أن العديد من وسائل الإعلام لا تعمل على الترويج لمبدأ المساواة بين الجنسين، بل أنها تسوق للصور النمطية تحت مظلة مضامين ثقافية، قد تكون متطرفة أو مغالطة والأهم أنها متناقضة كلياً مع واقع الحال، لأن واقع المرأة المغربية هو متحول بوتيرة سريعة.

"يظهر دور الإعلام في اتساع الفجوة بين الجنسين ويظهر ذلك جلياً في بعض المقالات الصحفية وفي الصور التي تبث عبر وسائل الإعلام بشتى أنواعها، وكذلك في الإشهار والأفلام والمسلسلات التي تقدم نماذج للمرأة مثل المشعوذة والضعيفة والمضحية والخنوعة، ولم تنفي أن هناك بعض التحسن في رسم صور أخرى للمرأة منها الناجحة والموظفة التي تقارن بين المهام الخاصة والمهنية، وإن كانت الصور النمطية هي الأكثر تداولاً عبر وسائل الإعلام‫"، هذا ما أكدت عليه الناشطة والصحفية فاطمة نوك.

كما قالت يتحمل الإعلام مسؤولية المساهمة في تنوير الخيال العام، وفي بناء علاقات اجتماعية تبنى على المساواة داخل المجتمع، غير أن الكثير من التشكيلات الخطابية والبصرية التي ينتجها لا تعكس بأمانة الواقع الاجتماعي، بل تؤثر بشكل سلبي على التمثيلات والأدوار المرتبطة بالجنسين وبالتالي يتم نعتها بأنها مقيدة ونمطية بسبب عملها على تكريس صور نمطية حول المرأة.

وعما إذا كانت هناك عوامل أخرى تكرس هذه الصور، أوضحت فاطمة نوك أن هناك عدة صور نمطية عن المرأة تمرر أيضاً عبر التنشئة الاجتماعية، من خلال الأسرة والمدرسة، لكنها تمرر حالياً عبر القنوات أهم سلطة في المجتمعات المعاصرة وهي وسائل الاتصال ومواقع التواصل الاجتماعي باختلاف أنواعها ومحتوياتها‫.

وأضافت إن "دور هذه القنوات مهم جداً في تمرير وترسيخ هذه الصور النمطية عن النساء وأدوارهن الاجتماعية، لأنها لا تقتصر على المؤسسة الأسرية فحسب، ولكنها تمتد لتصل لتشمل المجتمع بكل شرائحه واختلاف مجالاته حضرية أو قروية، كما أنها تمس الفئات العمرية المختلفة، إضافة إلى سرعة وصول هذه الصور والأفكار، ومن هنا الأهمية تظهر إشكالية صورة المرأة في الإعلام".

وأشارت إلى أن الدراسة التي سبق وأنجزتها الهيئة العليا للقطاع السمعي البصري المعروفة اختصاراً بـ ‫"الهاكا‫" عن التلفزيون والخطاب الإشهاري ودوره في تنميط بعض الصور ‫"التلفزيون يعكس على الأقل التطورات المجتمعية وعلى الأرجح توجيهها واستشرافها على نحو إيجابي بالمعني الذي يفيد تقديم المفاتيح الكفيلة بتصحيح الاختلالات الوظيفية الراسخة في هذا الشأن‫".

وبينت أن خطورة الأمر تتمثل في أن الإعلام يؤثر عبر الرسائل التي تحتوي على القوالب النمطية التقليدية للجندر، وعلى تشكيل الهوية وعلى إنتاج أدوار الجنسين في المجتمع ‫كمشاهد المرأة في المطبخ والرجل يشاهد نشرات الأخبار على شاشة التلفزة، وبالتالي فهذه الصور النمطية مسؤولة ليس فقط عن الحفاظ على صورة مهينة أو غير مكتملة للمرأة وواقعها، ولكن أيضاً عن التأثير السلبي على السلوكيات المرتبطة بأدوار الجنسين، من خلال منح الدعم والتبرير لسلسلة العمليات التي يتم من خلالها الحفاظ على العلاقات غير المتكافئة بين الجنسين.

وعن دور ‫الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري في الحد من تنميط صورة النساء في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، أوضحت فاطمة نوك أن دستور سنة 2011 كرس المساواة بين الجنسين تعبيراً عن إرادة سياسية ومعنوية واضحة لسد الفجوة التاريخية بين الجنسين للتمتع بالحقوق الأساسية، وشكلت المادة 19 وعدة مواد أخرى مرجعية مستمدة من المعايير الكونية تم استحضارها في قوانين مثل القانون المتعلق بالاتصال السمعي البصري والقانون المتعلق بتنظيم الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، التي أوصت متعهدي الاتصال السمعي البصري النهوض بثقافة المساواة بين الجنسين، ومحاربة التمييز على أساس الجنس بما في ذلك الصور النمطية، وكذلك الحرص على احترام مبدأ المناصفة في المشاركة في كل البرامج.

وبينت أنه أدرج ضمن القوانين أيضاً الإشهار الممنوع الذي يتضمن إساءة للمرأة أو ينطوي على رسالة من طبيعتها تقديم صورة نمطية تكرس دونيتها أو تدعو للتمييز بسبب جنسها، لافتةً إلى أن هناك العديد من المقتضيات، القانونية المرجعية، المؤطرة لدور الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، وهي وفق ذلك تمارس وظائفها في الزجر والتصحيح والضبط ‫"شاهدنا كيف تم توقيف بعض البرامج لمدة معينة بسبب بعض التجاوزات التي تسيء للمرأة أو تحط من كرامتها‫"، مشيرةً إلى أن الهيئة تسعى وفق وثائقها إلى النهوض بثقافة المساواة والمناصفة بين الرجل والمرأة ومحاربة الصور النمطية، من خلال تقديمها لدراسات وتوصيات مهمة عن تمثيل المرأة في مختلف البرامج والانتاجات‫.

وأضافت "مع ذلك تبقى محاصرة الصور النمطية عن المرأة والرجل أيضاً تحتاج إلى مجهودات أكبر من قبل تكوين مهني ومهنيات الحقل الإعلامي على المقاربة الحقوقية، وأيضاً تعزيز التوعية حول مبدأ المساواة بين الجنسين من أجل التسريع بوتيرة تغيير العقليات، وحتى يتم اعتبار المساواة بين الرجال والنساء فرصة للجميع، بدل اعتبارها تهديداً وهذا يتطلب وقتاً ومجهودات مهمة تهم الأسرة والمدرسة في المقام الأول"‫.

وعن مسؤولية الإعلام أكدت فاطمة نوك أن كل قول يسوقه الإعلام ينتهي إلى صور ذهنية مترسخة، وتتم صياغة المعاني بناءً على هذا الترسخ الذي يبدأ ورقياً أو على الشاشات ثم يمتد ليكون حقائق مطلقة، وهو ما يؤكد على دور الإعلام في إنتاج القيم الثقافية، وإعادة تشكيل التصورات، والمعاني الثقافية، وخطاب المجتمع".

ودعت الفاعل الثقافي والإعلامي والفاعل السياسي والمؤسسات المسؤولة إلى المساهمة في بناء خطاب إعلامي متوازن عن المرأة وغير مفارق لواقعها، خاصة أن ضعف التطور الذي عرفه مسار المساواة بين النساء والرجال يعود في جزء منه إلى ما هو مرتبط باستمرار العقلية والتقاليد الذكورية، حسب التقرير الذي أنجزته اللجنة المكلفة بإعداد النموذج التنموي، الذي اعتبر العقليات أحد الأسباب الرئيسية التي ترهن تنمية البلاد، كما وضع التمثيلات المرتبطة بالنساء وقضاياهن وأدوارهن ومكانتهن موضع سؤال‫ يحتاج لإجابات ملحة وضرورية تستجيب لواقع المغربيات.

وخلصت إلى أن أي الإعلام بشكل عام لا يحمل مرجعية تستجيب لبعد المساواة بين الجنسين، بل إنه يسوق للصور النمطية تحت مظلة مضامين ثقافية، قد تكون متطرفة أو مغالطة والأهم أنها متناقضة كلياً مع واقع الحال، لأن واقع المرأة المغربية هو متحول بوتيرة سريعة.