استعادة الثقة بذواتهن والبوح عن معاناتهن... أبرز ما تعمل عليه المراكز النسوية

في عالم يعج بالتحديات ويزخر بالصعوبات، تحتاج الفتيات والنساء إلى ملاذ آمن ومشجع يمكنهن من خلاله استعادة الثقة بذواتهن والبوح عن معاناتهن بحرية، وهو ما تعمل من أجل تحقيقه المراكز النسوية داخل مناطق حلب المحررة.

غفران الهبص

حلب ـ في ظل صخب الحياة وترحالها القسري، تجد النساء أنفسهن مجبرات على ترك منازلهن وأوطانهن بحثاً عن الأمان والاستقرار، فهن قابعات تحت قبضة مشاعر الفقد والحنين، وكذلك تحديات الحياة الجديدة كلما انتقلن من مكان لآخر.

في محاولة لتمكينهن وإعانتهن على مصاعب الأوضاع المتكررة والمؤلمة التي تعشنها تعمل المراكز النسوية في حلب على تقديم الدعم للفتيات والنساء خاصة المهجرات اللواتي تعانين من الغربة الدائمة بعيدات عن موطن نشأتهن وحياتهن التي اعتدنها والجيران والأصدقاء مما أثقل كاهلهن بالخوف وفقدان الثقة وعدم القدرة على بناء الحياة مرة أخرى.

 

المراكز النسوية والخدمات المتنوعة

تعمل المراكز النسوية في حلب على دعم النساء والفتيات وتمكينهن الاقتصادي والاجتماعي لتتغلبن على ما تعانينه من أزمات وتحققن تطلعاتهن في مستقبل أكثر استقراراً، وأماناَ، يستطعن من خلاله تلبية احتياجاتهن ذاتياً بالاعتماد على قدراتهن وإمكانياتهن ومهاراتهن الخاصة.

وقالت سمية خياط، مديرة مركز أثر للتنمية، أنهن تعملن من أجل تحسين واقع الفتيات والنساء ومساعدتهن على بناء قدراتهن من خلال تقديم دورات تعليمية ومهنية، مبينة أنه لديهم قسم خاص بالدعم النفسي يتضمن برامج مناسبة لهن، ويعملون على تطوير أفكار الفئات المستهدفة وتطويرها لمشاريع صغيرة وتقديم دعم مادي متمثل في توفير الأدوات اللازمة لهن، بالإضافة إلى قسم رياض الأطفال المخصص لصغارهن في محاولة لمساعدتهن في التركيز على التطور واكتساب المهارات وأيضاً توفير مكان آمن لرعاية الأطفال خلال ذلك، وقسم إدارة حالة والمخصص للاستقبال الأولي وتحديد نوع الخدمة والإحالة مع الجهات والمراكز الأخرى.

 

الأهداف والتحديات

وأوضحت أن لديهم عدد من الأهداف منها "تعزيز قدرات الفتيات والنساء على اتخاذ القرارات وتحقيق الاستقلالية الاجتماعية والاقتصادية، بالإضافة إلى رفع مستوى الوعي بأهمية دورهن بالمجتمع والعمل على مكافحة العنف والتمييز ضدهن".

وعن التحديات التي تواجه المراكز النسوية في العمل أكدت أنها عديدة ويأتي في مقدمتها الأمن والسلامة، فالوضع الأمني غير مستقر في المناطق المحررة، بالإضافة إلى نقص التمويل والموارد الناتجة عن تردد المانحين في دعم أعمالهم بسبب التوترات الأمنية بمجال تقديم الخدمات، فضلاً عن القيود المجتمعية والثقافية السائدة لكون البعض يرفض فكرة تمكين المرأة وتعزيز دورها.

 

حلول مقترحة لمستقبل أفضل للنساء

وكشفت عن عدد من المقترحات التي من شأنها أن تحسن عمل المراكز النسوية وتذلل العقبات التي تواجهها وهو ما يعود بالنفع على الفتيات والنساء في مختلف المجالات سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، ومنها "توفير الأمن والسلامة بالتنسيق مع السلطات المحلية، واستخدام التكنولوجيا، والتواصل مع الشركاء لتوفير التمويل، بالإضافة إلى رفع مستوى الوعي والثقافة المجتمعية لدى المواطنين بفكرة تمكين المرأة ودوره في بناء المجتمع وضمان استقراره".

وأوضحت أن المراكز النسوية ومركز أثر واحد منها يعملون من أجل واقع أفضل للنساء يتم خلاله إرساء دعائم العدالة التي تمكن المرأة من نيل حقوقها كاملة دون انتقاص ويقضى فيه على التمييز والعنف، مشيرة إلى أن أحد أهم الحلول الداعمة للنساء تتمثل في القبول بهن والاعتراف بدورهن في تحقيق التنمية المستدامة وخلق بيئة داعمة لهن تستطعن خلالها تحقيق أحلامهن وطموحاتهن.

 

المهجرات قسرياً وخدمات المراكز النسوية

النساء المهجرات تعانين من تبعات الأمر لكونهن تركوا خلفهن حياتهن التي سعين بدأب لبنائها وعلاقاتهن التي توطدت مع مرور الزمن وأحلامهن التي عملن من أجلها لمستقبل غائم لا يستطعن تنبؤه ويسيطر عليهن الخوف من ذلك المجهول الذي ينتظرهن وذويهن، بالإضافة إلى عبء الأطفال والحفاظ على استقرار أسرهن النفسي، فضلاً عن تأمين الاحتياجات ببقايا الدخل الذي تقلص بسبب التنقل وعدم توفر فرص العمل.

وتروي أمينة قطماوي تجربتها قائلة "تهجرنا من مدينة حلب في عام 2012 وفقدت زوجي في عام 2016 ولدي أربعة أولاد، واجهت الكثير من الصعوبات التي سببت لي ألماً نفسياً، ذات يوم سمعت عن مركز نسوي تتوجه إليه الفتيات والنساء بهدف تمكينهن وتعزيز ثقتهن بذواتهن".

وأكدت أنها كانت مترددة في البداية لأنها أمية، فضلاً عن كونها تشعر بالغربة في المكان الذي هُجرت له ولكن الظروف السيئة التي تعيشها أجبرتها على اتخاذ الخطوة والذهاب لطلب الدعم "عند وصولي لمركز أثر استقبلتني مديرته وهو الأمر الذي أشعرني بالأمان وبدأت الموظفة المختصة تعدد لي الخدمات التي يقدمونها، فتشجعت وقررت أن انضم إلى قسم محو الأمية لأتمكن من الكتابة والقراءة".

وقالت "شعرت أنني أفضل من السابق وبدأت ألاحظ التغييرات التي طرأت على حياتي، فقد كنت وحيدة لكن بعد انضمامي للمركز النسوي أصبحت اشعر بالانتماء إلى ذلك المجتمع"، مؤكدة أن واقعها بات أفضل فتعلمها المستمر وذهابها للمركز ساعدها في الوثوق بذاتها وأشعرها بقدر كبير من الحرية التي غابت عنها لفترات طويلة وحجم مخاوفها من المستقبل لكونها باتت تشعر أن هناك جديد تبنيه وتحققه وتستهدف الوصول له فضلاً عن كونها تمكنت وبعد وقت طويل من البوح عن مشاعرها لأنها في مساحة آمنة لن تكشف عن أسرارها أو بياناتها الشخصية.

وأضافت "أعظم نجاحاتي التي وصلت لها تتمثل في تعلمي القراءة والكتابة وتحقيق حلمي الذي طالما رغبت فيه منذ صغري لتعثر أسرتي عن تعليمي وضياع فرصتي في ذلك نتيجة مسؤولية الأسرة والأطفال".