الإعلام في تونس... سلاح ذو حدين
حول كيفية تعاطي الإعلام لقضاياهن، اتفقت أغلب الناشطات أن الإعلام في تونس سلاح ذو حدين، فبعض البرامج تصغر صورة المرأة على غرار ما يقدم في المسلسلات أو البرامج، وفي المناسبات الخاصة بها مثل عيد المرأة تسلط الضوء على نجاحاتها.
إخلاص الحمروني
تونس ـ تلعب وسائل الإعلام دوراً هاماً في تشكيل الرأي العام والتأثير عليه بحكم وظيفته التوعوية ونشر قيم أخلاقية ومهنية تحترم حقوق الإنسان خاصة إذا ما تعلق الأمر بمواضيع شائكة تتعلق بقضايا النساء، والمتابع لهذه المضامين الإعلامية, يدرك أن بعض الوسائل الإعلامية حازت عن دورها الأساسي لتقدم مضموناً ينقص من قيمة المرأة، الأمر الذي جعل بعض المهتمات بقضايا المرأة تنتقدن وسائل الإعلام برمتها وتتحدثن عن سلبية دور وسائل الإعلام في تناول هذه القضايا.
تناولت وكالتنا هذا الملف وسلطت الضوء على قضايا المرأة عموماً وفي الجنوب خصوصاً، موضحة كيفية تعاطي الإعلام التونسي لهذه القضايا مستندة لشهادات حية وحوارات لنساء لهن علاقة بهذا الموضوع.
أوضحت الناشطة الحقوقية حبيبة العسكري، أن العنف يعد أهم قضايا المرأة في تونس ولا سيما العنف الاقتصادي المرتبط بالوضع الهش الذي تعيشه المرأة ويولد في مرحلة ثانية عنفاً اجتماعياً وسياسياً، مشيرةً إلى دراسة أعدها مؤخراً الاتحاد الوطني للمرأة التونسية.
وبينت أن أغلبية قضايا العنف تتعلق بالعنف الزوجي, ثم العنف الأسري وفي مرحلة لاحقة العنف في الفضاء العام، لافتةً إلى أن انتشار ظاهرة العنف الزوجي تعود إلى نقص التمكين الاقتصادي للمرأة في حين يعود العنف في الفضاء العام إلى سيطرة الثقافة الذكورية واستبطان المرأة لهذا العنف الذي تتعرض له والمتمثل في عنف لفظي وتحرش جنسي في وسائل النقل.
وترى أن المرأة في تونس أيضاً تعاني من صعوبات حدت من دورها الاجتماعي والاقتصادي على حد سواء على غرار نقص الخدمات الصحية وصعوبة التنقل إلى المدن الكبرى لمواصلة تعليمها وصعوبة وصولها إلى مراكز القرار، إضافةً إلى العمل الهش وصعوبة الحصول على تمويلات في حال بادرت بإنشاء مشروعها الخاص.
وعن مدى اهتمام الإعلام التونسي بهذه القضايا, قالت حبيبة العسكري إن "الإعلام يتعامل مع قضايا المرأة سواء تعامل مناسباتي يتناول قضايا المرأة بالمناسبات حيث لا يسلط الضوء على قضاياها إلا بـ عيد المرأة أو اليوم العالمي لحقوق الإنسان وغيرها أو يكون هذا التعاطي تحت ضغط سياسي لتلميع صورة السياسيين"، معتبرة أن قضية المرأة بالأساس هي قضية ثقافية استغلت لمآرب سياسية حيث يقع استغلالها مثلاً في الانتخابات واقتصادية حيث يتم تسليع جسد المرأة في الإعلانات، إضافة إلى عمد بعض المسلسلات والبرامج التلفزيونية تقديم صورة نمطية للمرأة لاسيما الريفية.
وبينت أنه رغم وجود قوانين رائدة في تونس مدافعة عن المرأة مثل قانون 58 لمكافحة العنف ضد المرأة، إلا أن تطبيقه على أرض الواقع يشهد صعوبات أهمها عدم إطلاع المرأة على مثل هذه القوانين لأن وسائل الإعلام لم تلعب دورها التوعوي وتبسط للتونسيات بعض المفاهيم والإجراءات لتشجع المرأة على الدفاع عن حقوقها في حال تعرضت لعنف.
من جهتها ترى الإعلامية هدى الجويني، أن قضايا المرأة في الجنوب لا تختلف كثيراً عن قضايا المرأة التونسية مع اختلاف بسيط مرتبط بالخصوصية، وقالت "تتمثل قضايا المرأة في الجنوب وخاصة قفصة في الهيمنة الذكورية، البطالة المزمنة خاصة لحاملات الشهادات العليا، المشاكل الصحية بحكم أن هذه المنطقة تعاني من نقص الرعاية الصحية خاصة فيما يتعلق بطب الولادة، وانتشار الأنشطة المنجمية التي تؤثر كثيراً على البيئة وبالتالي على صحة المرأة بصفة خاصة".
وفيما يخص التعاطي الإعلامي لهذه القضايا، أشارت إلى وجود نوع من السطحية عند تناول مثل هذه المواضيع ويغيب عنها عمق التحليل والتفسير "هو مناسباتي فالحديث عن هذه القضايا يكثر فقط بمناسبة عيد المرأة أو حصول حوادث النقل الخاصة للمزارعات أو حدوث جريمة قتل امرأة"، لافتةً إلى أن الإعلام الجهوي يعمد مؤخراً إلى الإلمام بهذه القضايا وتخصيص بعض البرامج التوعوية لصالح نساء الجهة عكس ما تقدمه البرامج الكبرى التي تقدم دائماً صورة نمطية للمرأة، بمعنى أنها تحصر صورتها في جمال شكلها وتحصر وظيفتها في شؤون المنزل.
وترى أن الإعلام الحقيقي يعد سلاح ذو حدين لأنه في بعض الأحيان يتعاطى مع قضايا المرأة بطريقة مهنية تحترم كيانها ويسلط الضوء على الدور الهام الذي تلعبه اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، لكن في بعض الأحيان يتعامل مع المرأة مثل زينة للبرامج التلفزيونية.
ومن أجل النهوض بواقع المرأة واعترافاً بدورها المرموق، اتفقت كل من الناشطة حبيبة العسكري والإعلامية هدى الجويني على ضرورة الاهتمام بنوعية المحتوى الإعلامي المقدّم من شكل ومضمون من أجل تنمية المرأة اجتماعياً واقتصادياً وصحياً وتعليمياً، مطالبتا بتدريب الصحفيين وتشجيعهم على تقديم برامج تهتم بقضايا المرأة إعلامياً، وكيفية تناول قضايا المرأة بحساسيةٍ ووعي في مقاربة جندرية لضمان تقديم صورة أفضل وأصدق للمرأة التونسية وخاصة في الجهات الداخلية.
وأشارت كل من حبيبة العسكري وهدى الجويني الى تكثيف الومضات التوعوية التحسيسية من أجل التعريف بحزمة القوانين المساندة للمرأة والمدافعة عن حقوقها ولاسيما القانون 58 حتى تتسلح به كل إمرة تونسية بهدف الدفاع عن نفسها واكتساب حقوقها.