تحديات وعوائق تحول دون انخراط النساء في الاقتصاد الأخضر
تنخرط النساء بشكل فعال في تدبير مخاطر التغيرات المناخية، ورغم ذلك فهن مستبعدات إلى حد كبير في تحقيق مشاريع اقتصادية خضراء أو في صياغة السياسات والقوانين والمخططات اللازمة لمعالجة هذه الظاهرة.

رجاء خيرات
المغرب ـ تعد مسألة إشراك النساء في صنع القرار الذي يهم المجال البيئي وما يعتريه من تغيرات مناخية تتطلب جهوداً كبيرة للحد من مخاطرها، وضرورة ملحة، حيث الاستفادة من قدرات النساء وخبراتهن في تدبير الأزمات والكوارث الناتجة عن هذه التغيرات تفرض نفسها سواءً على المستوى الاجتماعي أو السياسي أو البيئي.
تلعب النساء دوراً هاماً في الاقتصاد الأخضر، حيث لا يمكن تحقيق انتقال مناخي عادل دون الحد من الصعوبات والعوائق أمام النساء لتحقيق التحول الأخضر وإشراكهن في صنع القرارات التي تخص المجال البيئي.
وقالت الباحثة في التربية الإحيائية البحرية والناشطة في مجال البيئة لطيفة سروخ، إن دور النساء في انتقال مناخي عادل هو سؤال يطرح نفسه بإلحاح سواءً على المستوى الدولي أو الوطني، ومن خلال توجهات المغرب بصفته فاعلاً رئيسياً في مجال البيئة والتنمية المستدامة، فإن ذلك يجعله مدركاً لأهمية إشراك النساء في الجهود نحو انتقال مناخي عادل، والذي يعد خطوة مهمة لضمان التحول نحو اقتصاد أخضر منخفض الكربون.
برامج واستراتيجيات وطنية في مجال البيئة
وعن أهمية إشراك النساء في وضع البرامج والمخططات، تطرقت إلى العلاقة التي تجمع النساء بالأرض وذلك منذ القدم، خاصة في المجال القروي، الذي ترتبط فيه المرأة ارتباطاً وثيقاً بالأرض، حيث تقوم بالزراعة وجني المحاصيل، وبالتالي فهي تملك دراية وخبرة كبيرة في التعامل مع الأرض "هنا تبرز أهمية إشراك النساء في التنمية المستدامة والانتقال نحو اقتصاد أخضر".
وأشارت لطيفة سروخ إلى أن المغرب خطا خطوات مهمة في هذا الصدد، حيث أقر مجموعة من الاستراتيجيات والسياسات الوطنية التي تدمج بين الالتزام السياسي والتأطير القانوني والبيئي والمساواة بين الجنسين.
وأوضحت أنه منذ عام 2011، أكد الدستور المغربي على مبدأ المساواة بين الجنسين، وذلك في كل المجالات بما فيها الجانب البيئي، كما أن الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة ما فتئت تولي اهتماماً خاصاً لدور المرأة وانخراطها في التنمية، وكذلك إشراكها في جل القرارات التي تتخذها الحكومة لاسيما في المجال البيئي.
وخلصت إلى أن هذه الاستراتيجيات تظهر من خلال المبادرات الوطنية، سواء على المستوى الوطني أو المحلي والتي تهدف إلى تمكين المرأة عبر البرامج المحلية الجهوية في كل القطاعات، خاصة مجال الاقتصاد الأخضر، وعلى سبيل المثال هناك برامج تدريبية موجهة للنساء في مجال الطاقات المتجددة والزراعة الإيكولوجية وتدوير النفايات، وكذلك الحرف اليدوية التي تعتبر صديقة للبيئة.
وأوضحت "كل هذه المبادرات تساهم بطريقة فعالة في بناء قدرات النساء وتزويدهن بالمعلومات والمهارات اللازمة"، مؤكدة أنه "لا ينبغي أن نغفل عن المجتمع المدني ودوره الأساسي في تحفيز النساء على الانخراط في قضايا المناخ عن طريق الجمعيات والمنظمات التي تُعنى بالبيئة والتي تساهم في الرفع من الوعي بأهمية البيئة وتنفيذ مشاريع على أرض الواقع، وكذلك الترافع من أجل سياسات أكثر شمولاً ومراعاة لمبدأ تكافؤ الفرص والنوع الاجتماعي في المجال المناخي".
مشاريع رائدة في المجال
ومن بين المشاريع الرائدة في هذا المجال والتي وقفت عليها لطيفة سروخ، خاصة في الجهة الشمالية من المغرب (جهة طنجة، تطوان، الحسيمة) هناك مشروع "إينو فيرت Inno vert"، مشروع مغربي إسباني تم إطلاقه بمدينة طنجة ويهدف إلى تعزيز قدرات النساء والشباب في الاقتصاد الأخضر، مبرزة أهمية المشروع الذي شاركت فيه من خلال التعاونية التي تنتمي إليها والتي تعمل في الطاقات المتجددة وإنتاج حلول بديلة، حيث تضمن البرنامج التوعية وتشجيع الابتكار التكنولوجي ومحاور أخرى تشمل ريادة الأعمال الخضراء، وكلها مشاريع تعمل على إبراز دور المرأة في المساهمة في خلق اقتصاد أخضر.
وتحدثت عن مبادرات أخرى قامت بها غرفة الصناعة والتجارة والخدمات، وهي مشاريع همت كل جهات المغرب، لكنها ركزت على جهة طنجة تطوان الحسيمة بحكم معرفتها بهذه الجهة، حيث تدعم هذه الغرفة مشاريع نسائية، من خلال تنظيم مجموعة من اللقاءات لفائدة النساء باعتبارهن رافعة للنمو الاقتصادي والاجتماعي.
دور مهم للكفاءات النسائية
وعن انخراط الكفاءات النسائية في المجال، أكدت "بفضل هذه الكفاءات النسائية في تدبير المقاولات المحلية والتعاونيات في المجال ومشاركتهن في اللقاءات والدورات التدريبية، تمت الاستفادة من خبراتهن في الاقتصاد الرقمي الأخضر، كما تم توفير منصة لتبادل الخبرات والتجارب للتعاونيات المنخرطة".
كما أبرزت الدور المهم الذي تلعبه هذه اللقاءات والمنتديات لإنجاح المقاولات الصغيرة والمتوسطة وكذلك لتثمين المنتجات المحلية في الفلاحة البيولوجية وإعطائها المكانة التي تستحقها، مشيرةً إلى بعض البرامج التي تدعم المقاولات النسائية في تحقيق اقتصاد أخضر ودعم المقاولات النسائية.
وقالت "هناك العديد من المبادرات في هذا الصدد من بينها مشروع الإمكانيات للقرويات الملتزمات بالتنمية الاقتصادية الشاملة والمناخ "FAREDEIC"، وهو مشروع مدعوم من قبل منظمة غير حكومية دولية "WECF" ويدعم النساء في إنتاج معدات شمسية بسيطة وميسورة التكلفة (مثل أفران الطهي الشمسية للاستفادة منها في الإنتاج الزراعي أو الصناعات التقليدية، فضلاً عن إنشاء ثلاث تعاونيات في هذا المجال، كما أن هناك منظمة "GEDI" التي تعمل في هذا الإطار وقد ساهمت في إنجاز مجموعة من المشاريع الخضراء لفائدة النساء والشباب، خاصة بجهة طنجة تطوان".
النساء في قلب الاقتصاد الأخضر رغم التحديات
ولفتت لطيفة سروخ إلى أن هناك العديد من البرامج، سواء على المستوى الوطني أو المحلي أو الدولي التي تولي أهمية كبيرة لتواجد النساء في قلب الاقتصاد الأخضر ومراكز صنع القرار "على الرغم من كل هذه البرامج والمبادرات التي تعزز انخراط النساء في الاقتصاد الأخضر وإشراكهن في صنع القرار، إلا أن هناك العديد من العوائق والتحديات التي تقلص من فرصهن في هذا المجال".
وأرجعت هذه العوائق إلى عوامل ثقافية واجتماعية، حيث لازال ينظر للمرأة على أنها ذلك الكائن الذي يقتصر دوره في الاعتناء بالبيت ورعاية الأطفال، وكذلك عدم تمكن العديد من الفتيات من الولوج إلى التعليم، مما يحد من فرصهن في الوصول إلى فرص أو إنجاز مشاريع اقتصادية خضراء ناجحة.
ورغم كل التحديات والعوائق خلصت إلى أن هناك روح نضالية وقتالية توجد لدى فئة واسعة من النساء من أجل تجاوز الضعف الحاصل في مستوى التعليم والحصول على المعرفة والمعلومات والتقنيات والتدريبات المهنية اللازمة لإنجاح المقاولات والمشاريع ذات الصلة.
وفي ختام حديثها، دعت الباحثة لطيفة سروخ إلى تظافر الجهود وتكثيفها من أجل تشجيع النساء على التدريب والتمكن من التقنيات وتسهيل الحصول على التمويلات التي تتطلبها المشاريع والمقاولات النسائية، خاصة بالنسبة للنساء القرويات، سواء في مجال الاقتصاد الأخضر أو غيره، كما طالبت بتوفير التدريب والتتبع في وسط النساء منذ بدء المقاولة إلى بلوغ المراحل النهائية من المشروع.