مشاريع بيئية استراتيجية وحملات مجتمعية لتعزيز الاستدامة في إقليم شمال وشرق سوريا

من التشجير إلى رصد الهواء وتنظيم الصناعة، خطة بيئية شاملة لمواجهة التغير المناخي وبناء وعي مجتمعي مستدام في إقليم شمال وشرق سوريا.

أسماء محمد  

قامشلو ـ أكدت الرئاسة المشتركة لمديرية البيئة روفند عبدو، على أن التصدي لأزمة المناخ تتطلب تضافر الجهود، ووعي مجتمعي حقيقي يبدأ من سلوك الأفراد ولا ينفصل عن العمل المؤسساتي الجاد.

يواجه إقليم شمال وشرق سوريا كما باقي أنحاء العالم، تداعيات خطيرة ناجمة عن التغيرات المناخية انعكست على الزراعة والثروة الحيوانية والغطاء النباتي وحتى صحة الإنسان، في هذا السياق تتحرك مديرية البيئة في مدينة الحسكة بمسؤولية عالية، مطلقة مشاريع استراتيجية لتشجير الأراضي، ومراقبة نسب التلوث، وتنظيم عمل المنشآت الصناعية وفق شروط بيئية صارمة، بالتوازي مع حملات توعية تطال المدارس والأكاديميات والمجتمع المحلي، لترسيخ ثقافة بيئية شاملة تشجع المواطنين على أن يكونوا شركاء فاعلين في حماية بيئتهم ومستقبلهم.

في مواجهة التهديدات البيئية المتفاقمة التي يشهدها العالم والمنطقة، وعلى رأسها التغيرات المناخية وندرة الموارد، تؤكد مديرية البيئة في مدينة الحسكة التزامها بمسؤولياتها في حماية البيئة وضمان استدامتها، عبر برامج ومشاريع عملية تبدأ من التوعية المجتمعية، ولا تنتهي عند مراقبة الهواء وتنظيم النشاط الصناعي.

وقالت الرئيسة المشتركة لمديرية البيئة في مدينة الحسكة روفند عبدو "تعد التغيرات المناخية من أبرز القضايا البيئية التي تواجه كوكب الأرض في العصر الحديث، ويعود سببها الأساسي إلى الارتفاع التدريجي في حرارة الكوكب، نتيجة للأنشطة البشرية المتزايدة، خاصة منذ انطلاق الثورات الصناعية المتلاحقة، والتطور التكنولوجي والتقني الكبير, وقد أدى الاعتماد المفرط على مصادر الوقود التقليدية كالنفط والفحم والغاز الطبيعي، إلى إطلاق كميات هائلة من الغازات السامة عند احتراقها، مثل أول أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الآزوت والكبريت".

وبينت أن "هذه الغازات عندما تتراكم في الغلاف الجوي تمتص الحرارة وتمنع انعكاس أشعة الشمس إلى خارج الكوكب، مما يؤدي إلى ظاهرة الاحتباس الحراري، نتيجة لذلك ترتفع درجة حرارة الأرض بشكل تدريجي، مخلفة آثاراً مدمرة على البيئة. من أبرز هذه الآثار ذوبان الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي، وارتفاع مستوى سطح البحر، إضافة إلى ارتفاع خطير في درجات الحرارة قد تتجاوز درجتين مئويتين".

وأوضحت أنه "نشهد تغيرات مناخية غير طبيعية مثل شتاء أكثر برودة وصيف أكثر حرارة، وفيضانات في بعض المناطق تقابلها حالات من الجفاف والتصحر في مناطق أخرى، وأصبحت الأوقات وكميات تساقط الأمطار غير منتظمة، ما أثر بشكل مباشر على جميع عناصر البيئة، سواء الإنسان أو الحيوان أو النبات، ومن أبرز النتائج التي نشهدها تراجع الغطاء النباتي، تضرر المحاصيل الزراعية، وتناقص الثروة الحيوانية، إلى جانب ظهور أمراض خطيرة".

وأكدت أن مناطق إقليم شمال وشرق سوريا تأثرت بشكل واضح بهذه التغيرات المناخية، وزاد من تفاقم المشكلة انخفاض منسوب الأنهار الرئيسية، وعلى رأسها نهر الفرات، بسبب بناء تركيا للسدود على الجانب الحدودي، ما أدى إلى تقليل كميات المياه الواصلة إلى سوريا "هذا النقص الحاد في المياه جاء بالتوازي مع التغيرات المناخية فقد خرجت آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية عن الخدمة، وازدادت ملوحة التربة، وتراجعت أعداد الحيوانات التي تعتمد على المراعي، مثل الأغنام, كما تأثرت المحاصيل الزراعية بشكل كبير، لا سيما محصول القمح. ففي نيسان من عام 2024، أدت درجات الحرارة المرتفعة وغير المعتادة في فصل الربيع إلى تراجع جودة المحصول وانتاجيته". 

وأشارت إلى أن هيئة البيئة "تبذل جهوداً كبيرة للتخفيف من آثار التغيرات المناخية على المنطقة، وهذه الجهود تتمثل في العمل على زيادة الغطاء الأخضر. حيث تمتلك الهيئة عدداً من المشاتل الزراعية المنتشرة في مدن مثل الحسكة وقامشلو وغيرها ضمن مقاطعة الجزيرة، وتعمل هذه المشاتل على إكثار وزراعة الأشجار الأصيلة التي تنمو بشكل طبيعي في المنطقة، بهدف إعادة تشجير المساحات المتضررة بهذه الأنواع المحلية، وقد أطلقت الهيئة حملات تشجير مكثفة، إلى جانب ري هذه الأشجار بشكل منتظم لضمان نموها واستمرارها".

وأضافت "يتم تنفيذ مشاريع خاصة بالغابات الاصطناعية، في خطوة تهدف إلى تعزيز الغطاء النباتي. إذ يعد الغطاء النباتي من العوامل الأساسية في تقليل درجات الحرارة وامتصاص الملوثات في الجو، ما يسهم بشكل مباشر في تحسين جودة البيئة ومقاومة التغيرات المناخية، بالإضافة إلى حملات التشجير ومشاريع زيادة الغطاء الأخضر، تعمل هيئة البيئة على تنفيذ مشاريع أخرى تهدف إلى الحد من آثار التغيرات المناخية، وتحسين جودة الهواء والبيئة بشكل عام، ومن بين هذه الجهود عمليات رصد ومتابعة دقيقة للتغيرات المناخية، تنفذ عبر المخبر البيئي التابع للهيئة".

وبينت أن المخبر يعمل على إجراء دراسات متخصصة حول تلوث الهواء "تم تنفيذ دراسات ميدانية في مدينتي الحسكة وقامشلو، تم من خلالها تحديد المناطق الأكثر تلوثاً، وبناء على نتائج هذه الدراسات وبالتعاون مع البلديات، صدر قرار في مدينة الحسكة يلزم أصحاب المحلات في المناطق التي تفتقر إلى التربة الزراعية، خصوصاً المناطق التجارية بوضع أصص تحتوي على نباتات أو شتول، بهدف تحسين جودة الهواء وتقليل نسب التلوث خاصة في المناطق الأكثر ازدحاماً".

وأكدت أن هيئة البيئة تسعى من خلال هذه الدراسات والخطط، إلى تأسيس بنية تحتية قوية تسهل تنفيذ مشاريع مستقبلية وقائية تهدف للحد من التلوث ومواجهة آثار التغير المناخي، موضحةً أن "المحميات الطبيعية تلعب دوراً مهماً في جهود هيئة البيئة لمواجهة آثار التغيرات المناخية, حيث يتم فيها مراقبة نمو الأشجار وحالتها البيئية، وجمع بذور الأشجار المحلية النامية داخل المحميات، ثم تنقل هذه البذور إلى المشاتل التابعة للهيئة، حيث تتكاثر وتزرع، ليعاد لاحقاً تشجير المحميات بها, وتسهم هذه العملية في تعزيز الغطاء النباتي وزيادة المساحات الخضراء، ما يساعد في التخفيف من ظاهرة الاحتباس الحراري وتقليل درجات الحرارة وتحسين جودة الهواء".

ولفتت إلى أن العمل البيئي في المنطقة يبنى على أساس من التنسيق والتعاون المستمر بين هيئة البيئة وكافة المؤسسات ذات العلاقة، بما في ذلك المجالس والكومينات والبلديات والجهات المسؤولة عن الاقتصاد والزراعة والصحة، على سبيل المثال يتم تنظيم عمل المنشآت الصناعية من خلال منح تراخيص مشروطة، تمنح فقط بعد استيفاء شروط بيئية محددة. هذا يتم بالتعاون بين لجان الاقتصاد والصناعة، ولجنة الصحة في البلديات، ومكتب التراخيص والتقييم البيئي في مديرية البيئة".

كما تشمل هذه الشروط البيئية ضرورة إقامة المنشئات خارج المدن، وضمان أن تكون انبعاثاتها الملوثة ضمن الحدود المقبولة، مع مراقبة النفايات الناتجة عنها "يلزم أصحاب المعامل بزراعة الأشجار حول منشآتهم كشرط أساسي للترخيص، بهدف الحد من آثار التلوث وتقليل الأضرار البيئية الناتجة عن النشاط الصناعي".

وأكدت أن هيئة البيئة تواصل عبر مكتب التوعية والتثقيف البيئي تنفيذ حملات توعوية في المدارس والمجتمعات المحلية، بهدف "نشر الثقافة البيئية وتعزيز الوعي المجتمعي، وتركز الحملات على الأطفال من خلال محاضرات بيئية وزراعة الأشجار وحملات تنظيف تهدف لجعلهم أصدقاء للبيئة، كما تشمل الأنشطة دروساً في الأكاديميات وتوزيع بروشورات توعوية حول النظافة والحفاظ على الأماكن الطبيعية".

وشددت روفند عبدو على أهمية دور الأهالي في إنجاح أي مشروع بيئي "لا يمكن تحقيق الاستدامة دون تعاون المجتمع المحلي, ومن هذا المنطلق تعمل الهيئة على توطيد العلاقات مع الكومينات والأهالي، وتحرص على تنفيذ مشاريعها بالتنسيق مع المجتمع المحلي وأبرز الأمثلة على ذلك مشروع "صفر النفايات" بالتعاون مع البلدية والهلال الأحمر الكردي، والذي يهدف إلى فرز النفايات واعادة تدويرها، إلى جانب إنتاج السماد الطبيعي، وقد انطلق هذا المشروع منذ ثلاث سنوات بدعم وتفاعل مجتمعي ورغم التحديات وانخفاض الميزانية، تواصل الهيئة سنوياً اقتراح وتنفيذ مشاريع استراتيجية تهدف لحماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة فهنالك دائماً تحديات وصعوبات تواجه العمل البيئي".

 واختتمت الرئيسة المشتركة لمديرية البيئة في مدينة الحسكة روفند عبدو حديثها بالتأكيد على أن "كل شخص مسؤول عن بيئته، ويمكنه أن يكون صديقاً للبيئة من خلال سلوكياته اليومية، فالحفاظ على النظافة في المنزل والشارع وحماية مصادر المياه والاعتناء بالأشجار وزراعتها، كلها ممارسات تساهم في بناء بيئة صحية، وتدعو الهيئة الجميع ليكونوا قدوة لأطفالهم، ويتعاونوا مع المؤسسات لتحقيق مستقبل بيئي أفضل".