ناشطة تونسية: حاميات الطبيعة بحاجة لبرامج وسياسات للحدّ من معاناتهن
تشكو حاميات الطبيعة اللواتي تعشن على تخوم الجبال من غياب سياسات وبرامج تساعد على تثبيتهن في مناطقهن وتضع حداً لهشاشة أوضاعهن الاجتماعية والاقتصادية.
نزيهة بوسعيدي
تونس ـ تتعرض النساء اللواتي تعشن في الأرياف والمناطق الغابية للتهميش وتعانين انعدام التأطير والعناية أو العدالة الاجتماعية والبيئية والمناخية.
يهتم المجتمع المدني في تونس بحاميات الطبيعة، إلا أنهن تقابلن بتراخي الدولة في العناية الاجتماعية، كما أن معاناتهن دفعت بالكثير منهن إلى النزوح إلى المدن الساحلية خاصة بحثاً عن حياة أفضل لكن هذه الحياة لم تكن ولن تكون هي الأفضل.
وفي هذا الإطار قالت الناشطة إيناس الأبيض ورئيسة قسم العدالة البيئية بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إن "حاميات الطبيعة تعشن في الطبيعة وتستخدمن مواردها لتكون مصدر رزق لهن ولأطفالهن لذلك هن معنيات أكثر من غيرهن بحمايتها والحفاظ عليها كمورد رزق للأجيال القادمة".
وأضافت "فإذ لم تعد قادرة على العيش قرب الغابات والجبال فأنها ستتركها وتذهب للعيش في مكان أخر وذلك له تأثير مباشر على الطبيعة لأن الإنسان عندما يتواجد في منظومة بيئية ويعيش داخلها بسلام فإنه حتماً سوف يعيش معها في انسجام تام وردة أفعاله معها تكون إيجابية تعود بالنفع على تلك الطبيعة".
وأوضحت "في هذه الحالة نتمنى أن تتوجه سياساتنا نحو تثبيت النساء في تلك المناطق لأن النزوح في تزايد والنساء لم تعد تعملن في الفلاحة بالمناطق الداخلية لتنزحن نحو المناطق الساحلية حيث توجد المعامل إلا أن الاقتصاد الصناعي والسياحة والعمالة الفلاحية زهيدة وهذا ما يجب أن نتصدى له لأن النزوح المناخي أثر على العائلات وعلى المجتمعات وتسبب في الاكتظاظ في المناطق التي تنزح نحوها هذه الفئة وخلق هشاشة اجتماعية لأن النساء عندما تهاجرن لتلك المناطق تقبلن بأي شروط في العمل وتحصلن على أجور لا تحترم كرامة الإنسان وتسكن منازل غير لائقة".
وبينت "في الحقيقة تأثيرات الأزمة البيئية والمناخية التي نعيشها في تونس غير متكافئة فهناك فئات تشكو بطبعها من الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية فانضافت إليها الهشاشة البيئية والمناخية".
وأوضحت أن البيئة تتدهور عندما يكون هناك تلوثاً وعندما يحدث نقصاً في الموارد الطبيعة والفتيات والنساء هن الفئة الأكثر تضرراً لاسيما وأن 70% من فقراء العالم هن من النساء اللاتي تعملن في علاقة مباشرة مع الموارد الطبيعية التي تتأثر بالأزمة المناخية والطبيعية أو بأي إنسان يلوثها ويستنزفها.
وأضافت "عاينا الهشاشة البيئية لنساء تونس في العديد من المناطق أثناء مناصرتنا للحركات البيئية ورأينا كيف أن المرأة تتكبد عناء كبيراً خاصة في الجهات من أجل أن تواصل عملها أو وظيفتها في الأسرة أما للتزود بالمياه الصالحة للشرب أو تجميع الحطب للتدفئة أو تجميع النباتات العطرية لتقطيرها وبيعها".
واعتبرت أن هؤلاء النساء تعملن وفي نفس الوقت هن حاميات للطبيعة ما يستدعي الاهتمام بهن لأن المرأة تجيد الاقتصاد في استهلاك المياه في المناطق التي تعاني من نقصه، وتعرف كيف تتعامل مع الأعشاب بالغابات وذلك عبر قطعها بطريقة مستدامة.
وقالت إيناس الأبيض "للأسف سياساتنا اليوم غير ناجحة فمثلاً الخطة الوطنية للمرأة والتغيرات المناخية التي وضعتها وزارة المرأة سنة 2023 تتضمن العديد من التوصيات منها خاصة التمكين الاقتصادي لهذه الفئة من النساء وتعزيز صمودهن في مواجهة التغيرات المناخية لكن إلى حد الآن لا زلنا ننتظر التطبيق أو النصوص التنفيذية لهذه الدراسة".
وأكدت أن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية يوصي بأن يكون المنوال التنموي إدماجي يدمج الفئات الهشة ويأخذ بعين الاعتبار خصوصية آثار تدهور البيئة والمناخ وعدم تكافئها بين الجميع لأن غياب العدالة بين الأجناس تتراكم مع اللاعدالة البيئية والمناخية فتفاقم هشاشة النساء التي تم التنصيص عليها حتى على مستوى عالمي في الكوب 26.
وذكرت أن السياسات والمشرعين يجب أن يأخذوا بعين الاعتبار هذه الهشاشة ويتولوا وضع برامج وسياسات تتأقلم أولا مع هذه الهشاشة ولكن أيضاً تتكيف مع الأنشطة التي تمارسها المرأة في محيطها الطبيعي بمعنى أنه عندما نوجه سياسات لهؤلاء النساء يجب أن نكون على دراية حول ما يفعلنه وماذا يمكنهن فعله "مثلاً لو كان لديها معرفة بالفلاحة نساعدها من أجل نجاح فلاحتها فضلاً عن اعتماد تكنولوجيات حديثة من أجل الري وأن كانت تملك الخبرة الكافية في مجال تقطير النباتات نساعدها على كيفية المحافظة عليها، وكيف يكون لديها مخزون اقتصادي وكيف تشتري أعلافاً لمواشيها بمعنى كل الأنشطة الفلاحية التي تعيش منها هؤلاء النساء يجب أن نهتم بها لأن ذلك يصب في خانة التمكين الاقتصادي، وتلك هي العدالة الاجتماعية المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالعدالة البيئية والمناخية".
وأشارت إيناس الأبيض إلى أن وضعية الهشاشة التي تعيشها النساء في تونس تهم أيضاً شريحة واسعة من نساء مدينة برباشة اللاتي تعملن في جمع القمامة وهن حوالي 20 ألف امرأة تعانين من صعوبات كبيرة، فهن تجمعن البلاستيك وتتعرضن لشتى أنواع الإصابات والأمراض وتبيعن ما جنينه مقابل مبالغ زهيدة وتعاني من الوصم وذلك إضافة إلى وضعهن الاجتماعي الصعب.
وبينت أن هناك شريحة أخرى من النساء تعشن بالقرب من مواقع التلوث في محافظة صفاقس الشيء الذي سبّب لدى بعض الحوامل تشوّهات في الجنين وصعوبات في الولادة جراء الجراثيم الموجودة، كما تعاني الكثير من النساء من تلوث المياه على غرار نساء مدينة سكدود حيث تبين أن 30% منهن أصبن بأمراض جلدية وأمراض الحساسية و40% لديهن أمراض كلى وأمراض الجهاز التناسلي وهي معاناة للأسف لا يتم أخذها بعين الاعتبار.