الرأسمالية... عصر البيئة
إذا استمر الاتجاه الحالي للتدمير البيئي والتلوث الناجم عن الرأسمالية، فإن مستقبل العالم يمكن أن يواجه تحديات خطيرة.
فورزان أحمدنيا
الرأسمالية هي نظام اقتصادي ونظام قوة يؤكد على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والأسواق التنافسية، ويسعى نظام الاقتصاد والطاقة هذا إلى تعظيم الأرباح وغالباً ما يولي اهتماماً أقل للبيئة، ومن المشاكل الرئيسية للرأسمالية أن هذا النظام يؤدي إلى تدمير البيئة بسبب تركيزه على الربح.
يعد الإنتاج الضخم والاستهلاك المفرط للموارد الطبيعية، وتلوث الهواء والماء، وتغير المناخ، من بين العواقب السلبية للرأسمالية على البيئة، في المقابل، يشير بعض المنظرين إلى أنه يمكن الحد من الآثار السلبية للرأسمالية على البيئة من خلال تطبيق قوانين وأنظمة بيئية أكثر صرامة وتشجيع استخدام التقنيات النظيفة.
تستغل الرأسمالية البيئة بطرق مختلفة، من بينها زيادة استخدام الوقود الأحفوري للإنتاج والنمو، وهو ما يؤدي إلى زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة بسبب حرق النفط والغاز والفحم، وكذلك إزالة الغابات وفقدان التنوع البيولوجي من أجل زيادة الإنتاج واستخدام تلك الأراضي لأغراض الزراعة والتنمية الحضرية، وهذا يؤدي إلى انخفاض التنوع البيولوجي وزيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، بالإضافة إلى الإفراط في استخدام الأراضي وتطويرها على نطاق واسع للتنمية الحضرية والإنتاج، وهذا يؤدي إلى تدهور الأراضي والإضرار بالموائل.
وللحد من هذه الخسائر، لا بد من استخدام القوانين واللوائح البيئية على نطاق واسع، وينبغي استخدام التكنولوجيات النظيفة، ففي كل عام، تدخل كمية كبيرة من التلوث إلى الهواء، مما له العديد من الآثار السلبية على صحة الإنسان والبيئة.
ووفقاً للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، يسبب تلوث الهواء أكثر من 4.5 مليون حالة وفاة مبكرة سنوياً، وتشمل هذه الملوثات الجسيمات العالقة (PM2.5 وPM10)، وثاني أكسيد النيتروجين (NO2)، وثاني أكسيد الكبريت (SO2)، والأوزون (O3) وأول أكسيد الكربون (CO).
ويشكل تلوث الهواء أيضاً مشكلة خطيرة في إيران، وبحسب رئيس منظمة حماية البيئة الإيرانية، فإن تلوث الهواء في هذا البلد يقتل 26 ألف شخص كل عام.
وتساهم المصانع والشركات التجارية الكبرى بشكل كبير في تلوث الهواء، وبشكل عام، تعد الصناعات ومحطات الطاقة من المصادر الرئيسية لتلوث الهواء، وفي طهران تقدر مساهمة محطات توليد الطاقة في الملوثات الغازية بنحو 5.3% ومن الجسيمات العالقة بنحو 12.1%، كما أن الصناعات الملوثة في طهران تساهم بحوالي 17.8% من تلوث الهواء.
على الصعيد العالمي، تلعب الصناعات والمصانع الكبيرة دوراً مهماً في تلوث الهواء بسبب استخدام الوقود الأحفوري وعمليات الإنتاج التي تؤدي إلى انبعاث الغازات الدفيئة والجسيمات العالقة، وتشمل هذه الملوثات ثاني أكسيد الكربون، وثاني أكسيد النيتروجين، وثاني أكسيد الكبريت، والجسيمات العالقة، وكلها تضر بشدة بصحة الإنسان والبيئة.
الرأسمالية، بسبب تركيزها على الربح والنمو الاقتصادي، غالباً ما تؤدي إلى الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية والتلوث البيئي. يشجع هذا النظام الاقتصادي الإنتاج الضخم والاستهلاك العشوائي، مما يسبب إزالة الغابات وتلوث الهواء والماء وتغير المناخ.
ومع ذلك، فإن الناس، وخاصة الفقراء، هم الأكثر تضرراً من هذا التلوث والدمار، وغالباً ما يعيش الأشخاص ذوو الدخل المنخفض والمجتمعات المحرومة في المناطق الأكثر تعرضاً لتلوث الهواء والماء وتكون فرص حصولهم على الموارد الصحية والعلاجية أقل، وبسبب ظروفهم الاقتصادية الضعيفة، فإن هؤلاء الأشخاص لديهم قدرة أقل على التعامل مع الآثار السلبية لتغير المناخ والتلوث البيئي.
ومن الأمثلة على الآثار السلبية للرأسمالية على البيئة والمشاكل الكبيرة التي سببتها، تلوث الهواء بمدينة نيودلهي في الهند، فهي هي واحدة من أكثر المدن تلوثاً في العالم، لقد زاد تلوث الهواء في هذه المدينة بشكل كبير بسبب حركة المرور الكثيفة والصناعات وحرق النفايات، وقد أدى هذا التلوث إلى مشاكل صحية خطيرة للسكان، وخاصة ذوي الدخل المنخفض.
وكذلك تدمير غابات الأمازون، بسبب الأنشطة الزراعية وتربية الحيوانات، وقد أدت عمليات التدمير هذه إلى انخفاض التنوع البيولوجي وزيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وغالباً ما تقوم بهذه الأنشطة شركات زراعية وتربية الماشية كبيرة تسعى إلى تحقيق أرباح أعلى.
بالإضافة إلى تلوث المياه في فلينت بميشيغان، حيث أدى التغيير في إمدادات المياه البلدية بسبب انخفاض التكلفة إلى التلوث بالرصاص، وأدى هذا التلوث إلى مشاكل صحية خطيرة للسكان وخاصة الأطفال، وتظهر هذه الأزمة الآثار السلبية للقرارات الاقتصادية على الصحة العامة، كما أدت أنشطة استخراج النفط التي تقوم بها شركات النفط الكبرى في دلتا النيجر بنيجيريا إلى تلوث شديد للمياه والتربة، وأدى هذا التلوث إلى تدهور بيئي ومشاكل خطيرة للمجتمعات المحلية التي غالباً ما تكون ضعيفة اقتصادياً.
توضح هذه الأمثلة كيف يمكن أن تؤدي الرأسمالية إلى تدمير البيئة وخلق مشاكل ضخمة للمجتمعات الضعيفة.
وفي إيران، هناك أمثلة كثيرة على التلوث البيئي والدمار الذي كان له آثار سلبية كثيرة على الناس، وخاصة ذوي الدخل المنخفض، على رأسها تلوث الهواء في طهران وهي تعد واحدة من أكثر المدن تلوثاً في العالم، وقد زاد تلوث الهواء في هذه المدينة بشكل كبير بسبب حركة المرور الكثيفة والصناعات واستخدام الوقود الأحفوري، وهو ما أدى إلى مشاكل صحية خطيرة للسكان، وخاصة ذوي الدخل المنخفض.
كما أصبحت بحيرة أورمية، التي كانت واحدة من أكبر البحيرات المالحة في العالم، جافة للغاية بسبب الاستخدام المفرط للموارد المائية وتغير المناخ، وكان لهذا الجفاف آثار سلبية كثيرة على الزراعة وحياة الناس في المنطقة، أما محافظة خوزستان فتواجه مشكلة الغبار الناعم بسبب الأنشطة الصناعية والزراعية وكذلك التغيرات المناخية، وتسببت هذه الأتربة الناعمة في حدوث مشاكل خطيرة في التنفس والصحة لسكان المنطقة.
وقد أدت أنشطة استخراج النفط في الخليج العربي إلى تلوث شديد للمياه والتربة، وهو ما تسبب في تدمير البيئة البحرية ومشاكل خطيرة للمجتمعات المحلية، وتوضح هذه الأمثلة كيف يمكن للأنشطة الاقتصادية والصناعية أن تؤدي إلى تدهور البيئة وخلق مشاكل كبيرة للمجتمعات الضعيفة.
إذا استمر الاتجاه الحالي للتدمير البيئي والتلوث الناجم عن الرأسمالية، فإن مستقبل العالم يمكن أن يواجه تحديات خطيرة، ومن النتائج المحتملة تغير مناخي أكثر تطرفاً، حيث يمكن أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى تغير مناخي أكثر تطرفاً، بما في ذلك زيادة في عدد وشدة الأعاصير والفيضانات والجفاف وموجات الحرارة، ويمكن أن تؤدي هذه التغييرات إلى تدمير البنية التحتية، وانخفاض الإنتاج الزراعي وزيادة الهجرات المناخية.
ويمكن أن يؤدي تدمير الغابات وتلوث المياه والتربة وتغير المناخ إلى الحد من التنوع البيولوجي، وهذا الانخفاض في التنوع البيولوجي يمكن أن يؤدي إلى انهيار النظم البيئية وفقدان الأنواع الحيوية، كما أن استمرار تلوث الهواء والماء يمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة للإنسان، بما في ذلك زيادة أمراض الجهاز التنفسي وأمراض القلب والسرطان، وتؤثر هذه الملوثات بشكل خاص على المجتمعات ذات الدخل المنخفض والضعيفة.
أما التدهور البيئي فمن الممكن أن يؤدي إلى أزمات اقتصادية واجتماعية، ويمكن أن يؤدي انخفاض الموارد الطبيعية وزيادة تكاليف الصحة والهجرة المناخية إلى عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
للرأسمالية تأثيرات كبيرة على تغير المناخ، ونظراً لتركيزه على النمو الاقتصادي والربحية، غالباً ما يؤدي هذا النظام الاقتصادي إلى الاستهلاك المفرط للموارد الطبيعية وانبعاث الغازات الدفيئة، وأحد التأثيرات الرئيسية للرأسمالية على المناخ هو زيادة انبعاث الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان، والتي تأتي من الوقود الأحفوري، وتتسبب هذه الغازات في ظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ، مما يؤدي بدوره إلى ظواهر مثل ارتفاع درجة الحرارة العالمية، وذوبان الجليد القطبي، وارتفاع مستوى سطح البحر.
بالإضافة إلى ذلك، تؤدي الرأسمالية إلى تدمير الغابات وتقليل التنوع البيولوجي بسبب تشجيع المزيد من الإنتاج والاستهلاك، باعتبارها واحدة من أكبر ممتصات ثاني أكسيد الكربون، وتلعب الغابات دوراً مهماً في تنظيم المناخ، ويمكن أن يكون لتدميرها العديد من الآثار السلبية على البيئة.
ولمواجهة هذه التأثيرات، تشمل بعض الحلول استخدام الطاقة المتجددة، وإنفاذ قوانين بيئية أكثر صرامة، وتشجيع الاستهلاك الأكثر استدامة، ولمنع هذه العواقب، من الضروري اتخاذ تدابير جادة للحد من التلوث وحماية البيئة، ويمكن أن تشمل هذه التدابير استخدام الطاقة المتجددة، والحد من استهلاك الموارد الطبيعية وإنفاذ قوانين بيئية أكثر صرامة.
والخلاصة من المناقشات المطروحة هي أن قضية البيئة هي إحدى القضايا الأساسية للمجتمع البشري، ومن الضروري أن يتعامل المجتمع معها بأكثر الطرق جذرية، خاصةً من الناحية العقلية والأيديولوجية.
الرأسمالية، بسبب تركيزها على الربح والنمو الاقتصادي، غالباً ما تؤدي إلى تدمير البيئة والتلوث على نطاق واسع، ولهذا الدمار والتلوث آثار سلبية كثيرة على صحة الإنسان، وخاصة ذوي الدخل المنخفض والمجتمعات الضعيفة. وإذا استمر هذا الاتجاه، فإن مستقبل العالم سيواجه تحديات خطيرة مثل التغيرات المناخية الأكثر حدة، وانخفاض التنوع البيولوجي، وتلوث الهواء والماء، والأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
ولا يمكن لمجتمع العصر الصناعي البقاء على قيد الحياة إذا لم يركز على البيئة، وتلك الرأسمالية أكثر تدميراً بطبيعتها، لقد كان الإنسان جزءاً من الطبيعة ويستفيد من ثمارها، وكان للبيئة مكانها وكان الناس يحترمون الطبيعة، ولكن مع تشكيل عصر الإقطاع وخلق الأدوات واكتساب المهارات، أصبح الإنسان تدريجياً يتقن الطبيعة والمروج والغابات التي تم تطهيرها من أجل الأراضي الزراعية، ومع ذلك لا تزال اللغة نفسها هي أن الرأسمالية لم تمد شوكتها من الأرض إلى استخراج المعادن للحصول على الموارد الطبيعية في قلب الطبيعة والبيئة التي تستقبل برعمها.
وقد تمردت الرأسمالية على البيئة، فهي تلتهم كل المواد الخام وجوهر الحياة، وفي المقابل تترك وراءها بحراً من التلوث والحرب والظلم والقتل، وإن جوهر تطور الرأسمالية وتحقيق المزيد من الربح هو في حكمها ضد الطبيعة.
وطالما أن هناك رأسمالية، يتم استغلال البيئة للحصول على المزيد من الربح، وقد أدى هذا الاستغلال إلى مشاكل بيئية كبيرة يعاني منها جميع شعوب العالم، ويجب على المجتمع أن يتمرد على الرأسمالية وألا يسمح لها بتدمير البيئة التي تضمن حياة البشرية وجميع المخلوقات، وعلينا أن نثور ضد الرأسمالية ونستفيد من تجارب أسلافنا ونتعلم من الكومونات الأولى لتعزيز علاقة سلمية مبنية على الاستفادة من جوهر وجودنا، وهو الطبيعة.