ناشطة تدعو لإشراك النساء في وضع البرامج والخطط أثناء الكوارث والأزمات

لطالما كانت النساء الأكثر تضرراً، خلال فترة الكوارث والأزمات، كما تركت النزاعات والحروب تأثيرات سلبية على كافة المستويات حتى أصبحن تعشن أوضاعاً مزرية بشكل متفاوت نسبياً مع الرجال، لعدة اعتبارات اجتماعية وثقافية وسياسية.

رجاء خيرات

المغرب ـ ترى عضوة المكتب الوطني لفدرالية رابطة حقوق النساء لطيفة بوشوى، أن النساء ينبغي أن تكن في قلب الخطط والبرامج أثناء تدبير الأزمات والكوارث، باعتبارهن الفئة الأكثر تضرراً وقرباً من المشاكل وهو ما يجعلهن أكثر نجاعة في اقتراح الحلول.

عضوة المكتب الوطني لفدرالية رابطة حقوق النساء لطيفة بوشوي أوضحت من خلال حوار مع وكالتنا أن أوضاع النساء تزداد تفاقماً في مناطق النزاعات والحروب، بسبب عدم التساوي في الحقوق والوصول إلى الثروات، وهي وضعية تجعل النساء تعشن كل أشكال الاستغلال، خاصةً نساء المقاومة، حيث تصبح الأدوار التي تلعبنها والمعاناة التي تعشنها مضاعفة.

وحول أشكال التضامن مع نساء اللواتي تعشن تحت وطأة الحروب قالت إنها كثيرة، وتتمثل في الدعوة لاحترام حقوق الإنسان أو توجيه نداءات للمجتمع الدولي والأمم المتحدة وكل الجهات التي يمكن أن تؤثر في مسار السلم والحقيقة، كما أصبح للنساء أدوار أساسية، خصوصاً وأن منظمة الأمم المتحدة تشجع مساهمة المرأة في المفاوضات من أجل السلم واستتباب الأمن في مناطق النزاع.

 

تشهد (ليبيا، تونس، السودان، غزة) حروباً ونزاعات، وهو ما يؤثر بشكل كبير على أوضاع النساء، إلى أي حد تؤثر هذه الأحداث على وضعية النساء بالمغرب، وكيف تقيمين هذه الأوضاع؟

نعم هناك العديد من مناطق العالم تشهد توترات وحروب ونزاعات، سواء مسلحة أو غير مسلحة، ويمكنني القول أن هذه النزاعات سلبية سواء كانت أهلية أو تقودها تدخلات عسكرية خارجية، وقد ذكرتِ بعض الأمثلة منها ما يقع في فلسطين وأوكرانيا وكلها منبوذة من طرف الشعوب والمجتمع الدولي.

كما أن لهذه النزاعات تأثيرات سلبية على كافة المستويات وتصبح أكثر حدة على النساء لكونهن الفئة الهشة وتعشن أوضاعاً مزرية بشكل متفاوت نسبياً مع الرجال، لعدة اعتبارات اجتماعية وثقافية وسياسية، والواقع أن هذه الأزمات تزيد من حدة هذه الأوضاع التي تعشنها، وبالتالي فإنهن عرضة للمساس بحقوقهن الإنسانية، وهو أمر بديهي باعتبار أن الفئات الهشة هي التي تكون أكثر ضرراً.

وفي جميع الحالات نعرف أن الأطفال والمسنين والنساء يعيشون أوضاعاً غير متساوية في الحقوق والوصول إلى الثروات، وهي وضعية تجعل النساء تعشن كل أشكال الاستغلال، خاصةً المقاومات، حيث تصبح الأدوار التي تلعبنها والمعاناة التي تعشنها مضاعفة.

أما بالنسبة للتأثير على المغرب، فهو قائم بحكم أن الإنسانية لا تتجزأ وكذلك الحقوق وبالتالي فالمغربيات شأنهن شأن نساء العالم تتأثرن بما يقع حولهن من أزمات وحروب، وكذلك الشأن بالنسبة لتعبيرات شعوب العالم بحكم أنها قوى ديمقراطية وإعلامية وثقافية وبالتالي فالحركة النسائية المغربية وضمنها فدرالية رابطة حقوق النساء تتابع بشكل كبير ما تعانيه العديد من شعوب العالم أثر الاضطرابات على الجنسين، وتعمل أكثر على أوضاع النساء في هذه الظروف الصعبة، سواءً في فلسطين أو الدول الأخرى، كما تعبر بكل الأشكال على التضامن معهن.

 

ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه الهيئات النسائية والحقوقية بالمغرب للتنديد بما يقع في هذه المناطق بحق النساء هناك وكيف يمكن مواجهتها؟

قلت سابقاً هناك أشكال كثيرة للتضامن، سواءً من خلال الدعوة لاحترام حقوق الإنسان أو توجيه نداءات للمجتمع الدولي والأمم المتحدة وكل الجهات التي يمكن أن تؤثر في مسار السلم، والحقيقة أن النساء أصبح لهن أدوار أساسية، خصوصاً وأن منظمة الأمم المتحدة تشجع مساهمة المرأة في المفاوضات من أجل السلم واستتباب الأمن في مناطق النزاع، فنحن كحركة نسائية نلاحظ تنامي أدوار النساء في هذا الاتجاه، لأن حضورنا في المناسبات الدولية في الأمم المتحدة على المستوى الإقليمي والجهوي.

كما أن هناك قرارات أممية تشجع المرأة، لأن تصبح طرفاً أساسياً في المفاوضات من أجل الأمن والسلم، ونحن بدورنا نساهم فيه من خلال الانخراط في الندوات الدولية والتظاهرات العالمية والحضور الدائم في لقاءات اللجان الأممية لحقوق الإنسان وبلجنة مركز حقوق المرأة بالأمم المتحدة، والتي تعطي لهذا الموضوع أهمية قصوى، وتحث على انخراط النساء في المفاوضات، بحكم أن النساء يتوفرن على لغة واقعية وقريبة من الحلول التي تمكن من تقدم المفاوضات لحل النزاعات.

كما يجب أن تكون النساء حاضرات بقوة في وضع البرامج والمخططات أثناء تقديم المساعدات الإنسانية، حيث أنه يسجل في الغالب توجه هذه المساعدات للدول والمناطق التي تعرف حروباً، لكنها تستثني النساء وبالتالي فهي لا تراعي مقاربة المساواة والنوع.

والملاحظ أن النساء تكن في وضعية ضعيفة ولا تتوفرن على المعلومات، مما يصعب تلقيهن لتلك المساعدات، ولذلك فبالنسبة لنا كحركة نسائية، نرى أنه يجب أن تكون من بين توصياتنا ضرورة حضور المرأة داخل المنظمات الإنسانية سواء تعلق الأمر بالتخطيط أو داخل الميدان في مناطق النزاعات، بحكم أن النساء هن أكثر دراية ومعرفة بالحاجات الأساسية للنساء أنفسهن.

أما فيما يخص التضامن، هو واجب على الحركة النسائية والحقوقية، باعتبار أن دور هذه الحركات هو الدفاع عن حقوق النساء ودعم ومساندة ضحايا الانتهاكات، لذلك نطالب دائماً بأن يساهم المغرب بشكل كبير في الأمن و السلم العالميين وننوه بالدور الذي أصبح المغرب يلعبه من خلال ترأسه لمجلس حقوق الإنسان، وهو الدور الذي نتمنى أن يعزز أكثر في هذا الإطار من خلال التنسيق مع منظمات حقوقية ونسائية دولية ومحلية توجد في مناطق النزاع نفسها، وذلك عبر فضح الانتهاكات وتوقيع عرائض من أجل رفع الحيف عن النساء، لهذا نعرف تماماً أن هناك خطط وطنية من أجل السلم والأمن بقرار للأمم المتحدة والمغرب مساهم في وضع خطة عبر منظماته من ضمنها فدرالية رابطة حقوق النساء التي كانت في خضم النقاش والمشاورات التي تهم استتباب الأمن والسلم في العالم.

 

تؤثر التغيرات المناخية عبر العالم على العديد من الدول التي أصبحت تعيش تحت وقع الجفاف وندرة المياه، ولعل النساء هن الفئة الأكثر تضرراً من تداعيات هذه التغيرات. كيف تفسرين هذا الأمر؟

نفس التحليل الذي تطرقت له في السؤال السابق ينطبق على التغيرات المناخية، لأن الأمر يتعلق بنفس البوتقة، حيث هي الأكثر تضرراً، والتي غالباً ما يكون لديها النصيب الأكبر من الحرمان من مكونات العيش ومن الحقوق والحريات، ولعل أكبر مثال هو ما عشناه خلال جائحة كوفيد ـ 19، حيث سبق وأنجزنا تقريراً حول أوضاع النساء التي ازدادت هشاشة خلال تلك الفترة، كما كشف التقرير الشلل الذي لحق بمجموعة من القطاعات الحيوية والخدمات، والذي أدى إلى تضرر النساء بالدرجة الأولى، أما بالنسبة للنساء اللواتي لا تعلمن فقد عانين بدورهن من تداعيات الأزمة، كما لا ننسى أنه على الرغم من هذه الظروف فقد كانت هناك نساء تعملن في قطاع الصحة استطعن أن تقمن بأدوار مهمة ميدانياً من خلال التدخلات الطبية والسهر على تعافي المصابين، وهو ما يدعو للمطالبة بتعزيز هذه الأدوار وإعطاء المرأة المكانة التي تستحقها وتمتعها بكافة الحقوق الأساسية من تعليم وسكن وعمل وصحة وغيرها، لكن على الرغم من الأدوار الريادية التي تلعبها النساء خلال الأزمات إلا أنهن لازلن محرومات وتعانين من التمييز في عدد من المجالات، من بينها المجال القانوني وهنا أخص بالذكر مدونة الأسرة التي لم تتمكن من تكييف مضامينها مع أوضاع النساء.

بالنسبة للتغييرات المناخية، ينبغي أن أشير إلى أن النساء لهن ذكاء في تدبير الحياة اليومية للأسرة بصفة عامة، ولهن القدرة على التكيف مع المتغيرات الطبيعية والمناخية، بحكم تواجدهن المستدام واحتكاكهن بالطبيعة، وبالتالي فكل التأثيرات تمسهن بشكل مباشر أكثر من غيرهن.

 كما أن مسألة تدبير المياه وتوفير الغذاء يبقى ضمن مسؤولياتهن، خاصةً مجال المياه الحيوية الذي يعتبر القضية الأكثر بروزاً وإثارة خلال السنوات الأخيرة بسبب توالي مواسم الجفاف وارتفاع درجات الحرارة في عدد من المناطق وعلى رأسها المغرب، وقد دقت العديد من الجهات ناقوس الخطر حول ندرة المياه، بالنسبة لنا داخل الفدرالية نؤكد على أن تعزيز دور النساء في علاقتها بالتغيرات المناخية، بالإضافة إلى حلول أخرى يمكن أن تخفف من وطأة هذ المشاكل وتبتكر حلولاً ناجعة لمواجهة هذه التغيرات. 

 

شهد المغرب في السنوات الأخيرة مجموعة من الكوارث، إلى أي حد ستؤثر على أوضاع النساء، خاصةً أمام التهديد الذي تمثله بالنسبة للحقوق الأساسية كالحصول على الغذاء والمياه والتعليم والصحة وغيرها؟

عرف المغرب مجموعة من الأزمات والكوارث الطبيعية، ورغم أن النساء تلعبن أدواراً ريادية داخل المجتمع، إلا أنهن تبقين الأكثر تضرراً إلى جانب فئات هشة أخرى، وهذه الوضعية التي تتسم بالهشاشة تتضاعف و تتفاقم أثناء الأزمات وحلول الكوارث كما وقع في زلزال الحوز، وقد وقفنا ميدانياً على وضعية النساء هناك إلى جانب مناطق أخرى تأثرت بالزلزال (مدينة تارودانت)، وفق الإمكانيات التي نتوفر عليها كفدرالية رابطة حقوق النساء.

كما أن حدوث الزلزال خلخل مجموعة من القواعد اليومية لدى السكان والنساء بالدرجة الأولى، لأنهن محرومات من الوصول للخدمات الأساسية، وحتى صعوبة الحصول على المياه بسبب التغيرات المناخية، وبالتالي تبقين الفئة الأكثر تضرراً من هذه الكوارث، دون أن ننسى العقلية الذكورية السائدة التي تكرس هذه الوضعية وتحرمهن من حقوهن.

ووقفنا على مجموعة من المشاكل التي تعيشها النساء والفتيات بالمناطق المتضررة، هناك فتيات لم تتمكن من الالتحاق بالمدارس خارج مناطقهن، وسجل مجال الصحة شلل تام وغياب لبعض التخصصات، بالإضافة إلى ضعف البنية التحتية التي لا تسمح بوصول النساء إلى هذه الخدمات، ونفس الشيء بالنسبة للسكن، حيث لم يعد لهن سقفاً يحميهن من البرد والحر، إذ رغم البرامج المسطرة في إعادة الإعمار، إلا أنها لم تراعي مقاربة النوع، وهو ما دفعنا لاستحضار الخصوصية النسائية أثناء التدخلات الإنسانية، من خلال توفير بعض المرافق (الحمامات ، فضاءات خاصة).

ومن الجانب الاقتصادي استفادت النساء من فرص خلق تعاونيات لتوفير دخل ولو بسيط يمكنهن من خلاله توفير بعض الحاجيات الأساسية، نفس الشيء بالنسبة لمناطق عرفت حرائق، كما وقع بمدينة العرائش (شمال المغرب) عام 2017، حيث سجلت خسائر تكبدها النساء بشكل خاص بسبب تلف المنتوجات الفلاحية، في حين أن الرجال بإمكانهم الهجرة والبحث عن فرص أخرى للعمل، لكن بالنسبة للنساء يصعب عليهن ترك بيوتهن بحثاً عن فرص أفضل، وهو ما دفعنا إلى دعمهن من خلال خلق مشاريع بديلة تمكنهن اقتصادياً.

كما دعينا السلطات إلى تضمين مقاربة النوع في الخطط المستعجلة والبرامج والسياسات العمومية، أستحضر كذلك انتفاضة الماء بمنطقة فجيج (شرق المغرب) التي لعبت فيها النساء دوراً أساسياً بفضل الوعي الكبير الذي يميز النساء بهذه المنطقة، لأنهن مسؤولات عن تدبير المياه داخل الواحة وهذا الدور الريادي البيئي للنساء هو موجود لديهن في عدد من مناطق المغرب، وبالتالي أعتقد أن حراك فجيج هو نابع من كون تدبير المياه مجال مرتبط بالنساء خاصةً بالنسبة للعالم القروي. 

    

سبق لفدرالية رابطة حقوق النساء أن نبهت إلى خطورة استبعاد النساء من مخططات تدبير الأزمات، مما يؤثر بشكل سلبي على أوضاعهن (مثلا في تدبير زلزال الحوز) … أي دور يمكن أن يلعبه إشراك النساء في تدبير الأزمات؟

اعتقد أن التخطيط مهم في وضع السياسات العمومية، لكن ينبغي بداية أن نعرف الفئات المستهدفة والأكثر تضرراً من هذه الخطط والبرامج، في اعتقادي إن النساء هن الفئة الأكثر دراية وإدراكاً للمشاكل، وبالتالي فهن مؤهلات أكثر من غيرهن لاقتراح الحلول ووضع البرامج والخطط، وهو ما سبق وأشرنا له في فدرالية رابطة حقوق النساء، خلال أزمة الزلزال وجائحة كوفيد ـ 19، حيث ينبغي أن تكون المرأة في قلب المخططات وتساهم في سن السياسات العمومية، إلى جانب الرجال والأطر والمؤسسات المعنية.

كما يجب أن تكون النساء مشاركات ومساهمات في وضع الحلول بحكم أنهن الأقرب لمعرفة المشاكل والحاجيات، وقد سبق وطالبنا بتنظيم ورشات منذ بداية الحديث عن إعادة الإعمار والمخططات، حيث أصدرنا بياناً دعونا من خلاله أصحاب القرار إلى إشراك النساء في وضع المخططات، تفعيلاً لمبدأ المناصفة التي لا تقتصر على مراكز المواقع السياسية والاقتصادية وغيرها، لكن مبدأ المناصفة يتطلب الإنصات لنبض نصف المجتمع المتضرر والذي يعاني من الأزمة وإشراكه في القرارات المصيرية التي تعني الساكنة، لأن النساء هن جزء من ضحايا الأزمة.