يوم المرأة العالمي إنجاز نسائي... لكن يوم واحد لا يكفي
عندما اقترحت الناشطة النسوية البارزة كلارا زيتكين في عام 1910 فكرة تحديد يوم عالمي مخصص للمرأة
سناء العلي
مركز الأخبار ـ عندما اقترحت الناشطة النسوية البارزة كلارا زيتكين في عام 1910 فكرة تحديد يوم عالمي مخصص للمرأة، لم تكن تقترح أن تكتفي النساء بيوم واحد يختصر نضالاتهن، لكنه شكل رمزاً لهذا النضال المستمر منذ آلاف السنين، والذي أخذ أشكالاً عدة حتى وصلنا اليوم لمطالب بمساواة تامة لا نقصان فيها بين الجنسين، باعتبار المرأة إنسان كامل الأهلية، وليست تابعاً أو جنساً آخر في هذه الحياة.
اعتراف بإنجازات النساء
تحتفل نساء العالم على اختلاف انتمائاتهن الدينية والأثنية والقومية، بيومهن الذي يصادف الثامن من آذار/مارس من كل عام، بعد أن اعترف العالم الذي تسيطر عليه سلطة أبوية "مجبراً"، بالإنجازات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تحققت بفضل المرأة.
العديد من الاختراعات والاكتشافات، وعمليات السلام، وكم هائل من الأعمال الإنسانية، كانت النساء تقف خلفها، ليس بدءاً من اكتشاف علاج للسرطان على يد العالمة ماري كوري ولا انتهاءً بالنشاطات الإنسانية لمساعدة المنكوبين في البلدان التي تعاني من الحروب، بل إن انجازات النساء من أبسط تفاصيل الحياة حتى أكثرها تعقيداً، للمرأة بصمة فيها.
يجمعهن الإيمان بحقوق المرأة
8 آذار/مارس جاء كتتويج لنضال النساء على إثر أحداث ونشاطات العديد منهن في مختلف أنحاء العالم يجمعهن الإيمان بحقوق المرأة، ويعد أول مؤتمر للاتحاد النسائي الديمقراطي الذي عقد على المستوى العالمي، في باريس عام 1945، أحد أهم الأسباب التي أدت إلى تحديد يوم عالمي للاحتفاء بإنجازات المرأة، فيما يرجح بعض الباحثين/ات في تاريخ الحركة النسوية أن تحديد هذا اليوم كان نتيجة الإضرابات النسائية التي حدثت في الولايات المتحدة الأمريكية، للنساء العاملات في مصنع النسيج بمدينة نيويورك بتاريخ 8 آذار/مارس عام 1856، عندما خرجت مئات العاملات مطالبات بتحسين ظروف عملهن والمساواة في الأجر مع أقرانهن الرجال إلا أنهن تعرضن للقمع من قبل الشرطة التي هاجمت المتظاهرات وفرقتهن باستخدام السلاح، لكنها في نفس الوقت ساهمت بشكل كبير في دفع المسؤولين السياسيين إلى طرح مشكلة المرأة العاملة على جدول الأعمال اليومية.
هذه الاحتجاجات التي تجددت في عام 1907 عندما خرجت 1500 امرأة في مظاهرة سلمية بمدينة نيويورك أيضاً، حملت المشاركات فيها قطعاً من الخبر وباقات من الورود رافعات شعارات "خبز وورود"، مطالبات بتحسين ظروف العمل، وحق المرأة في الانتخاب ومنع عمالة الأطفال الذين كان يتم استغلالهم بشكل كبير لرخص اليد العاملة.
ومظاهرة "خبز وورود"، تعد بداية الحركة النسوية داخل الولايات المتحدة في القرن العشرين وتأخذ أهميتها أيضاً من انضمام نساء من الطبقة المتوسطة إلى موجة المطالبة بالمساواة والإنصاف، ليبدأ الاحتفال بـ "يوم المرأة الأمريكية" في الثامن من آذار/مارس 1909 والذي استمر لخمس سنوات فقط.
مؤتمر كوبنهاغن... كلارا زيتكين صاحبة الفكرة
باجتماع أكثر من مائة امرأة من 17 دولة أوروبية، بينهن مناضلات نسويات معروفات على الصعيد العالمي منهن الناشطتين (روزا لوكسمبورغ وكلارا زيتكين)، عقد "مؤتمر الأممية الاشتراكية" للمرأة العاملة في عام 1910، في العاصمة الدانماركية كوبنهاغن، والذي يعد من النشاطات المهمة في تاريخ الحركة النسوية.
ولقي الاقتراح الذي قدمته الناشطة كلارا زيتكين خلال المؤتمر بتحديد يوم عالمي مخصص للنساء، ترحيباً كبيراً من قبل المجتمعات، وتمت الموافقة في كل من "النمسا، والدنمارك، وألمانيا، وسويسرا" على إقرار يوم عالمي للمرأة، بتاريخ 19 آذار/مارس في عام 1911، وشهدت الاحتفالات التي يشهدها العالم لأول مرة مشاركة من الجنسين ووصل عدد المشاركين/ت إلى مليون شخص، وطالبت المشاركات بمنح النساء حق التصويت، وشغل المناصب العامة، إضافةً إلى حق المرأة في العمل والتدريب المهني وإنهاء التمييز.
نضال المرأة نضال للسلام
لم تكتفي النساء بهذا اليوم فمع استمرار الفجوة بين حقوق النساء والرجال وأبرزها في ذلك الوقت حقوق العمل، استمر النشاط النسوي فبعد اندلاع حريق في أحد مصانع الملابس في مدينة نيويورك بتاريخ 25 آذار/مارس عام 1911، والذي أودى بحياة أكثر من 140 عاملة، عمت المظاهرات المدينة وكان لها أثراً كبيراً في تغيير التشريعات الخاصة بحقوق العمال وليس العاملات فقط.
ولأن نضال المرأة هو نضال للسلام عمت المدن الأوروبية ثاني مظاهرة نسوية ضمت الملايين من النساء ضد الحرب العالمية الأولى، بين عامي (1913ـ 1914)، وأصبح اليوم الدولي للمرأة آلية للتظاهر ضد حملات الحرب العالمية الأولى، مطالبةً بإنهاء الحرب وتحقيق السلام.
ومع استمرار الحرب العالمية الأولى نظمت النساء في مختلف أنحاء أوروبا في آخر يوم أحد من شهر شباط/فبراير (وكان اليوم الذي تحتفل به النساء في روسيا) عام 1914 مسيرات مناهضة للحرب مبينةً تكاتف النساء وتضامنهن معاً، حيث تظاهرت النساء الروسيات أيضاً ضد الحرب تحت شعار "من أجل الخبز والسلام".
في يوم واحد تحتفل جميع نساء العالم
نتيجة لجميع الجهود النسوية السابقة وغيرها قررت منظمة الأمم المتحدة سنة 1975، تخصيص يوم عالمي للمرأة، وعممته على جميع دول العالم للاحتفاء بإنجازات المرأة، وتم اختيار تاريخ الثامن من آذار/مارس من كل عام، وبعد عامين تبنت الأمم المتحدة تلك المناسبة.
يوم المرأة العالمي يعد مناسبة مميزة تتيح التوقف كل عام عند إنجازات النساء وما قدمنه خلال عام، وقد تطورت صور الاحتفال بهذا اليوم، فقد أخذت الاحتفالات طابعاً مهماً تمثل في مطالب بالمساواة بين الجنسين، حتى أن محرك البحث غوغل يغير إشارته في الثامن من آذار/مارس من كل عام احتفاءً بالمرأة وإنجازاتها.
في البلدان العربية تطرح مواضيع الظلم الاجتماعي والعادات والتقاليد البالية التي تحط من شأن المرأة، وتطالب الناشطات النسويات والمهتمات بقضايا المرأة بتفعيل دور النساء بشكل أكبر في المجتمع، كما تحتفي النساء بإنجازاتهن خلال العام، وكان لربيع الشعوب منذ عام 2011 إلى اليوم دور كبير للتعريف بالحركة النسوية والمطالب النسائية، فحدثت العديد من التطورات كمشاركة النساء في الثورات بالجزائر وتونس ومصر والسودان وسوريا ولبنان والعراق، ومنحت السعوديات حقوقاً مهمة في السنوات الأخيرة، وأصبحت المطالب في البلدان العربية تؤكد على ضرورة فتح المجال أمام النساء للعمل في مختلف المجالات وتحقيق المساواة، كما كان في الكويت وقفات احتجاجية مطالبة بمنح المرأة حق إعطاء الجنسية، وكذلك كانت مطالب الأردنيات، فيما تقوم الدول والمؤسسات النسوية بتنظيم فعاليات متنوعة.
وتجوب المظاهرات شوارع المدن الكبرى في مختلف أنحاء العالم، من أوروبا، إلى آسيا، وأفريقيا وتحمل النساء شعارات ولافتات تنادي بالحرية والمساواة. حتى في البلدان التي تشهد أزمات في حرية التعبير تتحدى النساء ذلك وتخرجن مطالبات بحقوقهن كما في إيران وتركيا.
رجال دافعوا عن المرأة
لعل دفاع الرجال عن حقوق المرأة وحملهم لقضيتها طور مهم في سير الحركة النسوية، خاصةً أن المشاكل الأساسية التي تعاني منها المرأة كالعنف والتهميش مربوطة بالذهنية التي تعلي من شأن الرجل وتقلل من شأن المرأة، وقلائل هم الرجال الذين يمتلكون فكراً قادر على القبول بإنهاء التمييز لصالحهم فكما يقول الفيلسوف عبد الله أوجلان، "الوضع الحالي للعائلة هو في صالح الرجل، لهذا ليس من المتوقع أن يقوم بقطع الغصن الذي يجلس عليه أبداً"، لكنه الرجل الوحيد الذي سلط الضوء على فكرة أن "حرية المجتمع تبدأ من حرية المرأة"، وأكد أنه لا يمكن تحرير شعب وفيه امرأة مضطهدة.
القائد عبد الله أوجلان من أبرز الشخصيات التي دافعت عن المرأة، ولكنه أيضاً انتقد تخصيص يوم واحد للاحتفاء بإنجازات النساء، وهو الذي قال إن تطور البشرية ومختلف الحضارات كان على يد النساء، وجاء في إحدى مرافعاته أنه "لم يتم وضع برنامج عملي محدد لمساواة المرأة بالرجل أو قضية حريتها، فالعشوائية هي الناحية الملفتة في الحركة النسائية العالمية. إن مجرد تحديد يوم واحد من 365 يوم من العام للمرأة هو دليل على الاستخفاف بها".
أما في مصر فقد عمل قاسم أمين وهو من الإصلاحيين المصرين ومؤسسي الحركة الوطنية المصرية على المطالبة المستمرة بتحرير المرأة ويعتبر من النسويين الأوائل في البلدان العربية، حيث انتقد إجبار الفتيات على ارتداء الحجاب وزواج القاصرات، والعزلة المفروضة على النساء وحرمان الفتيات من التعليم تحت ذريعة الدين والعادات والتقاليد، كما عرف أيضاً على أنه رائد حركة تحرير المرأة في القرن التاسع عشر.
وفي العراق حارب الشاعر معروف الرصافي الأفكار الرجعية التي تحط من شأن المرأة، وقاد الحملات المطالبة بتحرير النساء ونظم قصيدة هجاء للمفاهيم الرجعية.
أما في بريطانيا فقد عرف الفيلسوف جون ستيوارت مل في القرن التاسع عشر على أنه مدافع عن المرأة وحقوقها وقد ألف في عام 1869 مقالاً بعنوان "استعباد النساء"، في وقت كانت تعيش فيه النساء البريطانيات أسوأ أشكال القمع والتمييز، وطالب بتحرير النساء من سجن العادات والتقاليد والكنيسة، ولم يكتفي بالمطالبات بل إنه استفاد من منصبه كعضو في البرلمان البريطاني وطالب بمنح المرأة حق التصويت، ورأى أن تقييد نصف الجنس البشري ويقصد به المرأة عن المساهمة في المجتمع يعتبر عائقاً أمام التنمية البشرية.
القائد عبد الله أوجلان، ومعروف الرصافي وجون ستيوارت مل وقاسم أمين ليسوا إلا أمثلة متفرقة من الشرق والغرب عن رجال وقفوا مع قضية تحرير المرأة ولم يقبلوا العيش في مجتمع يقصي النساء، وهذا يمنح تفاؤلاً بأن تمنح النساء في مختلف المجتمعات حقوقهن حتى يصلن إلى المساواة التامة بين الجنسين، لذلك عليهن اليوم الاحتفال بيومهن العالمي وأن يستمرين على طريق النضال حتى تحقيق أهدافهن وأن يفخرن دوماً بإنجازاتهن. ولا يقف طموحهن عند يوم واحد فالمرأة تستحق 365 يوماً لأنها أساس المجتمع والحياة.