اليمن... المرأة وأزمة الدولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
تداخل الأعراف التقليدية مع تداعيات الصراع والانقسام السياسي في اليمن، جعل النساء والفتيات أكثر عرضة للانتهاكات المتعددة. فالعادات الاجتماعية وانغلاق المجتمع اليمني فرض قيوداً صارمة على حرية المرأة وحركتها، وانتج واقعاً صعباً يحدّ من فرص النساء في التعليم
رانيا عبد الله
اليمن ـ منذ أكثر من عقد، ترك الصراع المستمر في اليمن أثراً بالغاً على النساء، إذ تعرضن لأشكال متعددة من العنف المباشر. فقد أُعيد تشكيل حقوقهن وفق منظومة ذكورية حرمت الكثير منهن من أبسط مكتسباتهن، بينما انعكست أدوارهن الفاعلة في المجتمع إلى تهميش خطير. ونتيجة لذلك، أصبحت النساء الضحايا الأبرز للحرب الدائرة، حيث واجهن انتهاكات جسيمة طالت مختلف جوانب حياتهن، من الاعتقال والتعذيب إلى الزواج القسري والاستغلال الاقتصادي.
في هذا الملف، سنسلط الضوء على انعكاسات الانقسام السياسي والحرب الأهلية على واقع النساء في اليمن، والسياسات الرسمية المتعلقة بحقوقهن، والحقوق التي يُحرمْن منها بموجب القانون، إضافة إلى أشكال المقاومة التي تبديها النساء في مختلف المجالات، وكفاحهن المستمر من أجل البقاء..
منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء عام 2014، دخل اليمن مرحلة تفكك شامل تحوّل معها الانقسام السياسي إلى حرب متعددة الأطراف تغذيها التدخلات الإقليمية. لم يؤد هذا الانقسام إلى تمزيق البنية المؤسسية فحسب، بل كشف أيضاً الذهنية الإقصائية للسلطات الرسمية، وأسهم في تغذية أنماط العنف والتمييز ضد المرأة.
وفي كلّ من مناطق سيطرة جماعة الحوثيين والمناطق الخاضعة للحكومة المعترف بها دولياً، تتقاسم السلطتان نمطاً ممنهجاً من التقاعس والتغاضي وممارسة الانتهاكات ضد النساء. بل إن السياسات والممارسات السائدة، إلى جانب طبيعة الحكم القمعي في الجانبين، ساهمت في ترسيخ بيئة يفلت فيها الجناة من العقاب، وتُعامل فيها النساء كمواطنات من درجة أدنى.
الأطراف المتحاربة استغلت الأعراف الاجتماعية والدينية لتقييد النساء وقمع الناشطات. كثير من النساء اللواتي حاولن المشاركة في العمل السياسي أو الإنساني تعرضن للاعتقال أو التضييق، ما أدى إلى تراجع دور المرأة في الحياة العامة.
الانقسام السياسي في اليمن لم يكن مجرد خلاف على السلطة، بل كان له أثر مباشر على حياة النساء والفتيات. فقد أدى إلى تسييس قضايا المرأة، انهيار الاقتصاد، وتراجع مكتسبات الحركة النسوية. كل ذلك ساهم في تصاعد العنف ضد النساء بشكل غير مسبوق، وجعل معاناتهن جزءاً لا يتجزأ من مأساة اليمن المستمرة.
تحول أدوار المرأة
في خضم الصراع الدائر، وجدت النساء أنفسهن في قلب تناقض مأساوي بين الأزمات والعنف. لم يكن الصراع بعيد عنهن، بل زُجّ بهن في صميمها، ليصبحن الطرف الأكثر اضطهاداً واستغلالاً في معركة السلطة التي يهيمن عليها الرجال. ومع تفاقم الانقسامات السياسية وتدهور الوضع الأمني، تراكمت على عاتق النساء مسؤوليات مضاعفة في مختلف جوانب الحياة.
شهدت اليمن خلال السنوات الأخيرة انتكاسة كبيرة في سياسات المرأة، أدت إلى تهميشها واستغلالها بشكل واسع. فقد جرى إقصاؤها من المجالات العامة والإدارية والسياسية والاقتصادية، مما عزلها عن المشاركة في الحياة الاجتماعية. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل سعت القوى المهيمنة إلى تجريد النساء من هوياتهن عبر حصرهن في أطر أسرية "مقدسة"، تُستخدم كأداة لإلغاء حضورهن في المجال العام.
في مخيمات النزوح، تحولت النساء إلى رمز للصمود، حيث تولين مسؤولية رعاية الأطفال وكبار السن وسط ظروف قاسية، لكنهن في الوقت نفسه تعرضن للاستغلال والعنف. قصص كثيرة تروي كيف أن النزوح لم يكن مجرد فقدان منزل، بل فقدان الأمان والكرامة.
على الصعيد السياسي، حاولت بعض النساء أن يرفعن أصواتهن للمطالبة بالسلام والمشاركة في صنع القرار، لكن الانقسام السياسي جعل حضورهن هامشياً. الأطراف المتحاربة استغلت الأعراف لتقييد النساء وقمع الناشطات، فخفت صوت المرأة في الساحة العامة بعد أن كان أكثر وضوحاً قبل الحرب.
أما في الاقتصاد، فقد دخلت النساء سوق العمل بشكل أكبر، لكن في ظروف غير آمنة، بأجور زهيدة، ومع تعرضهن للاستغلال والإهمال. ومع ذلك، ظل حضورهن الاقتصادي هشاً، إذ لم تُمنح لهن فرص متكافئة، ولا أي دعم حقيقي.
تردي الوضع الأمني جعل النساء أكثر عرضة للعنف الأسري والجنسي، فالنزوح، والفقر، والضغوط النفسية كلها عوامل ساهمت في تقليص فرص المرأة في التعليم والعمل، وأدت إلى تراجع مكتسباتها التي حققتها في العقود السابقة.
العنف الأسري والمجتمعي في اليمن ليس مجرد انعكاس للعادات الاجتماعية، بل هو نتيجة مباشرة للانقسام السياسي والصراع المسلح، ويعكس ذهنية أبوية متجذرة في الدولة. النساء والأطفال دفعوا الثمن الأكبر، حيث تعرضوا لانتهاكات جسيمة تهدد مستقبل المجتمع بأسره. إن مواجهة هذه الأزمة تتطلب إرادة سياسية موحدة، تعزيز القوانين، وتفعيل برامج التوعية المجتمعية، إلى جانب إشراك النساء في عمليات السلام وصنع القرار لضمان مستقبل أكثر عدلاً ومساواة.
كراهية النساء التي يغذيها الحوثيين والحكومة
منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء عام 2014، شهدت حياة النساء تحولات جذرية نحو الأسوأ. فقد تحولت ما يُطلق عليها "البيوت المقدسة" إلى سجون مغلقة، أصبحت فيها النساء أكثر عرضة للعنف والانتهاكات. أما الشوارع، فقد غدت فضاءات خطرة، حيث يواجهن التحرش والإهانة بشكل يومي ودون رادع. وفي بيئة العمل، ورغم استمرار الحديث عن التمثيل المتساوي، ظل حضور المرأة محاطًا بالاستغلال، ليصبح عملها وسيلة إضافية لإضعافها بدلًا من تمكينها.
في صنعاء، تُروى قصص كثيرة عن نساء اعتُقلن لمجرد مشاركتهن في نشاط مدني أو إنساني. بعضهن اختفين قسرياً، والبعض الآخر تعرضن للتعذيب النفسي والجسدي داخل السجون. تقارير حقوقية وثّقت أكثر من 400 حالة اختطاف وإخفاء قسري وتعذيب بحق نساء خلال السنوات الأخيرة، وهو رقم يعكس حجم المأساة.
في القرى والأرياف، العنف يأخذ أشكالًا أخرى. نساء فقدن أزواجهن وأبنائهن، فاضطررن إلى تحمل مسؤولية إعالة الأسرة وسط ظروف اقتصادية قاسية. كثير منهن أجبرن على العمل في مهن شاقة أو قبول الزواج المبكر لبناتهن كوسيلة للتخفيف من الأعباء.
أما في المجتمع، فقد أصبح التحرش والاستغلال جزءاً من الحياة اليومية. النساء النازحات في المخيمات يواجهن مخاطر مضاعفة، حيث يفتقدن الأمان والخصوصية، ويصبحن عرضة للاستغلال الجنسي والاقتصادي. قصص النازحات تكشف أن العنف لم يعد محصوراً داخل جدران البيوت، بل أصبح جزءاً من الحياة العامة.
كما تُفرض أعراف وقوانين مشددة تزيد من تقييد النساء، وتستخدم كأداة للسيطرة السياسية والاجتماعية، فالنساء هناك لا يواجهن فقط العنف الأسري والمجتمعي، بل يواجهن آلة قمعية تستهدف وجودهن ودورهن. ومع ذلك، تبقى المرأة اليمنية رمزًا للصمود، وقوة كامنة يمكن أن تسهم في إعادة بناء المجتمع إذا مُنحت الفرصة للمشاركة في السلام والعدالة.
أما في عدن والمناطق الخاضعة للحكومة المؤقتة المعترف بها دولياً، فالوضع يبدو أقل حدة لكنه لا يقل خطورة. النساء هناك يواجهن عنفاً أسرياً متزايداً، حيث تضطر كثيرات إلى الصمت بسبب ضعف المؤسسات القضائية والأمنية. النزوح والفقر دفع الأسر إلى تزويج الفتيات في سن مبكرة، وهو شكل آخر من أشكال العنف المجتمعي الذي يغذيه الانقسام السياسي والأزمة الاقتصادية.
الزينبيات... توظيف المرأة في خدمة منظومة القمع
منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء عام 2014، لم تقتصر أدواتها الأمنية على الرجال المسلحين أو الأجهزة التقليدية، بل أنشأت وحدة نسائية خاصة تُعرف باسم الزينبيات. هذه الوحدة لم تكن مجرد تشكيل أمني، بل تحولت إلى أداة رئيسية لتكريس القمع ضد النساء، وتعزيز الطابع الأمني، في مشهد يعكس كيف يمكن توظيف المرأة نفسها في خدمة منظومة القمع.
ففي شوارع صنعاء، كثيراً ما تُشاهد نساء يرتدين الزي الأسود الكامل، يقمن بمهام التفتيش والمداهمة، ويشاركن في قمع المظاهرات النسائية. هؤلاء النساء هنّ أفراد الزينبيات، اللواتي جرى تدريبهن على أعمال أمنية واستخباراتية، ليصبحن أداة بيد الحوثيين في مواجهة أي صوت نسائي معارض.
تقارير حقوقية وثّقت أن الزينبيات شاركن في اعتقال ناشطات، واقتحام منازل، وممارسة التعذيب النفسي والجسدي بحق النساء المعتقلات. بعض الشهادات تحدثت عن استخدامهن أساليب إذلال وإهانة تستهدف كسر إرادة النساء وإرغامهن على الصمت.
فهذه الوحدة النسائية لم تُنشأ لحماية النساء أو تعزيز دورهن، بل لتقييدهن ومراقبتهن. فهي تعمل على فرض الأعراف التي تحد من حرية المرأة، وتستخدم كأداة لتخويف المجتمع بأسره، عبر إظهار أن الحوثيين تمتد حتى إلى النساء اللواتي يفترض أن يكنّ في موقع الضحية لا الجلاد.
وجود هذه الوحدة يعكس الطابع الأمني المتشدد والعقلية المتطرفة للحوثيين، ويكشف أن المرأة في مناطق سيطرتهم لا تواجه فقط العنف الأسري والمجتمعي، بل أيضاً آلة أمنية نسائية صُممت خصيصاً لإسكاتها.
الأرقام التي تحكي القصة
عام 2025 لم يكن مجرد امتداد للصراع الطويل في اليمن، بل كان عاماً كاشفاً لحجم المأساة التي تعيشها النساء والفتيات. الأرقام التي صدرت عن منظمات حقوقية وأممية لم تكن مجرد إحصاءات جامدة، بل قصص حياة يومية تُروى بلغة الدم والدموع، حيث أصبحت المرأة اليمنية الضحية الأكبر للعنف والانقسام السياسي.
ووثق تقرير الشبكة اليمنية للحقوق والحريات، ارتكاب الحوثيين أكثر من (5618) انتهاكاً بحق النساء في اليمن خلال الفترة الممتدة من 1 كانون الثاني/يناير 2017 وحتى نهاية تموز/يوليو 2025، شملت (15) محافظة يمنية أبرزها الحديدة، تعز، حجة، ذمار، ومأرب.
وتنوعت الانتهاكات بين جرائم القتل والإصابة والاختطاف والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي، إلى جانب الفصل من الوظائف العامة والتجنيد الإجباري، حيث سجلت الشبكة (1479) حالة قتل و(3398) إصابة نتيجة القصف المدفعي، وانفجار الألغام، وأعمال القنص، إضافة إلى (547) حالة اختطاف وتعذيب، و(176) حالة تجنيد قسري، بينها طالبات.
وتصدرت محافظة تعز قائمة الانتهاكات بواقع (1802) حالة قتل، تلتها الحديدة بـ(219) حالة، وعدن بـ(58) حالة، فيما توزعت باقي الأرقام على محافظات أخرى بينها لحج، مأرب، الجوف، والبيضاء. كما وثقت الشبكة مقتل (274) امرأة جراء الألغام التي زرعها الحوثيين في الأحياء السكنية والمزارع، وسقوط (124) امرأة برصاص القناصة، و(91) ضحية لإطلاق النار المباشر، فضلًا عن (46) حالة قتل بأساليب أخرى كالدَّهس والطعن.
وبحسب التقارير الحقوقية 6.2 مليون امرأة وفتاة في اليمن يواجهن مخاطر مباشرة من العنف ويحتجن إلى مساعدات منقذة للحياة، ثلثا الفتيات اليمنيات يُجبرن على الزواج قبل سن 18، وهو شكل من أشكال العنف المجتمعي المرتبط بالفقر وعدم الاستقرار.
التركيبة الاجتماعية
التركيبة الاجتماعية في اليمن، مدعومة بتشريعات وسياسات رسمية، تمنح الرجل ما يُسمى "حق تأديب المرأة" في نطاق العائلة. كما أن بعض جرائم قتل النساء تتصدر وسائل الإعلام، بينما كثيرٌ يُخفى عن الرأي العام، ومثلها قضايا العنف المنزلي أيضاً.
خلال السنوات السابقة رصدت وكالتنا تقارير وقصص صحفية عن العنف وجرائم قتل النساء، وفي جريمة هزت العاصمة صنعاء أقدم زوج على قتل زوجته رمياً بالرصاص منتصف شهر حزيران/يونيو 2025، وجريمة قتل أخرى لمعلمة مطلع عام 2025 على يد شريكها، وهذه الجرائم لا تعد عابرة، بل تعتبر قضية يجب أن تحظى بتدخل الجهات المعنية وسن قوانين واضحة تجرم العنف ضد المرأة أياً كان شكله.
غالباً في المجتمع اليمني تجد النساء صعوبة بالغة في التبليغ عن العنف والأذى الذي يتعرضن له خصوصاً إذا كان في إطار العائلة، كما أن غياب القوانين الواضحة التي تجرم العنف ضد النساء يعتبر واحداً من أهم أسباب استمرار وتفاقم العنف، كما تلعب الأعراف والتقاليد دوراً في تبرير العنف ضد النساء في المجتمع اليمني، حيث أن المجتمع يلوم الضحية ويبرر العنف ويحملها الخطأ، وأنها كانت تستحق ذلك، يصل أحياناً إلى تبرير جريمة القتل.
إقصاء ممنهج
في بلد أنهكه الصراع والانقسام السياسي، لم تكن المرأة اليمنية مجرد ضحية للعنف الأسري والمجتمعي، بل واجهت أيضاً إقصاءً ممنهجاً من مواقع صنع القرار. هذا الإقصاء لم يكن مجرد غياب عن المناصب الرسمية، بل انعكس في تهميش صوتها، وتقييد مشاركتها، وتعرضها لانتهاكات جسيمة على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
في صنعاء، لم يعد للنساء أي حضور فعلي في مواقع القرار. الناشطات اللواتي حاولن المشاركة في العمل السياسي أو المدني تعرضن للاعتقال والاختفاء القسري، وبعضهن واجهن التعذيب النفسي والجسدي. تقارير حقوقية وثّقت مئات الحالات التي تكشف أن المرأة تُستهدف بشكل مباشر لإسكات صوتها.
أما في مناطق الحكومة المؤقتة المعترف بها دولياً، ورغم وجود مساحة نسبية للنساء، إلا أن مشاركتهن بقيت شكلية ومحدودة. كثير من النساء أُقصين من المناصب القيادية، ولم يُمنحن الفرصة للمشاركة في مفاوضات السلام أو صياغة السياسات العامة. هذا التهميش يعكس أن الانقسام السياسي جعل الأولوية للصراع على السلطة، لا لإشراك نصف المجتمع في بناء المستقبل.
صوتاً واحداً لا يغير ما يقرره مئات الرجال
في ظل واقع يفترض أن يكون البرلمان فيه ساحة للتعبير عن جميع فئات المجتمع، رجالًا ونساءً. لكن الواقع كشف عن صورة مغايرة، حيث سيطر الرجال على جميع مقاعد البرلمان باستثناء مقعد واحد لامرأة واحدة، ما جعل مشاركة النساء شبه معدومة، وأدى إلى تكريس قوانين تمييزية ضدهن.
فداخل قاعة البرلمان، يوجد أكثر من 300 رجل يتناقشون ويصوتون على القوانين التي تحدد مصير المجتمع. بينما تجلس امرأة واحدة، تحمل على عاتقها مسؤولية تمثيل نصف المجتمع. لكن صوتها، مهما كان قوياً، لا يستطيع أن يغيّر ما يقرره مئات الرجال.
هذا الغياب شبه الكامل للنساء عن البرلمان انعكس بشكل مباشر على التشريعات. قوانين الأحوال الشخصية، قوانين الزواج والطلاق، وحتى القوانين المتعلقة بالعمل والتعليم، جاءت محملة بتمييز واضح ضد النساء. لم يكن هناك من يدافع عن حقوقهن أو يطرح قضاياهن بجدية، لأن صوتاً واحداً لا يمكن أن يواجه كتلة ضخمة من الأصوات الذكورية.
القانون اليمني يجذر العنف ضد النساء
في اليمن، يمتد العنف ضد المرأة جذوره إلى النصوص القانونية نفسها. فالقوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية والعقوبات، بما تحمله من ثغرات وتمييز، ساهمت في تكريس واقع يجعل المرأة أكثر هشاشة أمام العنف الأسري والمجتمعي، ويمنح الجناة فرصاً للإفلات من العقاب.
القوانين اليمنية تمنح الرجل سلطة واسعة على المرأة، خاصة في الزواج والطلاق. مواد قانون الأحوال الشخصية تسمح بزواج القاصرات، وتمنح ولي الأمر حق منع المرأة من الزواج دون مبرر، وهو ما يُعرف بـ "العضل". هذه النصوص لا تضع المرأة تحت وصاية دائمة، وتجعلها عرضة للاستغلال.
إلى جانب ذلك، هناك ثغرات في التعامل مع جرائم الشرف والعنف الأسري. كثير من القضايا تُخفف فيها العقوبات أو تُسقط بحجة الأعراف، ما يرسخ ثقافة الإفلات من العقاب. كما أن اليمن يفتقر إلى قانون خاص لمكافحة العنف الأسري أو العنف الرقمي ضد النساء، رغم تزايد الانتهاكات في هذا المجال.
أصبح القانون اليمني أداةً لتجذير العنف ضد النساء، إذ أن النصوص التمييزية والثغرات القانونية، إلى جانب الأعراف الاجتماعية، خلقت واقعاً مقلقاً يجعل المرأة اليمنية أكثر عرضة للانتهاكات.
العنف الرقمي والإعلامي
تتعرض النساء والفتيات للابتزاز، وتتوسع هذه الظاهرة لعدم وجود قوانين رادعة ضد الجرائم الإلكترونية، ما يشكل خطورة على النساء، حيث غابت القوانين، وتجاهل المشرع اليمني مواكبة التطورات وتعديل وتحديث القوانين بما يواءم تلك التطورات، لاسيما الجرائم الإلكترونية وقضايا التحرش الرقمي والابتزاز الإلكتروني التي تتعرض لها النساء في اليمن، وهذا القصور جعلها أكثر عرضة لهذه الجرائم.
تضطر كثير من النساء والفتيات للتعامل مع المبتز خوفاً من الفضيحة، فالمجتمع اليمني ما زال ينظر للمرأة، حتى إن كانت ضحية، على أنها جانية وتستحق ما يحدث لها دون لوم الجاني، وهذه الثغرة المجتمعية يستغلها المبتزون لتحقيق أغراضهم السيئة.
التهديدات الرقمية تطال أيضاً النساء الناشطات والسياسات، والصحفيات والمنخرطات في الحياة العامة، حيث تتعرض النساء في المواقع القيادية والسياسية لحملات تضليل ممنهجة بهدف إقصائهن ودفعهن إلى الانسحاب من الحياة العامة.
إن ما تعرضت له افتهان المشهري، مديرة مكتب صندوق النظافة والتحسين بمدينة تعز جنوب غرب اليمن، من حملات تشويه وتحريض ممنهجة قبيل اغتيالها في 18 أيلول/سبتمبر 2025، ما هو إلا دليل على العقبات والتحديات التي تواجه النساء في العالم الرقمي لغرض إقصائهن. لقد عملت افتهان المشهري بنزاهة، وأدخلت الحوكمة الرشيدة في مؤسسة إيرادية مهمة في ظل بيئة مكتظة بالفساد والمحسوبية، وكانت تلك التهديدات الرقمية التي تتعرض لها ما هي إلا محاولة لإقصائها وإحباطها عن الاستمرار، إلا أنها قررت الاستمرار بالعمل وأثبتت أن لديها القدرة على صناعة القرار والقيادة بحكمة، وكانت جريمة اغتيالها جريمة بحق كل النساء.
الحراك النسائي
شهدت اليمن بين عامي 2011 و2014 حراكاً نسوياً، كان بمثابة نقطة تحول في مسيرة المرأة اليمنية نحو المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية والاجتماعية. هذا الحراك لم يكن مجرد حضور رمزي، بل أثمر عن نتائج ملموسة، أبرزها ما تضمنته مخرجات مؤتمر الحوار الوطني من إقرار نظام الكوتا بنسبة لا تقل عن 30% لمشاركة النساء في مختلف هيئات.
لكن بعد 2015، ومع اندلاع الصراع والانقسام السياسي، شهد الحراك النسوي تراجعاً كبيراً. ضعف مشاركة النساء في مفاوضات السلام كان المؤشر الأبرز على هذا التراجع، حيث غابت أصواتهن عن طاولة المفاوضات، رغم أنهن الأكثر تضرراً من الحرب.
ورغم هذا التراجع، بدأ الحراك النسوي يستعيد عافيته بشكل نسبي في السنوات الأخيرة. فقد نشأت عدة مكونات نسوية جديدة، نشطت على المستوى المحلي وفي المحافل الدولية، بهدف دعم دور المرأة في بناء السلام والمطالبة بمشاركتها في جميع المستويات. هذه المبادرات أعادت الأمل بأن المرأة اليمنية قادرة على استعادة مكانتها، وأن صوتها سيظل حاضراً مهما كانت التحديات.
القرار 1325... ثمرة جهود حثيثة
في عالم تمزقه النزاعات المسلحة، كانت المرأة غالباً الضحية الصامتة، تتحمل أعباء الحرب دون أن يُسمح لها بالمشاركة في صناعة القرار أو بناء السلام. لكن في عام 2000، صدر قرار مجلس الأمن رقم 1325 ليكسر هذا الصمت، ويضع المرأة في قلب معادلة الأمن والسلام، باعتبارها شريكاً لا غنى عنه في منع النزاعات وحلها وإعادة الإعمار بعدها.
قرار 1325 لم يأتِ من فراغ، بل كان ثمرة جهود حثيثة من منظمات نسوية وحقوقية حول العالم، طالبت بضرورة الاعتراف بدور المرأة في مواجهة آثار الصراع. فقد نص القرار على مجموعة من المبادئ التي تعالج تحسين وضع المرأة خلال النزاعات وما بعدها، وتشجع على إدماج منظور النوع الاجتماعي في كافة السياسات المتعلقة بالأمن والسلام.
من أبرز ما تضمنه القرار: حماية النساء والفتيات من العنف الجنسي والجسدي أثناء النزاعات المسلحة، إشراك النساء في عمليات صنع القرار المتعلقة بالسلام والأمن على المستويات المحلية والدولية، إدماج منظور النوع الاجتماعي في خطط منع النزاعات وإعادة الإعمار بعد الحروب، تعزيز دور المرأة في بناء السلام عبر المشاركة في المفاوضات والوساطة والبرامج المجتمعية.
هذا القرار يكتسب أهمية مضاعفة، فالصراع الذي اندلع بعد عام 2015 أضعف حضور المرأة بشكل كبير، وأقصها عن مفاوضات السلام رغم أنها الأكثر تضرراً، ومع ذلك، بدأت مبادرات نسوية محلية ودولية تستند إلى القرار 1325، مطالبة بتمثيل النساء بنسبة عادلة، وبإدماج قضايا النوع الاجتماعي في أي تسوية سياسية قادمة.
وختاماً يمكن القول أن معاناة المرأة اليمنية ليست مجرد انعكاس جانبي للصراع، بل هي جوهر المأساة الإنسانية التي يعيشها اليمن منذ سنوات. ومع ذلك، تبقى المرأة اليمنية رمزاً للصمود وقوة كامنة قادرة على إعادة بناء المجتمع إذا مُنحت الفرصة للمشاركة في السلام وصنع القرار. إن مستقبل اليمن العادل والمستقر لن يتحقق إلا بإرادة سياسية موحدة، تعيد الاعتبار للنساء كركيزة أساسية في مسيرة العدالة والمساواة، وتضع قضاياهن في قلب أي مشروع وطني للسلام.