عيد التكوين والخليقة... "الأربعاء الأحمر" أقدم أعياد الإيزيديين

الأربعاء الأحمر بالنسبة للإيزيديين يوم فاضل تفتح فيه أبواب الخير من الشروق إلى الغروب، وبحسب معتقداتهم فهو عبارة عن أربعة أعياد في عيد واحد

غدير عباس

مركز الأخبار ـ يحتفل الإيزيديين في الأربعاء الأول من شهر نيسان الشرقي بعيد رأس السنة الإيزيدية "الأربعاء الأحمر" الذي يعد من أقدم الأعياد المتبعة في الديانة الإيزيدية وأقدسها، فهو بالنسبة لهم عيد التكوين والخليقة، بداية الحياة واكتمال الربيع.

اقتصرت احتفالات الإيزيديين بعيد الأربعاء الأحمر على مدى سنوات بإقامة بعض الطقوس الدينية فقط، بسبب ظروف التهجير والقتل والخطف، جراء المجازر التي تعرضوا لها والتي وصلت إلى 74 مجزرة، كان أشدها على يد العثمانيين، وأخرها على يد مرتزقة داعش في عام 2014.

هذه الحروب والمجازر تسببت بآثار كبيرة ترسخت في النسيج الاجتماعي والعقلية الإيزيدية فأصبح الانزواء عن العالم والتقوقع الاجتماعي والخوف من الغرباء سمة أساسية لهم. لكن يبقى لعيد الأربعاء الأحمر مكانة هامة لديهم. فما أهمية هذا العيد بالنسبة للإيزيديين؟

 

بداية الحياة

الأربعاء الأحمر بالنسبة للإيزيديين يوم فاضل، خلقه الملك فخر الدين من العشق والقلب، لم يعرف للراحة والغفلة معنى حينها، يوم بدون حساب، يوم تفتح فيه أبواب الخير من الشروق إلى الغروب، والملك فخر الدين هو أحد الملائكة السبعة التي خلقها الله من نوره، ويمثل الروح المجردة لدى الإيزيدية ويطلق عليه لقب "دردائيل"

في الأربعاء الأول من شهر نيسان بحسب التقويم الشرقي، الذي يتأخر عن نيسان الغربي ثلاثة عشر يوماً، يحتفل الإيزيديين بعيد الأربعاء الأحمر أو ما يسمى بالكردية "جارشمبا سور" عيد رأس السنة الإيزيدية، ويُعتبر من أقدم الأعياد المتبعة في الديانة الإيزيدية وأقدسها، فهو بالنسبة لهم عيد التكوين والخليقة وبداية الحياة، وتكوين الأرض واكتمال الربيع.

يعتقد أصحاب الديانة الإيزيدية أن "طاووس ملك" رئيس الملائكة أُرسل من قبل الرب إلى الأرض التي كانت سراباً ليحولها إلى أرض حية من ماء وتراب، وينبت فيها الربيع بألوانه الزاهية، وكان ذلك في يوم الأربعاء.

وللديانة الإيزيدية معتقداتها وتقاليدها وعاداتها التي تميزها عن باقي الأديان، لكن في مضمونها جميعاً تدعو إلى عبادة الله ووحدانيته وأنه خالق هذه الأرض، فهي تدرجت من عبادة الطبيعة إلى الوحدانية، فهم ليس لهم أنبياء لاعتقادهم في عدم وجود صلة بين الخالق والمخلوق، وهم يؤمنون بتناسخ الأرواح، فالروح عندهم لا تموت، ولكنها تنتقل عبر الأجيال.

وتُعتبر واحدة من أقدم الديانات الشرقية القديمة، ويعتقد أتباعها بأن ديانتهم انبثقت عن الديانة البابلية القديمة في بلاد ما بين النهرين، ويعود تاريخها إلى الألف الثالثة قبل الميلاد.

 

إشعال القناديل يوم العيد لنشر النور

يبدأ التحضير للعيد بدأً من يوم الثلاثاء، فيقوم الإيزيديين بذبح القرابين كلاً على حسب قدرته سواء كان "شاةً أو عجلاً أو خروفاً أو جدياً"؛ لأنه لا يجوز ذبح أي شيء في يوم العيد، ويخرجون بعدها لزيارة قبور موتاهم حاملين معهم جميع أنواع الفاكهة والحلويات لتوزيعها على الأطفال والفقراء.

وفي المساء يشعلون النار والقناديل في المكان المقدس "لالش" وفي مفارق الطرقات والشوارع، مستعملين زيت الزيتون، حيث تشعل القناديل على عدد أيام السنة، ويقوم الشباب بالقفز فوق النار الموقدة في ساحات القرية وهم يرددون بعض الترانيم، مثل "يا نار خذي لوني الأصفر"، دلالة على المرض، و"وامنحيني لونك الأحمر" دلالة على الصحة. فالنار بالنسبة للإيزيديين مقدسة؛ لأنهم لا يحبون الظلام، لذلك يشعلون القناديل يوم العيد لنشر النور.

ويُعتبر لالش مكان مقدس بالنسبة للإيزيديين فهي قرية صغيرة ومعبد ضخم يقعان في وادي شيخان، شُيد هذا المعبد على يد السومريين وحضارات أخرى، وأصحاب هذه الديانة يحجون مرة واحدة خلال حياتهم إلى المكان المقدس لالش لمدة ستة أيام، أما القاطنين في المنطقة فأنهم يحجون خلال فصل الخريف من 23 أيلول/سبتمبر وحتى الأول من تشرين الأول/أكتوبر.

 

تلوين البيض بألوان الفصول

وفي هذا الشهر تتجدد الطبيعة ويفقس البيض، فتعتبر البيضة رمزاً هاماً لهذا العيد، حيث يقوم الإيزيديين بسلق 12 بيضة، ويلونون كل ثلاث بيضات بلون فصل من فصول السنة. ويرمز البيض لديهم إلى كروية الأرض وتشكلها والولادة وانبعاث الحياة، فكل ما هو موجود في الكرة الأرضية يوجد في محتويات البيضة، فسلق البيض إشارة إلى تجمد الأرض، وقشرة البيضة بعد سلقها ترمز إلى ذوبان طبقة الجليد عن وجه الأرض، أما تلوين البيضة فيرمز إلى ألوان الورود والأزهار التي تتفتح بقدوم طاووس الملك أي الربيع، فالربيع بالنسبة لهم بداية الحياة.

ويتم جمع قشور البيض ورشها على الأراضي الزراعية لجلب البركة في المواسم، وللدلالة على حلول عام جديد، كما تجمع الفتيات شقائق النعمان وتعلقها فوق باب البيت مع قشر البيض الملون لزيادة الخصوبة التي تنتج عنها حياة جديدة.

 

شهر نيسان "عروس السنة"

يمنع في شهر نيسان/أبريل الزواج وعقد القران؛ لأن هذا الشهر يعتبر بالنسبة للإيزيديين كالعروس التي لا تضاهيها إي عروس أخرى، لذلك يسمونه "بوكا سالي" باللغة الكردية أي "عروس السنة".

كما يحرم عليهم حراثة الأرض، لاعتقادهم أنها حُبلى بالنباتات وغيرها، ولا يجوز إيذاؤها، ويمنعون من السفر بعيداً عن منازلهم أو مكان إقامتهم.

 

أربعة أعياد في عيد واحد

بحسب معتقدات الديانة الإيزيدية، فالأربعاء الأحمر عبارة عن أربعة أعياد دينية في عيد واحد، العيد الأول هو عيد التكوين عندما انفجرت الدرة البيضاء وتكونت منها أربعة عناصر "آخ، آف، باي، آكر" والتي تعني باللغة العربية "التراب، الماء، الهواء، النار"، بمعنى "الصلب، السائل، الغاز، البلازما" والتي تفاعلت مع بعضها وكونت النجوم والكواكب.

أما العيد الثاني فهو ذكرى غليان الأرض، ثم تجمدها وتكوينها واخضرارها، وهذه ما تظهره عملية غليان البيضة ثم تبريدها ثم تلوينها.

وبالنسبة للعيد الثالث هو عيد الخليقة؛ عندما خلق أول كائن حي، وضخ الدم الأحمر بجسده، لهذا سمي "جارشمبا سور" حيث كانت الطبيعة في أبريل/نيسان تمتلئ بالورود الحمراء وتعلق على الأبواب.

والعيد الرابع هو عيد الخصوبة، عندما تخصبت أول بيضة لإعادة تكوين أول كائن حي، بمعنى أن هذه الطقوس والمناسبات تذكر ببداية التكوين.

 

من أين جاءت تسميته؟

تختلف الروايات حول سبب تسمية رأس السنة الإيزيدية بالأربعاء الأحمر، فالبعض يقول أن لتسميتها دوافع سياسية للتأثير على المجتمع الإيزيدي، ودفعه لخدمة اتجاهات معينة، فالأربعاء الأحمر هو ذكرى محاولة إبادة الإيزيديين التي أبيحت فيها إراقة الدماء، وقد تم استغلاله لمعرفة أن الإيزيديين يقدسون هذا اليوم أم لا.

ويقول بعض الباحثين إن تسميته تعود إلى زمن إمبراطورية ميديا، حينما وقعت معركة كبيرة في ذلك اليوم، واريقت فيها الكثير من الدماء، وانهزم فيها العدو، ونتيجة لذلك سادت البهجة والاحتفال، وأطلق عليه الأحمر بسبب كثرة الدماء.

بينما يدعي آخرون أن أول قطرة دم حمراء ضُخت في جسم أول كائن حي وهو آدم، فاكتمل اللحم، وسرى الدم في جسده، وبدأت الحياة على الارض.

 

أماكن تواجدهم

يقطن اتباع الديانة الإيزيدية في إقليم كردستان والعراق ومحافظة نينوى العراقية والمدن ذات الغالبية الكردية في تركيا، وفي روسيا وأذربيجان وأرمينيا، وجورجيا وهناك جالية كبيرة في أوروبا.

وفي روج آفا وشمال شرق سوريا يتواجد الإيزيديين في إقليمي الجزيرة وعفرين وحي الشيخ مقصود بمدينة حلب، فهم يمارسون كافة طقوس العيد باستثناء تلك التي تجري في لالش المركز الروحاني للإيزيديين؛ كونه بعيد عن أماكن وجودهم.

فحقوق الإيزيديين في مناطق شمال وشرق سوريا كانت مهمشة في عهد النظام السوري، إلا أن جاءت ثورة روج آفا في 19 تموز/يونيو 2012، وجلبت معها الحقوق المسلوبة للإيزيديين، حيث تم الاعتراف بالديانة الإيزيدية، وذلك وفق العقد الاجتماعي في نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية المادة 33 والتي منحت معتنقي الديانة الحق في سن قوانينهم الخاصة، كما تقرر في مقاطعات روج آفا اعتبار يوم الاحتفال بعيد الأربعاء الأحمر عطلة رسمية في كافة الدوائر الرسمية مع حفظ الحق لإقامة الاحتفالات، وإحياء ثقافة العيد في المجتمع.

 

"الهدف هو الإبادة"

على مر التاريخ، تعرض الإيزيديين للمجازر والإبادات الجماعية التي وصلت لـ 74 مجزرة والتي تعرف بين الإيزيديين بالفرمانات، وكانت أكثرها وحشية التي بدأت في عام 1570على يد العثمانيين، ووصولاً إلى عام 2014.

ففي 3 آب/أغسطس عام 2014 شن مرتزقة داعش هجماته الوحشية على قضاء شنكال التي تسببت في تشريد مئات آلاف النازحين وسبي أكثر من خمسة آلاف امرأة، كما أنهن استخدمن كجواري وبعضهن تم بيعهن، ولا يزال مصير الكثير منهن مجهولاً، وقُتل الآلاف من النساء والشيوخ والأطفال، حتى الذين عادوا إلى منازلهم لا يزالوا يواجهون مصاعب تحول دون إعادة بناء حياتهم، كما تعيش غالبية الأفراد بدون خدمات منذ صيف عام 2014، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم ودعم سبل العيش.

فالسياسية ذاتها، والهدف الوحيد هو الإبادة، هذا حال الكرد الإيزيديين، فبعد المجازر التي تعرضوا لها من قبل العثمانيين وداعش، عانى الإيزيديين في مناطق شمال وشرق سوريا من هجمات الاحتلال التركي ومرتزقته.

فالوضع الراهن الذي تسبب به الاحتلال التركي في هجومه على مقاطعة عفرين في 20 كانون الثاني/يناير عام 2018، حرمهم من مزاراتهم ودمر قراهم، فأقدم مرتزقة جيش الاحتلال التركي على تدمير أقدم مزار ديني "بارسه خاتون" في قرية قسطل جندو، كما دمر تمثال زردشت الذي وضع أمام مركز الجمعية الثقافية الإيزيدية، وكذلك وفي سري كانيه/رأس العين نهب المرتزقة أكثر من 8 قرى إيزيدية.

وبالتزامن مع الاحتفال بعيد الأربعاء الأحمر هذا العام، تتكرر معاناة الإيزيدين والمخططات التي تحاك ضدهم وهذه المرة من خلال بناء جدار اسمنتي بطول 250 كيلو مترا وارتفاع 4 أمتار بين شنكال وروج آفا منذ بداية آذار/مارس بحجة حماية الحدود، بالتعاون بين الجيش العراقي والحزب الديمقراطي الكردستاني، وتأتي هذه التحركات بدفع من الدولة التركية، لفرض السيطرة العسكرية على المنطقة، ومحاولة فصل الأراضي عن بعضها، وقطع الترابط بين المجتمع الإيزيدي في شنكال ومناطق شمال وشرق سوريا، فهل سيكون لهذا الوضع تأثير على الاحتفال بعيدهم كما في المرات السابقة؟