من قارة إلى قارة... نضال المرأة قديماً وحديثاً (10)

تنظيم بوكو حرام، بمثابة مرتزقة داعش في أفريقيا، أثيرت حوله تهم باختطاف 276 فتاة قاصرة

 
في نيجيريا لم يمكن للنساء التنفس
غرفة الأخبارـ . نيجيريا، تعتبر سجناً للنساء، في هذا البلد توجد حوالي 25 مليون امرأة خضعت للختان، كما أن 75 بالمائة من النساء يتم بيعهن مقابل المال. عصابات الدعارة المنتشرة في البلاد، تنقل العديد من النساء للعمل قسراً في أعمال الدعارة في الدول الأوروبية. شيماماندا نغوزي أديشي، أدركت منذ طفولتها قيمة المرأة وقامت بنفسها بتطوير نظرية وذهنية المرأة، وعملت على تعزيز طاقاتها لتكون صوت المرأة، تسعى لأن تكون متنفساً للنساء في ظل الحياة التي حرمت عليهن التنفس بحرية. شيماماندا أديشي تسعى من خلال رواياتها إلى كشف هذا الوضع المتردي للعالم أجمع.
شهدت نيجيريا حرباً أهلية داخلية امتدت من 6 تموز/يوليو عام 1967 وحتى 13 كانون الثاني/يناير 1970، بسبب رغبة المناطق الجنوبية الانفصال عن البلاد تحت اسم جمهورية بيافرا. إلا أن الحرب الأهلية لم تتوقف عند هذا الحد، بل استأنفت الحرب مرة أخرى في عام 2002 وفي ولاية بورنو النيجيرية، عبر عمليات عسكرية نفذها تنظيم بوكو حرام. في المناطق الجنوبية حيث تطبق أحكام الشريعة يسيطر بوكو حرام، اعتباراً من عام 2004 بدأ هذا التنظيم بتنفيذ عمليات دموية، في عام 2009 قتل التنظيم المئات من الأشخاص، كما أجبر الآلاف من السكان على النزوح.
 
اختطاف فتيات قاصرات من قبل بوكو حرام
بوكو حرام التي تعتبر بمثابة مرتزقة داعش في إفريقيا، أقدم في 14 نيسان/أبريل من عام 2014 على اختطاف نحو 276 فتاة قاصر من الديانة المسيحية. زعيم تنظيم بوكو حرام أبو بكر شكوي قال إن من حقه بيع الفتيات اللواتي اختطفهن من المدارس، وقال "لقد خطفت بناتكم، سوف أبيعهن، أمرني الله بأن أبيعهن، إنهن ملك لله، وسوف أعمل بما أمر به الله". بعض من الفتيات المختطفات وجدن الفرصة وتمكن من الفرار، فيما تم إجبار 219 منهن على اعتناق الإسلام وتم تزويجهن قسراً، كما تعرضت اثنتين منهن للاغتصاب والتعذيب، وثم العثور عليهن وقد تم ربطهن بشجرة وهن عاريات. وسبق لبوكو حرام أن اختطف الفتيات واغتصبهن. في شهر حزيران/يونيو من عام 2014 داهم عناصر بوكو حرام إحدى القرى وقتلوا 30 شخصاً، كما اختطفوا 60 فتاة قاصر. بتاريخ 11 كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، تم إجبار فتاة صغيرة تبلغ من العمر 10 أعوام على ارتداء حزام ناسف وتنفيذ عملية انتحارية. حيث أسفرت العملية الانتحارية التي نفذت شمال مدينة مايدوغوري عن مقتل 20 شخصاً. كما أدى الهجوم على مدينة باكا إلى تدمير المدينة بشكل كامل ومقتل الآلاف من النساء. 
 
25مليون امرأة تعرضن للختان
لا يقتصر الخطر الذي يهدد حياة النساء في نيجيريا على الحرب الأهلية فقط. بل أن عادة الختان المنتشرة في إفريقيا وبعض دول الشرق الأوسط، تمارس بشكل متزايد في نيجيريا، ورغم منع عادة الختان في نيجيريا من قبل الحكومة، إلا أنها تعتبر عادة متوارثة في المناطق الريفية. ويتم ختان الفتيات القاصرات وهن في سن مبكرة، ويتسبب الختان غالباً بموت العديد من النساء وانتشار الأمراض. وتموت العديد من الفتيات بسبب النزيف والأمراض المعدية. وحتى من تنجو منهن، وتصبح أماً فيما بعد، فإنهن تواجهن العديد من المصاعب والمعاناة خلال حياتهن. وتعتبر الولادة عذاباً ومعاناة كبيرة للنساء، مما يؤدي إلى موت العديد منهن أثناء الولادة. وبلغت نسبة الفتيات اللواتي تم ختانهن في نيجيريا إلى 98 بالمائة، وتوجد في نيجيريا 25 مليون امرأة تم ختانها، فيما تواجه عدد مماثل من الفتيات القاصرات خطر الختان. في نيجيريا تتعرض النساء من مختلف الانتماءات الدينية للختان، وبحسب الأبحاث فإن 55 بالمائة من الفتيات المسيحيات تم ختانهن، بينما تم ختان 2 بالمائة من الفتيات المسلمات. ويتم ختان بعض الفتيات وهن في عمر الثمانية أيام عادة. الدول الأوروبية بدورها تغض النظر عن ظاهرة الختان المنتشرة في أفريقيا وذلك تماشياً مع مصالحها في المنطقة الرامية إلى الاستفادة من الثروات الباطنية والسطحية لهذه البلاد. بعد أعوام الستينيات باتت الدول الأوروبية على علم بعادة ختان الفتيات القاصرات في أفريقيا. ومنذ عام الألفين يتم البحث في قضية ختان الفتيات ووضع الفتيات في دولة نيجيريا التي كانت سابقاً مستعمرة فرنسية.
 
تزويج القاصرات قسراً مقابل المال
من القضايا الأخرى التي تعاني منها النساء في نيجيريا، تزويج الفتيات القاصرات قسراً مقابل المال. حيث يتم تزويج نحو 75 بالمائة من الفتيات القاصرات قسراً، ويتم تزويج الفتيات القاصرات مقابل المال للتخلص من الضائقة المالية. ويعاني ثلث سكان نيجيريا من المجاعة، يضاف إليها مشكلة تعدد الزوجات كإحدى القضايا التي تعاني منها النساء. حيث يتزوج الرجال من أكثر من زوجة، وفي حال الرغبة بالزواج بامرأة خامسة يقدم الرجل على طلاق إحدى النساء.
 
خطر عصابات الدعارة
تتعرض النساء في نيجيريا للاغتصاب بشكل لا يمكن السيطرة عليه والحد منه. فبالإضافة إلى انتشار عصابات المخدرات وغيرها من العصابات، فإن البلاد تعج أيضاً بعصابات الدعارة. وجاء في تقرير لمنظمة العفو الدولية "تتعرض النساء وكذلك الرجال والأطفال للاغتصاب في نيجيريا من قبل جنود الجيش ورجال الشرطة، يتعرضون أيضاً للتعذيب بالضرب وإطلاق النار بشكل ممنهج"، مما يشير بشكل واضح إلى عمليات الاغتصاب التي تتعرض لها النساء في نيجيريا. إضافة إلى عصابات الاغتصاب تنتشر في نيجيريا أيضاً عصابات الدعارة المنظمة. آلاف النساء اللواتي تسعين للهجرة للخلاص من الأوضاع المعيشية في البلاد، تقعن في مصيدة عصابات الدعارة، ويتم سوق ونقل الآلاف من النساء من قبل عصابات الدعارة المنظمة من نيجيريا إلى إيطاليا بهدف العمل في الدعارة. آلاف النساء اللواتي تصلن إلى إيطاليا يتم إرسالهم إلى مختلف البلدان الأوروبية مثل هولاندا، ألمانيا والنرويج. وتشير الإحصائيات إلى أن حوالي 10 آلاف امرأة نيجيرية تم بيعهن في إيطاليا من قبل عصابات الدعارة.
 
شيماماندا أديشي تسعى لأن تكون صوت الفتيات النيجيريات
تتعالى في نيجيريا أصوات تبث الأمل، فيما يتعلق بمناهضة ومواجهة حياة النساء التي تحولت في نيجيريا إلى جحيم ومعاناة متواصلة من قبل الرجال والذهنية الذكورية. واحدة من هؤلاء النساء اللواتي تبعثن على الأمل شيماماندا نغوزي أديشي. ولدت شيماماندا عام 1977 في نيجيريا، قضت طفولتها في البلاد. الأحداث التي شهدتها في طفولتها، ومعايشتها لحياة النساء النيجيريات دفعتها لتبني قضايا النسوية. وقبل أن تتعرف على معنى كلمة النسوية، كانت تتبنى أفكاراً تتعلق بحرية المرأة، وكانت تدرس ذهنية الرجل وربطت حياتها بحرية المرأة. انتقلت إلى الولايات المتحدة الأمريكية من أجل الدراسة حيث درست هناك في قسم العلوم السياسية والإعلام. صدرت لها أول رواية عام 2003 بعنوان زهرة الكركديه الأرجوانية وترجمت إلى 23 لغة عالمية. ونالت شيماماندا عدة جوائز منها جائزة أورانج وبوكر، وكذلك جائز الآداب الأفريقية، وجائزة أفضل رواية تمنحها مجموعة الكتاب الإنكليز التي تمنحها الـ بي بي سي.
 
المرأة الشابة بين استعباد العائلة والذهنية الرجعية
تتحدث شيماماندا آديشي في روايتها عن قصة فتاة ولدت وترعرعت في نيجيريا، بطلة الرواية امرأة شابة تسمى كامبيلي، وتم كتابة الرواية على لسان تلك الفتاة. وتحكي الرواية عن معاناة النساء في نيجيريا، وعن عواطف وأحاسيس فتاة تكبر مع الزمن. وتتحدث عن العلاقات العائلية وتأثيراتها الثقافية على النساء. تسعى شيماماندا إلى تحليل الأوضاع السائدة في نيجيريا من خلال قصة عائلة، وكيف يراد القضاء على المرأة وفنائها. ونظراً لهذا الواقع المكشوف، فإن الحكومة النيجيرية تواصل مساعيها من أجل تعزيز العلاقات العائلية، وذلك بهدف تعزيز السيطرة على شريحة النساء، وعليه يتم تشجيع النساء على الزواج، كما يتم تشويه سمعة النساء اللواتي ترفضن الزواج أو اللواتي تتزوجن في سن متأخرة. وتتعمد الحكومة تنظيم حفلات زواج جماعية بين الفينة والأخرى، وتعزز سلطة العائلة التي تعتبر بمثابة سجن للمرأة. وتواصل الحكومة قطع الوعود للنساء فيما يتعلق بالزواج وتأمين فرص العمل. في رواية شيماماندا أديشي يتم الحديث عن العلاقات العائلية والثقافة الرجعية، وأيضاً عن الحياة التي تتمناها النساء في نيجيريا. كامبيلي بطلة الرواية، تتحدث خلال أحداث الرواية عن الحقائق الوجدانية في البلاد، وكذلك عن القواعد التي فرضها الناس على أنفسهم وعلى محيطهم.
من الميزات الإيجابية التي تتميز بها روايات شيماماندا أديشي أنها تتناول بالمجمل قضايا المرأة، روايتها التي تحمل عنوان نصف شمس صفراء، سلطت الضوء على النساء في النضال الشعبي التحرري. تتحدث الرواية عن نضال بيافرا من أجل تأسيس جمهورية مستقلة عام 1960، وما جلبت معها من تطورات في تاريخ أفريقيا. وبينما كان الأشخاص المحيطين بشيماماندا ينتقدون الفامينية، كانت تعتبر نفسها "نسوية سعيدة"، فمنذ أن كانت طفلة صغيرة أدركت حالة التمييز الجنسي وحملت معها صراعات وتناقضات عميقة، ظهرت لديها الأفكار النسوية في عمر مبكرة. تقول شيماماندا أنها تأثرت كثيراً بالأوضاع التي شهدتها في المدرسة الابتدائية، فرغم أنها حصلت على أغلبية الأصوات في انتخابات رئاسة الصف، إلا أن المعلم قال لها أنها لا تستطيع أن تكون رئيسة الصف، لأن رئيس الصف يجب أن يكون ذكراً، لم يكن يسمح للفتيات بذلك. وتقول في ذلك الحدث "لقد غضبت جداً جراء ذلك التصرف، لأنني كنت فتاة لم أتمكن من أصبح رئيس الصف، بينما هو أصبح رئيساً لأنه كان ذكراً، لن أنسى تلك الحادثة أبداً". 
 
"الناس هم من ابتكروا ثقافة التمييز الجنسي"
شيماماندا أديشي تناهض الزواج القسري للنساء، وترفض فكرة إهانة النساء اللواتي ترفضن الزواج أو تتزوجن في عمر متأخرة، واعتبارهن فاشلات، غير مقبولة، وتعتبرها من أكبر المشاكل التي تتعلق بالجنسوية الاجتماعية، وأن الحل ممكن من خلال تقديم وصفات بديلة من مفهوم "ماذا كنا" وأن يقال بدلاً عنها "ماذا سنكون". تؤمن شيماماندا بإمكانية تغيير مفاهيم الجنسوية الاجتماعية، وتشير إلى أن هذه الذهنية لا تنسجم مع طبيعة البشر، بل تم ابتكارها لاحقاً، وتقول في ذلك "الثقافة لا تبني الإنسان، بل البشر هم من يبتكرون الثقافة. فإذا كانت ثقافتنا لا تعتبر المرأة من البشر، فيجب علينا أن نغير ثقافتنا".