العنف الجنسي في النزاع سلاح المتحاربين ضحيته النساء

في حالات النزاع وما أكثرها يتم استهداف النساء بشكل أكبر من خلال الاعتداءات الجنسية، صحيح أن الرجال وكذلك الأطفال الذكور يتعرضون للعنف الجنسي في مناطق النزاع إلا أن النساء هنَّ الشريحة الأكبر المعرضة لهذه الممارسة، التي تزيد بشكل كبير رغم حملات التوعية وجهود منظمة الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية التي تنص على عقوبات شديدة لردع مرتكبيها

سناء العلي
مركز الأخبار ـ
اليوم الدولي للقضاء على العنف الجنسي في حالات النزاع والذي تم إقراره منذ سنوات قليلة (في حزيران/يونيو عام 2015)، بهدف التوعية بالحاجة الملحة لوضع حد لهذه الممارسة وتكريم ضحاياها في جميع أنحاء العالم وأولئك الذين كرسوا حياتهم للدفاع عن هذه القضية، لم يستطع الحؤول دون وقوع حالات كثيرة في كلاً من سوريا وليبيا والصومال وإقليم تيغراي في إثيوبيا وغيرها. 
من الجدير بالذكر أنه في الفعاليات التي تقام كل عام يشارك كل من مكتب الممثل الخاص للأمين العام المعني بالعنف الجنسي في حالات النزاع، ومكتب الممثل الخاص للأمين العام للأطفال والصراعات المسلحة، ويتم فيها تقييم عمل منظومة الأمم المتحدة ككل تجاه هذه القضية، والتأكيد على ضرورة مكافحة هذا الشكل من العنف والذي يؤثر على النساء بشكل أساسي. 
 
لماذا تستهدف النساء جنسياً؟
تختلف الأسباب التي تؤدي لاندلاع الحروب لكنها تجتمع جميعاً على فكرة أن النساء مستباحات، ويمكن استغلال ذلك لإخضاع العدو ولرغبات شخصية للعناصر المقاتلة. إذاً فالسؤال كيف يؤثر الفكر وليس الغريزة على اغتصاب النساء في الصراعات؟
لا يجوز تفسير الاعتداء على النساء في الحروب من منظور أنه غريزة بشرية فقط، فحتى الحروب وعلى بشاعتها يجب أن تكون خاضعة لقوانين "قوانين الحرب"، ومن ضمنها احترام النساء، وعدم المساس بهنَّ مهما كان العداء بين المتحاربين.  
المؤرخة والناشطة الأمريكية سوزان براون ميلر (1935) صاحبة الكتاب الشهير "ضد إرادتنا: الرجال والنساء، والاغتصاب" الصادر عام 1975، هي أول مؤرخة أجرت دراسات عامة عن الاغتصاب خلال الحرب، وقالت إن هذه الممارسة تنم عن حقد وازدراء تجاه النساء، وقالت أيضاً أن الرجال يجدون أن الحرب هي أفضل وقت ليعبروا عن هذا الاحتقار. 
لا يمكن إهمال نقطة مهمة وهي أن سهولة الإفلات من العقاب وعدم القدرة على ملاحقة الجناة تشجع على ازدياد حالات الاغتصاب، كما أن ثقافة النهب والسلب تصل للاعتقاد بأن النساء من بين الأشياء التي يمكن استغلالها أيضاً.
الأطفال أيضاً يتعرضون للاغتصاب والاعتداءات الجنسية، وبنسبة أقل الرجال، لكن المرأة هي المستهدف الأول والأهم بالنسبة لهم؛ لأن النظرة إلى المرأة لطالما ارتبطت بالجسد، واعتبارها أداة للمتعة هذه النظرة تعززها معتقدات المجتمع الأبوي والدين إضافة للرأسمالية العالمية، لتكون المرأة نقطة ضعف للخصم في الحروب، فتُغتصب النساء لإذلال هذه الشعوب. وفي حروب كالبوسنة وكمبوديا وأوغندا وفيتنام استخدم الاغتصاب للتطهير العرقي.  
 
التطهير العرقي... اغتصاب ممنهج
التطهير العرقي أحد أسباب اغتصاب النساء ففي حرب البوسنة، الرجال ومن مختلف الجماعات العرقية اغتصبوا النساء، وكذلك جيش صرب البوسنة والجيش الصربي قاموا بعمليات اغتصاب جماعية كنوع من الإرهاب، ويقدر عدد النساء اللواتي تم اغتصابهنَّ خلال هذه الحرب التي استمرت ما بين عامي (1992ـ 1995) نحو 12 ألف إلى 50 ألف امرأة. 
في الحرب العالمية الثانية تم توثيق حالات اغتصاب على نطاق واسع وهو ما كشفت عنه مذكرات الصحفية الألمانية مارتا هيلرز، والمعنون بـ "امرأة في برلين"، ويتحدث هذا الكتاب عن الاغتصاب الذي مارسته قوات الجيش الروسي بحق النساء الألمانيات عند سيطرتها على العاصمة الألمانية من نيسان/أبريل، وحتى حزيران/يونيو 1945.
في آب/أغسطس عام 2017 وعند هجوم الجيش البورمي في ميانمار على ولاية راخين التي يعيش فيها مسلمي الروهينغا تعرضت النساء للاغتصاب، وبحسب شهادات العديد ممن فررنَّ إلى بنغلادش فإن الجنود اغتصبوا النساء بشكل جماعي وحتى الكبيرات من السن تعرضنَّ للاغتصاب. وهو ما أكدته منظمة هيومن رايتش ووتش المعنية بمراقبة حقوق الإنسان في أحد تقاريرها الذي صدر عام 2017 وقالت فيه إن "قوات الأمن البورمية ارتكبت عمليات اغتصاب واسعة النطاق ضد النساء والفتيات كجزء من حملة تطهير عرقي ضد مسلمي الروهينغا في ولاية راخين". 
ووثق التقرير الذي حمل عنوان "جسدي كله يؤلمني: العنف الجنسي ضد نساء وفتيات الروهينغا في بورما"، عمليات الاغتصاب الجماعي، إضافة للقسوة والإهانة التي تعرضت لها النساء ومعاناتهنَّ من الألم؛ جراء تمزق وتورم أعضائهنَّ التناسلية خلال رحلة فرارهنَّ إلى بنغلادش.
في تركيا، عاشت النساء الحرب المستمرة منذ ما يقارب أربعين عاماً وعانينَّ ويلاتها بأجسادهنَّ. تشن تركيا حرباً كبيرة منذ أربعين عاماً ضد الكُرد، ومع فرض حالة حظر التجوال في المدن الكُردية التي استمرت لسنوات، أدت هذه العملية التي بدأت في عام 2015 إلى انتهاكات كبيرة بحق النساء، لكن وبسبب طبيعة المجتمع المحافظ مورست ضغوط على النساء لإخفاء ما تعرضنَّ له من اغتصاب ممنهج مما أدى إلى أن بعضهنَّ اخترنَّ إنهاء حياتهنَّ.
كان أول تعذيب جنسي منهجي ضد النساء الكُرد في تركيا تصدر الرأي العام عام 1993 ضد شكران أسن. لكن الدعاوى التي رفعت ضد الجنود باءت بالفشل وتمت تبرئة المتهمين، وقيل إنها فقدت عذريتها نتيجة "الخوف". 
 
العنف الجنسي وداعش
تنظيم داعش الذي سيطر على مساحات واسعة من سوريا والعراق منذ عام 2014 وحتى دحره عام 2019 من آخر معاقله في بلدة الباغوز بدير الزور شمال وشرق سوريا، عمل على ممارسة العنف الجنسي ضد النساء واستعبادهنَّ جنسياً وكانت الإيزيديات أبرز ضحاياه.  
استخدم مرتزقة داعش النساء كأدوات لإرضاء رغباتهم، وباعوا النساء للاستخدام الجنسي في الأسواق التي أطلق عليها "أسواق النخاسة"، ويباع فيها البشر.  
مأساة الإيزيديات عندما تم اختطافهنَّ من قضاء شنكال في آب/أغسطس عام 2014 من قبل مرتزقة داعش، تعد مفصلاً في تاريخ العنف الجنسي في مناطق النزاع فالإيزيديات كسرن التابو المتعلق بهذه الجريمة وتحدثنَّ عن تجربتهنَّ المريرة ومنهنَّ نادية مراد التي مُنحت جائزة نوبل للسلام، والتي حملت القضية إلى المحافل الدولية.
 
العنف الجنسي لا يزال مستمراً
ترتبط فكرة الحرب بفكرة استباحة أجساد النساء وتتحول هذه الممارسة لهدف من أهداف الحرب كأحد أشكال الحرب النفسية لهزيمة العدو وكسره معنوياً، لذلك لا يمكن القضاء عليه إلا بتحقيق المساواة بين الجنسين. 
الاغتصاب أو "العنف الجنسي في الحروب" غالباً ما يكون عمل ممنهج وشامل يكون بتشجيع من القادة. يشمل أيضاً استخدام الأدوات الحادة أو الصلبة ولقد طالت الاعتداءات الجنسية الرجال أيضاً وكذلك الأطفال ومنها ما تعرض له العراقيون في سجن أبو غريب خلال احتلال القوات الأمريكية للبلاد عام 2003. وكذلك ما تعرض وتتعرض له السجينات والسجناء السياسيين في العديد من البلدان. 
لم يكن الضوء مسلط على هذه الجريمة قديماً، فالنساء ولأنه يعد وصمة عار يفضلنَّ التزام الصمت، ليست النساء فقط بل إن الرجال والأطفال كذلك يفضلون الصمت وعدم البوح لإن الجنس مرتبط بمفهوم العيب، والمسؤولية عما حدث تتحملها الضحية. 
العنف في المناطق التي تعاني صراعات ليس بجديد فهو قديم قدم هذه الصراعات. تاريخياً وقعت النساء ضحية له، لكن المجتمع المحافظ وإن أرادت المرأة الحديث يمنعها لكي يحافظ على صورته، بينما يعتقد المغتصبون أنهم رحيمون بهنَّ كونهم لم ينهوا حياتهنَّ برصاصة.
في المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا ومرتزقتها في شمال وشرق سوريا تجبر النساء على الزواج من عناصر التنظيمات الإرهابية، كما أنهم يعتقلون الرافضين لممارساتهم ويتم الاعتداء على النساء في المعتقلات ومن هذه الانتهاكات ما انتشر بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي في أيار/مايو 2020 عن نساء كُرديات وجدنَّ عاريات في معتقلات المرتزقة احتجزتهنَّ ما تسمى بـ "فرقة الحمزات"، ورغم الاستنكار الكبير للحادثة والمطالبة بالمحاسبة إلا أن لا شيء تغير، وما تزال العديد من النساء في معتقلات المرتزقة بحسب عدة تقارير لمنظمة حقوق الإنسان في عفرين. 
 
وباء كورونا وقف عائقاً أمام مساعدة الضحايا
فيروس كورونا الذي انتشر في العالم منذ نهاية 2019 لم تتوقف خطورته على الصحة بل إنه شكل حاجزاً أمام ضحايا العنف الجنسي للإبلاغ عما تعرضنَّ له حيث أن فرض حظر التجوال المستمر والمؤقت أغلق الباب أمام طلب المساعدة. مما حدا بالأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش لإصدار دعوة عالمية لوقف إطلاق النار في مواجهة الجائحة. 
في عام 2020 حمل اليوم العالمي للقضاء على العنف الجنسي في حالات النزاع والذي يصادف 19 حزيران/يونيو شعار "تأثير كوفيد ـ19 على الناجين من العنف الجنسي في حالات النزاع"، للتنبيه إلى التأثير السلبي للفيروس في جهود مكافحة هذه الممارسة، فالوباء أثر بشكل كبير على عمل مكاتب الممثل الخاص للأمين العام بشأن العنف الجنسي في حالات النزاع، والممثل الخاص للأمين العام بشأن الأطفال والنزاع المسلح والأمم المتحدة، كما تقول المنظمة الدولية.
وقالت الأمم المتحدة إن التراجع الموجود بطبيعة الحال في الإبلاغ عن حالات التعرض للعنف شهد تراجعاً أكبر خلال الجائحة، بسبب ازدياد الحواجز الهيكلية والمؤسسية والاجتماعية أمام الضحايا، أي أن الحظر يعطل أعمال الرصد والإبلاغ والتوعية، وكذلك خوف الضحايا من انتقال العدوى أو نقلها إلى أشخاص آخرين.
وأكد تقرير الأمم المتحدة الذي تزامن مع اليوم الدولي على ضرورة محاسبة الجناة وهو ما منعه فيروس كورونا، وحتى في حال تمكن الضحايا من الإبلاغ فإن تقديم الخدمات الطبية والنفسية والاجتماعية والقانونية يواجه صعوبة بالغة، حيث تم إغلاق العديد من الملاجئ المخصصة لضحايا العنف الجنسي، كما تم إلغاء عمل العيادات المتنقلة، وخدمات الاستشارة.
 
على مدى سنوات فشلت محاسبة الجناة
في تركيا وكما ذكرنا آنفاً أثارت قضية "شكران أسن" أول تعذيب جنسي منهجي ضد النساء الكُرد في تركيا الرأي العام ورفعت دعاوى ضد الجنود باءت جميعها بالفشل وتمت تبرئة المتهمين.
مقاضاة المغتصبين في الحروب هو تطور حديث العهد، جاء بعد الحرب العالمية الثانية، فالقوانين نصت على سوء معاملة المدنيين خلال الحرب ولكن الاغتصاب والعنف الجنسي كان خارج أسوار المحاكم، وهو ما أكده ريتشارد غولدستون الذي تسلم مهام قاضي ومدعي عام في محكمة العدل الدولية لجرائم الحرب عام 1980 عندما قال إن "الاغتصاب لم يكن أبداً مصدر قلق للمجتمع الدولي".
محاولات التصدي للجريمة ليست بجديدة فبموجب اتفاقية جنيف "وهي مجموعة من أربع اتفاقيات دولية الأولى كانت في عام 1864 والأخيرة عام 1949"، تمت الإشارة للعنف الجنسي ضمن الانتهاكات الممارسة بحق المدنيين، لكنها لم تنص على العنف الجنسي صراحة، وكذلك الإعلان العالمي بشأن حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ والمنازعات المسلحة والذي دخل حيز التنفيذ عام 1974. 
لكن عام 1998 شكل منعطفاً مهماً بشأن قضايا العنف الجنسي فقد جاء في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا أن "الاغتصاب، والإكراه على الدعارة، وأية صورة من صور خدش الحياء" تشكل جريمة حرب. كذلك نص النظام الأساسي للمحكمة الخاصة لسيراليون التي تشكلت عام 2000. وكذلك في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية ليوغوسلافيا السابقة عام 1993، حيث أطلقت المحكمة الجنائية الخاصة بيوغوسلافيا على هذه الانتهاكات تعبيري "الاغتصاب المنهجي، والاستعباد الجنسي"، وقالت إنها جريمة ضد الإنسانية، وتأتي في المرتبة الثانية بعد الإبادة الجماعية.     
في عام 2008 ناقش مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مسألة العنف الجنسي الذي يستهدف الفتيات والنساء بشكل خاص، وقال إنه يستخدم كتكتيك حرب للإذلال والسيطرة والتخويف والتفريق باعتباره "مكافئة" حرب للجنود على الفوز بالمعارك.