المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا بين الفكر والتمكين وبناء مجتمع عادل
تستمر المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا في لعب دور محوري في تعزيز الوعي الاجتماعي والمساهمة في بناء مجتمع أكثر عدلاً ومساواة، عبر المؤسسات والمبادرات المحلية، تبرز جهودها في التمكين والمشاركة الفاعلة، ما يجعلها عنصراً أساسياً في صياغة المستقبل.
أسماء محمد
قامشلو ـ يؤكد مجلس المرأة السورية استمرار مسيرة النضال، وجنولوجيا تطرح ثورة فكرية لبناء وعي حر، وهيئة المرأة تعزز الحماية والتمكين، ودار المرأة تجسد العمل الميداني في مناهضة العنف، لترسيخ العدالة والمساواة وبناء مجتمع مستدام للمرأة في إقليم شمال وشرق سوريا.
في إطار السعي المتواصل لترسيخ قيم العدالة والمساواة وبناء مجتمع تسوده الحرية والشراكة، سلط مجلس المرأة السورية الضوء على مسيرته النضالية الممتدة منذ تأسيسه عام 2017، مؤكداً دوره كمظلة جامعة توحد النساء من مختلف المكونات السورية في نضال واحد من أجل رفع الوعي وتمكين المرأة على المستويات الفكرية والسياسية والاجتماعية.
وفي سياق متصل، أكدت أكاديمية جنولوجيا أن التغيير الحقيقي يبدأ من الفكر، مشددةً على أهمية ثورة الوعي في تحرير المرأة من القيود الذهنية والموروثات الثقافية التي كرست التبعية، لتكون شريكة فاعلة في بناء مجتمع متوازن يقوم على المساواة والاحترام المتبادل.
ومن جانبها، أوضحت هيئة المرأة أن العمل في مجال الحماية والتمكين يسير بخطى متقدمة عبر منظومة متكاملة من الدعم النفسي والاجتماعي والقانوني، مؤكدة أن العدالة لا تتحقق إلا من خلال محاسبة المعتدي وضمان استقلال المرأة مادياً ومعنوياً، باعتبار الاستقلال ركيزة أساسية في مواجهة العنف وبناء حياة أكثر توازناً.
فيما جسّدت دار المرأة الجانب الميداني لهذا العمل عبر مبادراتها اليومية في دعم المعنفات، وتوفير بيئة آمنة لهن، وتنظيم برامج توعوية وتدريبية تسهم في تعزيز الثقة بالنفس ونشر ثقافة الوعي والحرية والمسؤولية، لتبقى دار المرأة الملاذ الذي يحمي الكرامة ويصون الحقوق.
"مجلس المرأة السورية" مظلة لنساء سوريا
وفي هذا الإطار، نسلط الضوء على مسيرة مجلس المرأة السورية منذ تأسيسه عام 2017، مؤكداً دوره كمظلة جامعة للنساء السوريات من مختلف المكونات، للعمل على رفع الوعي وتمكين المرأة فكرياً وسياسياً واجتماعياً.
وقالت الإدارية في مجلس المرأة السورية في مجال العلاقات الدبلوماسية عريفة بكر، أن مجلس المرأة السورية تأسس ليكون مظلة شاملة تضم الأحزاب السياسية، منظمات المجتمع المدني، والشخصيات المستقلة، ويهدف إلى توحيد الجهود من أجل دعم المرأة وتمكينها في مختلف المجالات.
وأوضحت أن المجلس منذ انطلاقته عمل بشكل متواصل من أجل رفع وعي النساء بحقوقهن وحمايتهن من العنف، وتعزيز مكانتهن في المجتمع السوري، وأن فكرة المجلس جاءت استجابة للحاجة الملحة لوجود كيان جامع يعبر عن صوت المرأة السورية ويدافع عن حقوقها بشكل منظم ومؤثر.
ولفتت إلى إن المجلس عقد أول مؤتمراته في مقاطعة منبج بمشاركة واسعة من النساء والناشطات، حيث تم خلاله مناقشة قضايا مهمة تتعلق بالحقوق القانونية والاجتماعية والسياسية للنساء، وعقد المؤتمر الثاني في مدينة حلب، وتم خلاله تقييم المرحلة السابقة ووضع خطط عمل جديدة لتوسيع نشاط المجلس في مناطق أخرى.
وبينت أن المجلس نظم خلال السنوات الماضية عشرات الندوات والاجتماعات الموسعة على مستوى إقليم شمال وشرق سوريا، وفي باقي المناطق السورية، وكان هدفها نشر الوعي وتبادل الخبرات، وبناء شبكات تواصل بين النساء من مختلف المكونات "عمل المجلس على الأرض يركز بشكل خاص في مناطق مثل قامشلو والحسكة، حيث تم عقد العديد من الاجتماعات والورشات التي جمعت نساء من كرد وعرب وسريان وأرمن، وذلك في إطار سعي المجلس إلى تحقيق مشاركة حقيقية وشاملة للنساء من كل المكونات السورية، وهذا التنوع يعكس وحدة النساء رغم اختلاف الانتماءات، ويعزز فكرة العيش المشترك والمساواة في الحقوق والواجبات".
عمل متكامل
ويقوم المجلس بالعديد من الأعمال فمن خلال برامجه المختلفة يعمل على رفع معنويات المرأة وتعزيز ثقتها بنفسها، إلى جانب توعيتها بحقوقها القانونية والاجتماعية، وتشجيعها على المشاركة في الحياة العامة "المجلس ينظم باستمرار ندوات توعوية تتناول مواضيع مثل العنف القائم على النوع الاجتماعي، خطاب الكراهية، السلم الأهلي، والعيش المشترك، كما يتم تنظيم جلسات دعم نفسي وصحي وسياسي واقتصادي لمساندة النساء اللواتي تعانين من ظروف صعبة بسبب الحرب والأوضاع المعيشية".
وبينت عريفة بكر إن المجلس أطلق حملة توعوية واسعة في قرية تل الذهب التابعة لمدينة قامشلو، واستمرت الحملة نحو سنة ونصف، تضمنت لقاءات دورية ومحاضرات تهدف إلى تمكين النساء فكرياً واقتصادياً "خلال الحملة تم تدريب النساء على المهارات الحياتية، وأساليب مواجهة العنف، وطرق المشاركة في العمل المجتمعي والسياسي، وأظهرت النساء تفاعلاً كبيراً مع هذه البرامج".
ويسعى مجلس المرأة السورية كما تؤكد عريفة بكر إلى ضمان حقوق المرأة من خلال القوانين الوطنية والدولية، وتم إعداد مسودة عقد اجتماعي وطني شاركت فيه نساء من مختلف المناطق السورية، حيث تم جمع مقترحاتهن وآرائهن من أجل إدراج حقوق المرأة بشكل واضح في الدستور السوري القادم، وتم التأكيد على ضرورة اعتماد كوتا نسائية لا تقل عن خمسين بالمئة في مواقع صنع القرار، باعتبار ذلك خطوة أساسية نحو العدالة والمساواة الحقيقية".
قضية المرأة لا تخص النساء في سوريا فقط
ويؤمن مجلس المرأة السورية أن قضية المرأة لا تخص النساء في سوريا فقط، بل هي قضية إنسانية عالمية، وتقول عريفة بكر "إذا تعرضت امرأة في أي مكان في العالم للظلم أو العنف، فنحن نتألم معها، ونتضامن معها بصوت واحد. المجلس يسعى لبناء مجتمع يسوده السلام والتضامن والمحبة، حيث تعيش كل امرأة بحرية وكرامة وأمن، وعلى ذلك يتم العمل بالتعاون مع المنظمات الحقوقية والتعليمية المحلية والدولية لتقديم برامج متكاملة تهدف إلى تمكين المرأة من جميع النواحي النفسية والسياسية والاقتصادية"، مشيرةً إلى إن التنسيق المستمر مع هذه الجهات ساهم في توسيع نطاق عمل المجلس وزيادة تأثيره في المجتمع، وهذه الجهود تسعى إلى تمكين المرأة بالكامل وضمان مشاركتها الفاعلة في بناء المستقبل.
وأوضحت أن المجلس يخطط لإطلاق مشاريع جديدة في المرحلة القادمة تركز على ريادة الأعمال للنساء، التعليم المهني، وتمكين الشابات في المناطق الريفية والبعيدة، مبينةً أن الهدف الأسمى لمجلس المرأة السورية هو بناء مجتمع تسوده العدالة والمساواة والسلام، مجتمع تعيش فيه كل امرأة بحرية وكرامة وتشعر بالأمان والدعم، ويكون صوتها مسموعاً على المستويين المحلي والعالمي "سيبقى المجلس منارة لكل النساء السوريات، يقف إلى جانبهن بكل قوة وعزيمة من أجل تحقيق مستقبل أفضل لكل نساء سوريا والعالم".
واختتمت الإدارية في مجلس المرأة السورية في مجال العلاقات الدبلوماسية عريفة بكر حديثها بالتأكيد على إن المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا أصبحت اليوم قيادية وفاعلة في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية، وقدمت نموذجاً يحتذى به في المشاركة وصنع القرار "المجلس يمتلك آليات عمل واضحة ومنظمة تقوم على التنسيق بين اللجان والمجالس المحلية لضمان تحقيق أهدافه في دعم المرأة وتمكينها من جميع النواحي. مسيرة تمكين المرأة وحمايتها من العنف لن تتوقف، وسنواصل جهودنا في مجلس المرأة السورية في رفع الوعي، ودعم الحقوق، وتعزيز مشاركة النساء في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية".
"أكاديمية جنولوجيا" التغيير الحقيقي يبدأ من الفكر
أما على الصعيد الفكري، فقد ركزت أكاديمية جنولوجيا على أن التغيير الحقيقي يبدأ من الفكر، إذ تعمل على تحرير المرأة من قيود الذهنية الذكورية والموروثات الثقافية، لتصبح شريكة فاعلة في بناء مجتمع متوازن يقوم على المساواة والاحترام المتبادل.
وتعليقاً على هذا الدور قالت عضوة أكاديمية جنولوجيا هلا ردوانيان إن العنف القائم في المجتمعات هو ظاهرة عميقة الجذور لا يمكن محوها بين ليلة وضحاها، بل تحتاج إلى مسار طويل من التغيير الفكري والتربوي المتدرج "العادات والتقاليد البالية، رسخت عبر عقود طويلة نظرة دونية تجاه المرأة، حتى غدت تلك النظرة جزءاً من الموروث الشعبي والثقافي، تقبلته النساء واعتبرنه واقعا طبيعياً، ومع مرور الزمن، تحولت معاناة المرأة إلى حالة من الصبر والخضوع، دون إدراك بأنها شكل من أشكال العنف الممنهج".
وأوضحت إن جنولوجيا علم قائم بحد ذاته قدمه القائد عبد الله أوجلان انطلاقاً من فلسفة الحرية، يسعى إلى خلق دور جديد للمرأة في المجتمع قائم على الوعي والمساواة والإدراك الحقيقي للحرية "الهدف الرئيسي للجنولوجيا هو تغيير الفكر السائد لدى النساء، وتحريرهن من القيود الفكرية والثقافية والاجتماعية، ليصبحن قادرات على اتخاذ القرارات بأنفسهن، والعيش بكرامة ومساواة كاملة مع الرجل. هذا التغيير لا يتحقق بسرعة، بل يحتاج الى وقت وجهد مستمرين، وإلى وعي ثوري واعٍ يقوم على فكر مدروس ومنهجية تربوية متوازنة، تساهم في تحرير المرأة فكرياً وروحياً وعقلياً، وتفتح أمامها أفق التفكير الواعي والمنفتح".
رحلة التحرر تبدأ من المنزل
وترى هلا ردوانيان أن أساس التغيير يبدأ من داخل الأسرة "المرأة لا يمكن أن تتحرر من العادات والتقاليد الموروثة إلا إذا بدأت رحلتها من بيتها، ومن هناك تنتقل الفكرة إلى المجتمع الأوسع، لتكسر القيود الفكرية وتعيد بناء القيم على أساس العدالة والمساواة، فالمرأة هي صانعة الأجيال، وهي التي تزرع في أبنائها مفاهيم الحرية والكرامة والإرادة، لذلك تعتبر جنولوجيا أن الخطوة الأولى لبناء مجتمع حر تبدأ ببناء فكر المرأة الواعي والمتزن، وتسعى من خلال التدريب الفكري والممارسات اليومية إلى خلق عقلية حرة ومستقلة، قادرة على مواجهة الفكر الرجعي والانطلاق نحو مجتمع متوازن حقيقي".
ورغم الصعوبات أشارت هلا ردوانيان إلى إن العمل مستمر من خلال الأكاديميات والدورات الفكرية والتدريبات التي تنفذها أكاديمية جنولوجيا في مختلف المؤسسات التعليمية والثقافية "يتم نقل الفكر الحر الذي يستند إلى كتابات القائد أوجلان ومفهوم الحياة التشاركية. فالتعاون مع المجتمع المحلي والمؤسسات التربوية ساهم في نشر هذا الفكر وتطبيقه في الحياة اليومية، وبدأت تظهر نتائجه من خلال وعي النساء وتطور نظرتهن وأنفسهن ودورهن في المجتمع، والذي يركز بالأساس على تغيير نمط التفكير القديم القائم على التبعية والخضوع، وتحويله إلى وعي فاعل ومثمر".
وبينت أن تدريبات جنولوجيا تتركز على عدة محاور أبرزها مفهوم الحياة التشاركية، ونشر الفكر بين الرجل والمرأة، وتكريس قيم الاحترام المتبادل داخل الأسرة "هذا التوازن الفكري يسهم في بناء بيئة صحية قادرة على التمييز بين الحرية والفوضى، وبين الحقوق والواجبات، بحيث لا يطغى طرف على آخر، بل يسود وعي متكامل قوامه الشراكة والمساواة. التركيز على الفكر والوعي لدى المرأة هو حجر الأساس لتغيير المجتمع بأسره، فكل ما تقدمه المرأة من معرفة ووعي سينعكس على أبنائها وعلى محيطها الاجتماعي، وبالتالي على المجتمع ككل".
أسلوب حياة يترجم على أرض الواقع
وأشارت إلى إن الأفكار التي تقدمها جنولوجيا ليست مجرد شعارات بل "أسلوب حياة يترجم على أرض الواقع فهي تدعو إلى أن تتحول المفاهيم الفكرية إلى ممارسة يومية، كما يعتمد الإنسان على الكتب المقدسة في توجيه حياته، كذلك تعتمد المجتمعات الحرة على فكرها الواعي لتبني مستقبلاً أكثر عدلاً وتشاركية، لذلك تسعى النساء اللواتي تلقين تدريبات فكرية إلى تطبيقها في حياتهن الأسرية والعملية، مما انعكس على علاقاتهن داخل البيت وفي المؤسسات التي تعملن بها، لتصبح هذه الافكار جزءاً لا يتجزأ من سلوكهن وعاداتهن اليومية، ولينعكس ذلك على محيطهن الاجتماعي بشكل واسع".
ورغم الخوف الذي لا يزال يرافق بعض النساء من كسر القيود الاجتماعية فإن التجارب، كما تؤكد هلا ردوانيان أثبتت أن الوعي قادر على تبديد الخوف، ومع كل تدريب، ومع كل لقاء فكري، تنشأ لدى المرأة قوة جديدة تدفعها لتكون صاحبة قرارها وصوتها الحر. فقد بدأت نتائج هذه الجهود تظهر في المجتمع من خلال نساء أصبحن أكثر وعياً بثقافة المساواة، وإدراكاً لحقوقهن وواجباتهن، وفهماً أعمق لمعنى الحرية. الهدف الأساسي هو تمكين النساء من امتلاك فكر مستقل، ومواجهة كل أشكال العنف الاجتماعي والنفسي والاقتصادي، والانطلاق نحو حياة حرة ومسؤولة".
وأكدت هلا ردوانيان أن المرأة الواعية اليوم، بفضل فكر جنولوجيا، لم تعد ترى نفسها ضحية، بل أصبحت شريكة فاعلة في بناء مجتمعها، تقف جنباً إلى جانب الرجل، لا في صراعٍ معه، بل في تكامل وتعاون لتحقيق العدالة الاجتماعية، فهي الأم والمربية والمعلمة والطبيبة والمناضلة، وهي التي تبني الأجيال وتغرس فيهم روح المساواة والكرامة الإنسانية "نسعى من خلال كل تدريب وكل ممارسة يومية إلى ترسيخ هذا الفكر المستقل، وإعادة صياغة وعي المجتمع بالكامل".
التوازن الفكري بين المرأة والرجل
كما شددت على إن التوازن الفكري بين المرأة والرجل هو أساس نجاح أي مجتمع، فلا يمكن أن يكون الوعي أحادياً أو منحازاً لطرف دون آخر، لأن العدالة الحقيقية تقوم على المساواة في الحقوق والواجبات، وعلى الشراكة في بناء الحياة، وكلما كانت التدريبات الفكرية مبنيةً على قواعد متينة وأسس صحيحة، كلما أفرزت جيلاً واعياً وقوياً وواثقاً من ذاته، قادراً على الحوار والإقناع، ومؤمناً بأن الحرية مسؤولية وفكر قبل أن تكون شكلاً مادياً".
وفي ختام حديثها وجهت عضوة أكاديمية جنولوجيا هلا ردوانيان رسالة للمرأة قالت فيها "كوني قوية بفكرك قبل جسدك، كوني حرة بوعيك قبل مظهرك، لا تكوني ضحية، بل صانعة للحياة. أنتِ الأم وانتِ القائدة وانتِ التي تبنين الأجيال الحرة، فكلما كانت إرادتك حرة، كان مجتمعك حراً، وكلما كان فكرك نيراً، ازدهرت الحياة من حولك. فالجنولوجيا تسعى جاهدة لأن يكون لدى كل امرأة وعي حقيقي ومشاركة فاعلة في بناء مجتمع متوازن، يدمج بين الحرية والمسؤولية، بين الحقوق والواجبات، بين المرأة والرجل على حد سواء".
"هيئة المرأة" حماية المرأة والحفاظ على التماسك المجتمعي
وإلى جانب ذلك، تؤكد هيئة المرأة أن العمل في مجال الحماية والتمكين يسير بخطى متقدمة، عبر منظومة متكاملة من الدعم النفسي والاجتماعي والقانوني، لضمان استقلال المرأة وتمكينها من مواجهة العنف وتحقيق العدالة، وقالت النائبة في هيئة المرأة نرجس يوسف إن عمل الهيئة في حماية المعنفات يقوم على تنسيق مشترك بين عدة جهات نسائية ومجتمعية، تبدأ من لحظة وصول الحالة إلى اسايش المرأة "يتم استقبال المعنفة من قبل قوى الأمن الداخلي الخاصة بالمرأة، ثم تحويلها إلى لجنة مشتركة تضم هيئة المرأة، دار المرأة، منظمة مكافحة العنف ضد المرأة ومؤتمر ستار ولجنة الصلح، وتدرس اللجنة الحالة من جميع جوانبها، وتعمل على إيجاد حلول مناسبة وفق القوانين السارية في مناطق الإدارة الذاتية، والهدف الأساسي هو معالجة المشكلة بطريقة تراعي مصلحة المرأة وتحافظ على التماسك الاجتماعي".
وبينت أن بعض الحالات يتم تحويلها إلى مراكز الإيواء المؤقتة التابعة لهيئة المرأة في مدينتي قامشلو والحسكة في إقليم شمال وشرق سوريا، حيث تبقى المرأة لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، تتلقى خلالها دعماً نفسياً واجتماعياً وتأهيلاً يعينها على استعادة الثقة بنفسها، موضحةً أنه "في حال وجود تهديد مباشر لحياتها، يتم نقلها إلى المراكز الدائمة التي توفر لها حماية كاملة ورعاية شاملة إلى حين تجاوزها الأزمة، وعمل المراكز الدائمة لا يقتصر على الحماية فقط، بل تهتم أيضاً بتأهيل النساء مهنياً وفكرياً، من خلال دورات الخياطة وتعليم اللغتين الكردية والعربية، بهدف تحقيق استقلال اقتصادي يساعدهن على البدء بحياة جديدة قائمة على الاعتماد على الذات والثقة بالنفس".
نشر الوعي والتثقيف المجتمعي
كما أوضحت نرجس يوسف الدور الكبير الذي تقوم به الهيئة في نشر الوعي والتثقيف المجتمعي "من خلال تنظيم محاضرات وندوات في المدارس والمجالس والكومينات، يشارك فيها نساء ورجال، نعمل على خلق وعي مشترك يسهم في كسر الذهنية الذكورية المتجذرة وبناء مجتمع يسوده التوازن والمساواة".
وأشارت إلى أن القوانين المعمول بها اليوم مرت بمراحل تطوير متتالية بما يتناسب مع كل مرحلة من مراحل الثورة، حيث تم إقرار قوانين مثل منع تعدد الزوجات ومنع زواج القاصرات، وهو ما ساعد في الحد من الممارسات التي كانت تضر بالمرأة وتؤثر على بنية المجتمع "تعمل هيئة المرأة على اقتراح قانون جديد لمكافحة الابتزاز والتحرش الجنسي، يتضمن عقوبات مالية وجنائية رادعة لكل من يمارس هذه الانتهاكات، فالعدالة لا تتحقق إلا بمحاسبة المعتدي، أياً كان موقعه".
والدعم النفسي والاجتماعي الذي يقدمه مركز الشهيدة أمارة يعد من أهم الخطوات لإعادة توازن المرأة التي مرت بتجارب عنف، حيث يتم تأهيلها لتستعيد قدرتها على الاندماج بالمجتمع وتبدأ صفحة جديدة أكثر استقراراً وثقة "تعمل هيئة المرأة على توسيع مشاريع التمكين الاقتصادي لتشمل أكبر عدد ممكن من النساء، لأن الاستقلال المادي هو الأساس في التحرر من التبعية والعنف، ومشاركة المرأة في مواقع صنع القرار داخل مؤسسات الإدارة الذاتية ارتفعت إلى خمسين في المئة، وهو ما يعكس التقدم في تحقيق المساواة الفعلية"، مبينةً أن التحديات ما زالت قائمة، وأبرزها الذهنية المجتمعية والعادات السائدة التي تدفع بعض النساء إلى الصمت وتحمل العنف بدلاً من طلب المساعدة، إضافة إلى محدودية الإمكانات المادية للمراكز التي تحتاج الى دعم مستمر لتطوير خدماتها.
واختتمت النائبة في هيئة المرأة نرجس محمود يوسف حديثها، بدعوة جميع النساء في الشرق الأوسط والعالم للدفاع عن أنفسهن بكل الوسائل الممكنة، من خلال تقوية شخصيتهن ودعم استقلاليتهن النفسية والاقتصادية "تمكين المرأة هو الطريق الأساسي للتخلص من جميع أشكال العنف النفسي والجسدي والمجتمعي، وبناء حياة متوازنة وعادلة للجميع".
"دار المرأة" العمل في الميدان
من جهة أخرى، تجسد دار المرأة الجانب الميداني لهذه الجهود، من خلال مبادرات يومية لدعم المعنفات وتوفير بيئة آمنة لهن، وتنظيم برامج تدريبية وتوعوية لتعزيز الثقة بالنفس ونشر ثقافة الوعي والمسؤولية، وعن هذه الجهود قالت الإدارية في دار المرأة بمدينة قامشلو جيهان إسماعيل أن عمل الدار يتركز بشكل أساسي على حل قضايا النساء ومتابعة أوضاعهن اليومية "النساء في مجتمعنا ما زلن تعانين من صعوبات كبيرة، سواء داخل البيت أو خارجه، فالعنف ضد المرأة ما زال يشكل تحدياً حقيقياً أمام تحقيق المساواة والحرية".
ودار المرأة كما تؤكد تعمل خلال هذا الشهر بشكل مكثف كونه يصادف اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، وفق برامج ميدانية وتدريبية تهدف للتوعية والدعم النفسي والاجتماعي "العديد من النساء اللواتي تزرن الدار لا تتحدثن في البداية عن معاناتهن، لكن مع مرور الوقت وبناء الثقة يتمكن من البوح بما تتعرضن له من عنف، وبعض الحالات يتم اكتشافها من خلال أقارب أو جيران يبلغون الدار عن وجود امرأة معنفة، فتقوم الفرق المختصة بزيارتها والتحدث معها بشكل مباشر، هدفنا هو تأمين الحماية وبناء الثقة مع المرأة حتى تستطيع التعبير عن نفسها بحرية".
الدور التقليدي يؤسس للعنف
وبينت جيهان إسماعيل إن النظرة التقليدية التي تحصر دور المرأة داخل البيت، وتعتبر إن واجبها يقتصر على تربية الأولاد وخدمة الزوج، تعتبر بحد ذاتها شكلاً من أشكال العنف "العنف لا يقتصر على الضرب فقط، بل يشمل العنف النفسي واللفظي والاقتصادي أيضاً، والكثير من الرجال يحاولون كسر معنويات المرأة عندما يشعرون أن لديها وعياً وثقافة أكثر منهم".
دار المرأة تعمل على رفع وعي النساء وتقوية شخصيتهن من خلال أساليب متعددة، مثل الاجتماعات والزيارات واللقاءات المباشرة، حيث يتم طرح مواضيع توعوية متنوعة مثل "اسباب العنف ضد المرأة ولماذا يحتفل العالم بهذه اليوم"، فالكثير من النساء لا تعرفن معنى أو خلفية هذه المناسبة، ولكن بعد المشاركة في الجلسات والتدريبات تتغير نظرتهن وتزداد ثقتهن بأنفسهن".
وتنظم دار المرأة تدريبات مستمرة في مختلف المجالات مثل الأخلاق، والوطنية، والخطابة، وأسلوب التواصل داخل الأسرة والمجتمع "هذه البرامج تساعد المرأة على فهم نفسها ودورها الحقيقي في بناء المجتمع، وبعض النساء كن في البداية مترددات في المشاركة، ولكن بعد حضور الدورات أصبحن أكثر قوة وإصراراً على الاستمرار، حتى أن بعضهن بدأن بتشجيع جاراتهن وصديقاتهن للانضمام إلى الدورات".
وفيما يتعلق بآليات التدخل، أشارت جيهان إسماعيل إلى أن الحالات التي ترد إلى الدار يتم تصنيفها حسب خطورتها، ففي الحالات البسيطة يتم التدخل عن طريق جلسات توعية داخل العائلة، أما الحالات المتوسطة فتتابع بزيارات منزلية وجلسات وساطة، بينما الحالات الخطيرة أو التي تشكل تهديداً للحياة يتم تحويلها مباشرة إلى الجهات المعنية لضمان سلامة المرأة.
وفي الحالات الحرجة، مثل تعرض المرأة لعنف شديد أو وجود زوج يتعاطى المخدرات ويهدد حياة الأسرة، يتم التنسيق فوراً مع الأسايش والجهات المختصة، ويتم نقل المرأة وتأمينها بشكل آمن وتسليمها لتلك الجهات لضمان حمايتها القانونية والاجتماعية، "هذا الإجراء يهدف إلى منع تفاقم المشكلة أو تحولها إلى جريمة أكبر، والحفاظ على استقرار المجتمع والحي الذي تعيش فيه المرأة".
وفي ختام حديثها وجهت جيهان إسماعيل رسالة إلى جميع النساء، وخاصة نساء الشرق الأوسط، داعيةً إياهن إلى أن يكن موضع ثقة ومسؤولية "وصلنا إلى مرحلة منحنا فيها القائد عبد الله أوجلان الحرية، لكن الحرية الحقيقية هي حرية الفكر والعقل. علينا أن نحرر فكرنا قبل إن نخطو خطواتنا التالية. لا يجب إن تبقى المرأة حبيسة البيت بل عليها أن تكون فاعلة في المجتمع، وإن تثبت أنها جديرة بالثقة التي منحت لها. الحرية ليست فوضى، بل وعي ومسؤولية. وناشدت جميع النساء اللواتي يتعرضن للعنف أن تزرن دار المرأة ويشرحن أوضاعهن، فالدار موجودة لحل المشاكل بسرية تامة. هدفنا حماية المرأة وصون كرامتها. لنكن جميعاً سنداً لبناتنا ونسائنا، وقوة لحركتنا التي منحتنا الثقة والحرية".
فالجهود المتكاملة، الفكرية والتنظيمية والميدانية، تؤكد أن مسيرة النضال النسوي ليست مجرد مطالب آنية، بل هي عملية تاريخية مستمرة تهدف إلى بناء مجتمع ينهض على أسس المساواة والكرامة الإنسانية. ومن خلال توحيد الطاقات وتكامل الأدوار، تترسخ قناعة بأن مستقبل سوريا الحر والديمقراطي لن يتحقق إلا بمشاركة المرأة الفاعلة، باعتبارها شريكة أصيلة في صياغة الوعي وصناعة التغيير.