تجربة نزوح مليئة بالتحديات تتحول إلى فرصة للتمكين الاقتصادي
اضطرت شيخة أحمد، كآلاف النساء، إلى مغادرة قريتها التي ترعرعت فيها، إثر الهجمات التي شنها الاحتلال التركي، وفي خضم رحلة النزوح القاسية، قررت تحدي الظروف الصعبة من خلال العمل في صناعة التنانير الطينية وخلايا النحل.

سوركل شيخو
زركان ـ عندما تندلع الحروب أو الكوارث، تكون النساء في قلب المعاناة، ويتحول النزوح بالنسبة لهن إلى تجربة وجودية مليئة بالتحديات الجسدية والنفسية والاجتماعية، ففي سوريا، أجبرت الهجمات والاحتلال التي شنتها الدولة التركية على بعض المناطق الكثير من النساء على مغادرة قراهن ومنازلهن خوفاً من الاستهداف المباشر أو العنف الجنسي في مناطق التوتر.
تخلق الهجرة أو النزوح عبئاً كبيراً على النساء حيث تواجهن التحديات والمشاق، فاللاجئون ليسوا فقط من يعيشون في المخيمات، حيث أن شيخة أحمد، من قرية تل الورد التابعة لمدينة زركان بإقليم شمال وشرق سوريا، دُمّرَ منزلها الواقع على خط النار بسبب هجمات الاحتلال التركي ومرتزقته، وكعشرات الآلاف من النازحين تنتظر تحرير أرضها وقريتها وتحقيق الحرية والسلام والعدالة.
تعيش شيخة أحمد حالياً مع عائلتها في مشروع زراعي قرب قرية عرب خان شرق مدينة زركان، تعد الدقائق لخروج المحتل من أرضهم ويعودوا سالمين إلى ديارهم.
"تعلمت من والدتي وحوّلت ما تعلمته إلى شيء ملموس"
وخلال جولتنا في قرى مدينة زركان، لفتت أنظارنا تنانير الخبز وخلايا النحل التي تصنعها شيخة أحمد، حيث قالت إنها تعلمت فن صناعة تنور الخبز من والدتها، وإنها أصبحت مهنة مهمة لنساء القرى "علمتني والدتي، ولكن بسبب مرضها، توليتُ صنع التنانير نيابة عنها، وهذه أول سنة أصنع فيها التنانير، ففي السابق كنا نصنعها لأنفسنا فقط، أما الآن فنقوم ببيعها على الجيران، فبعد النزوح أصبحنا بحاجة لدخل يساعدنا على توفير احتياجاتنا اليومية".
صنع خلايا النحل تجربة أولية
إلى جانب صناعة التنانير، بدأت شيخة أحمد بصنع خلايا النحل "في السابق كنا نربي النحل في منزلنا، وعندما لم يكن لدينا خشب، كانت والدتي تصنع خلايا النحل التقليدية من الطين"، لافتةً إلى أنه "قبل أيام قليلة، طُلب منا صنع خلايا للنحل، الأمر الذي شجعنا على صنعها إلى جانب صناعة التنانير".
وأوضحت أنه "هذا العام بدأ الناس بتربية النحل، لذلك ازداد الطلب على الخلايا التي يتطلب صنعها الكثير من العمل والجهد، ويتطلب عناية أكبر لضمان تناسقها، فهذه تجربة أولية، وهي جيدة، لكن المرة القادمة ستكون أفضل، بالطبع، سنستمر في صنعها حسب الطلب".
كانت خطة صنع التنانير بديلاً لتراجع الزراعة
وبينت شيخة أحمد سبب توجهها إلى صنع التنانير "الزراعة بشكل عام ذات إنتاج قليل هذا العام، مما دفعني إلى البدء بصنع التنانير لأنني ووالدتي نعيش بمفردنا وهذا يُساعدنا في تدبر معيشتنا"، مضيفةً "لكي نعيش علينا أن نعمل بجد ونجد بدائل، لهذا السبب أصنع تنوراً كل ثلاثة أيام، ما دام الناس والأمهات بحاجة إلى تنانير، فسأستمر في ذلك".
تكتمل فرحتها بتجمع النساء حول التنور بضحكاتهن
وعبرت شيخة أحمد عن فرحتها بإتمام صناعة التنور "تكتمل فرحتي بصنع التنور عندما تشتريه إحدى الأمهات، وعندما تعجن العجين ويذهبن إلى التنور معاً ويخبزن خبزهن وسط الضحكات والمزاح"، قائلةً "أصنع التنور، وأم أخرى تصنع الخبز، وتتجمع حولها نساء الحي، هذا شعور مختلف بالنسبة ليّ، ولحظات ثمينة".
وقالت شيخة أحمد إن مطلبهم الرئيسي خروج الاحتلال التركي من أرضهم "إذا رحل عن أرضنا سيتحقق الأمن والاستقرار، وسننام دون خوف من المستقبل، ولن نقول هل سنرى الغد، أو هل سنفقد أحداً من عائلتنا في انفجار أو قصف"، مؤكدةً أنه "ليس لنا عدو سوى الاحتلال التركي، وسواه لا أعداء لنا، في الماضي، أينما ذهبنا لم يكن أحد يسألنا عن هويتنا سواء كنا كرداً أم عرباً، لم تكن حريتنا مقيدةً، لكن الوضع تغير الآن للأسوأ".
"نتمنى أن تنتهي الحرب في منطقتنا"
وتمنت شيخة أحمد أن تتوقف إراقة الدماء "يجب أن ينصب تفكير الجميع على بناء الوطن، وألا يُفسحوا المجال للقومية والعنصرية"، ودعت جميع النساء الآشوريات والكرديات والعربيات إلى الاتحاد والعمل بجد أكبر لبناء الوطن "أنا أثق وأؤمن بدور المرأة، فهي ستصنع الحرية لهذا البلد الذي أنهكته الحرب، وإذا تحقق سلام دائم فسيكون بكل تأكيد بقيادة النساء".
"المرأة الريفية بحاجة إلى الدعم"
واختتمت شيخة أحمد حديثها بدعوة المؤسسات المعنية بقضايا المرأة إلى دعم المرأة الريفية "تريد المرأة عملاً يُمكّنها من توفير قوت يومها دون أن تنتظر ذلك من الرجل، المرأة الريفية بحاجة إلى الدعم، ويجب فتح مشاريع صغيرة لها تناسب مهاراتها، حيث تبقى العديد من الفتيات والنساء الكبيرات في السن في القرى عاطلات عن العمل لعدة أشهر في كل مرة، لذلك أدعو المؤسسات المعنية بقضايا المرأة إلى الاهتمام بالمرأة الريفية ودعمها".