تعديل قانون الأحوال الشخصية في العراق وتأثيره على النساء
أكدت العضوة في البرلمان العراقي سابقاً ريزان شيخ دلير إن تعديل قانون الأحوال الشخصية دفع مئات النساء إلى النزوح نحو إقليم كردستان خوفاً من فقدان أطفالهن، وأنهن يواجهن ظروفاً معيشية قاسية وسط غياب الدعم والمأوى.
					هيلين أحمد
السليمانية ـ في الرابع والعشرين من تموز/يوليو 2024، أقرّ مجلس النواب العراقي تعديلاً على قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، وهو ما اعتبره ناشطون بداية لمسار قانوني يهدد حقوق النساء ويؤسس لتمييز ممنهج ضدهن. ورغم الاحتجاجات الواسعة التي قادتها النساء والناشطون في الشوارع لمنع تمرير التعديل، فقد تم التصويت لصالحه، ودخل حيّز التنفيذ في 22 كانون الثاني/يناير 2025.
تطبيق التعديل على قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 أدى إلى تصاعد الانتهاكات بحق النساء، خاصة في مناطق جنوب العراق والمناطق ذات الأغلبية الشيعية، حيث اضطرت العديد من النساء إلى مغادرة منازلهن برفقة أطفالهن والنزوح نحو إقليم كردستان بحثاً عن الأمان.
أكثر من 800 امرأة نازحة بسبب قانون الأحوال الشخصية
هذا الواقع دفع النساء إلى اتخاذ قرار صعب بالنزوح، حفاظاً على أطفالهن وحقوقهن، وتشير الإحصاءات حتى الآن إلى أن أكثر من 800 امرأة قد لجأن إلى إقليم كردستان هرباً من تداعيات هذا القانون.
أعلنت الجهات المعنية، بما في ذلك المجلس الأعلى لتحالف النساء، عن رصد نسبة من النساء النازحات اللواتي تأثرن مباشرة بتعديل قانون الأحوال الشخصية في العراق. وفي هذا السياق، أوضحت المحامية وعضوة البرلمان العراقي سابقاً، ريزان شيخ دلير، أن تعديل القانون وقرار البرلمان سيدفع العديد من النساء في جنوب العراق إلى النزوح نحو إقليم كردستان.
وأضافت أن المجلس الأعلى لتحالف النساء تلقى إشعاراً رسمياً يفيد بأن تعديل قانون الأحوال الشخصية، وما تبعه من قرارات برلمانية، تسبب في تهجير النساء خارج حدود العراق، مشيرةً إلى أن مدن الجنوب، خاصة ذات الأغلبية الشيعية، أصبحت مناطق خطرة على حياة النساء، حيث تعيش كثير منهن في خوف دائم من فقدان أطفالهن، إذ يمنح القانون المعدّل الحق للأب في انتزاع حضانة الطفل من الأم بعد الطلاق، دون أي ضمان قانوني لرؤية الأم لطفلها مجدداً.
وتابعت أن القانون الجديد يسمح للأب باستعادة حضانة الطفل حتى وإن كانت الأم تحتفظ بها لمدة عشر سنوات، مما دفع العديد من النساء إلى مغادرة مدنهن برفقة أطفالهن نحو مدن إقليم كردستان، حيث لا يُطبّق هذا القانون بسبب غياب البرلمان وعدم تفعيله في الإقليم، ونتيجة لذلك أصبحت المدن الكردية ملاذاً آمناً للنازحات الساعيات لحماية أطفالهن من تبعات هذا القانون.
وشددت ريزان شيخ دلير على أن الجهات المعنية، بما فيها المجلس الأعلى للنساء، على دراية بوجود نسبة من النساء النازحات اللواتي اضطررن إلى اللجوء لإقليم كردستان نتيجة لتعديل قانون الأحوال الشخصية، موضحةً أن هذا النزوح الجماعي من جنوب العراق خلّف آثاراً سلبية على الإقليم، حيث تواجه النساء صعوبات كبيرة في تأمين احتياجاتهن الأساسية، كما أن بعضهن اضطررن إلى حرمان أطفالهن من التعليم بسبب الظروف القاسية، ما أدى إلى تفشي الأمية بينهم.
وأضافت أن تطبيق القانون المعدّل من قبل البرلمان العراقي ألحق أضراراً جسيمة بالنساء، ودفع الكثيرات منهن إلى الهروب من مناطقهن حفاظاً على حقوقهن وحقوق أطفالهن، هذا الواقع يعكس حجم التأثير السلبي للتعديل القانوني، ليس فقط على النساء في جنوب العراق، بل أيضاً على البنية الاجتماعية والاقتصادية في إقليم كردستان.
"غياب الدعم والمأوى يفاقم أزمة النساء النازحات"
وأشارت ريزان شيخ دلير أن النساء اللواتي نزحن بسبب تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي يواجهن تحديات قاسية في إقليم كردستان، حيث لا تتوفر لهن مقومات الحياة الأساسية. وأن تطبيق هذا التعديل دفع العديد من النساء إلى النزوح، لكن غياب المأوى وعدم توفير الاحتياجات الضرورية جعلهن في مواجهة واقع صعب.
ولفتت إلى أن بعض النساء استطعن الاعتماد على أصدقاء أو معارف لتأمين سكن مؤقت، في حين اضطرت أخريات للعيش في الفنادق أو حتى في الشوارع دون أي دعم يُذكر. مشيرةً إلى أن تحالف 188 في العراق، بالتعاون مع شبكة النساء العراقيات، يعمل من خلال فرعه في إقليم كردستان على معالجة أزمة السكن، وقد تم تقديم طلبات رسمية لإيجاد حلول عاجلة لهذه المشكلة.
وأكدت أن أوضاع النساء النازحات تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، في ظل غياب فرص العمل والملاجئ الآمنة، ما يفاقم من معاناتهن، مشيرةً إلى أن تحالف 188 عقد اجتماعات مع المجلس الأعلى للنساء لمتابعة أوضاع المتضررات من القانون، ومحاولة الوصول إليهن لتقديم الدعم، إلا أنه حتى الآن لم يتم التأكد من عدد النساء والأطفال النازحين بدقة.
ونوهت إلى أن أحد البرامج التلفزيونية ذكر أن أكثر من 800 امرأة نزحن إلى إقليم كردستان برفقة أطفالهن. وللتحقق من هذه الأرقام، تم التواصل مع الجهات الأمنية في هولير، التي أكدت إمكانية الوصول إلى هذه المعلومات، لكن غياب قاعدة بيانات رسمية حال دون تحديد العدد بدقة، منوهةً إلى أن بعض النساء يرفضن الكشف عن هوياتهن خوفاً من إعادتهم إلى مناطقهن أو انتزاع أطفالهن، ما يصعّب من مهمة الوصول إليهن وتقديم الدعم اللازم.
"القانون المعدّل يرسّخ التمييز ضد النساء"
وأوضحت ريزان شيخ دلير أن النساء المتضررات من تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي لا يستطعن مغادرة البلاد، خوفاً من فقدان حضانة أطفالهن، ومع ذلك، تسعى منظمات المجتمع المدني ومؤسسات حقوق الإنسان الدولية العاملة في إقليم كردستان إلى تنظيم مؤتمر مشترك مع وزارة العدل خلال الأشهر المقبلة، بهدف منع تطبيق القرارات الصادرة خارج الإقليم وداخله، خاصة أن العائلات المقيمة في إقليم كردستان تُجبر على الالتزام بالقانون المعدّل.
وأكدت على أن التواصل المستمر مع الجهات السياسية والمؤسسات المعنية ضروري لتنبيههم إلى خطورة الوضع، كما دعت رئاسة الإقليم إلى عدم تطبيق هذا القانون داخل الإقليم، لضمان حماية النساء والأطفال، مشيرةً إلى أن بعض النساء اللواتي انفصلن عن أزواجهن لم يتلقين أي دعم مادي منذ سنوات، أو أن بعض الآباء غابوا عن حياة أطفالهم تماماً، ورغم ذلك تطالب عائلاتهم باستعادة الأطفال، مما يمنع الأمهات من رؤيتهم مجدداً.
وشددت على ضرورة أن تتعامل المحاكم بحذر مع هذه القضايا، وألا تُسلّم الأطفال إلى آبائهم أو عائلاتهم دون دراسة دقيقة للظروف المحيطة، لأن هذا القانون تسبب في مشاكل كبيرة في المناطق ذات الأغلبية الشيعية، حيث يُمارس تمييز واضح ضد النساء داخل المحاكم، ما أدى إلى حرمان الأمهات من رؤية أطفالهن مرة أخرى، وانتهاك حقهن في الأمومة.
واختتمت بالقول إن تعديل القانون يجب أن يتم بطريقة أكثر إنصافاً، بحيث لا يُفصل الأطفال عن أمهاتهم، ولا يتحول إلى أزمة اجتماعية تهدد استقرار العائلات في عموم العراق.