'تضمين حقوق النساء في الدساتير لا يتماشى مع المواثيق الدولية'

لايزال تضمين حقوق النساء في الدساتير ضعيفاً ولا يتطابق مع الاتفاقيات الدولية والمواثيق التي تفرض وضعها وتطبيقها وهو ما يفسر ضعف التمكين السياسي والاقتصادي للنساء نتيجة هذا الأقصاء القائم على النوع الاجتماعي.

زهور المشرقي

تونس ـ نظمت لجنة سوريا لتحالف "ندى" ندوة عبر الزوم أمس الاثنين العاشر من آذار/مارس والتي تندرج ضمن استمرار الاحتفاء باليوم العالمي للمرأة، وتطرقت إلى التضمين الدستوري لحقوق المرأة في سوريا بوابة الشرق الأوسط نحو الديمقراطية، مؤكدة على إيلاء حقوق النساء الأهمية القصوى في الدساتير لتحقيق الديمقراطية الحقيقية.

قالت الناشطة نعمات كوكو، إن الدستور بشكل عام مهم لضمان حقوق النساء والوصول إلى المساواة، معتبرةً أن دولة السودان كان لها تجربة في دستور وضعته الحركة الإسلامية تجلى فيه كل أنواع القهر للشعب والنساء وكان ذلك بداية الاهتمام بالدستور وأهميته، لافتةً إلى أن الدستور هو المظلة والوثيقة التي تستمد منها أي دولة القوانين والتشريعات لكن من منظور نظرية الثورة والنوع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي حيث يعبر الدستور عن طبيعة الدولة الاجتماعية وإلى أي حد تنحاز إلى المواطن العادي أكثر من الاهتمام بحقوق النخب السياسية أو الاقتصادية أو السياسية، ومن هنا جاءت فكرة الحديث عن دستور يُترجم طبيعة الدولة ومؤسساتها وقوانينها.

وأشارت إلى أن الوثيقة الدستورية مهمة لكل النساء لأنها تعبر عن طبيعة الدولة المدنية والديمقراطية أو الاستبدادية، حيث أن القوانين ماهي إلا تعبير عن طبيعة الدستور إن كان ديمقراطياً أو لا ويقوم على المواثيق الدولية أو يتلاعب بالديمقراطية، مؤكدةً أن كل دساتير المنطقة تتحدث على أنها ديمقراطية لكن التجارب تبين أن كل الدول تضع كلمة الديمقراطية في صلب العمل السياسي لا غير.

وأوضحت أن تجارب حزب البعث سواءً في سوريا أو العراق علمانية، لكنها ليست ديمقراطية وحتى دستور الحركة الإسلامية في السودان الذي حكم منذ 1993 إلى عام 2019 حين تم تغييره بثورة ديسمبر يتحدث عن كون السودان دولة ديمقراطية لكنها دينية، مشيرةً إلى أن المصطلحات المستعملة في الدساتير غير محايدة وهي تعكس طبيعة الدولة "يجب أن تكون هناك مرجعية للقوانين والدساتير والمعاهدات الدولية، علاوة على ضرورة اعتبار المساواة أولوية لتبدأ بعدها التشريعات التي تعكس الانحياز التام لحقوق المرأة".

وعن كيفية تضمين حقوق النساء في الدساتير خاصةً وأن أغلبها يكتبها رجال، اعتبرت نعمات كوكو، أن مشاركة النساء دائماً في وضع القوانين كانت ولازالت ضعيفة وهو ما يحتم تقويتها بتنظيم الصفوف والدعم والتضامن حتى تكن مشاركات في سن التشريعات بشكل أقوى "أن التنصيص على حقوق المرأة استناداً على المواثيق الدولية يجب أن يكون الباب الأول من الدستور، فكل ما توسعنا كنساء سنجد نتائج أفضل بحقوقنا الدستورية".

ودعت الحركة النسوية في المنطقة إلى تبني منهجية التشاركية في وضع الدساتير لضمان الحقوق والمساواة والحماية الدستورية والتمكين للنساء وهي خطوات تصنعها النساء بالمشاركة.

وعن جندرة الدستور قالت نعمات كوكو "أن كل قضايا النساء من منظور الحقوق والمساواة يجب تكون متقاطعة ابتداءً من استخدام اللغة والانتباه لمصادر التشريع وأهمية الاستناد إلى المواثيق والمعاهدات الدولية التي سوف تعطي الدساتير تضمن الالتزام السياسي والاخلاقي للقيم المدنية"، مشيرةً إلى أن تجربة جندرة الدستور وتوسيع قاعدة مشاركة النساء يرتبطان بقاعدة جدلية وكل خطوة تحقق الأخرى.

وعن التشاركية أثنت على تجربة الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا في تحقيق المساواة التامة وتشريك النساء وتمكينهن، معتبرةً أنها تجربة يحتذى بها ويجب الاستئناس بها للنسج على منوالها خاصةً وأنها حققت الكثير للنساء في تلك المنطقة برغم التضييقيات والصراع.

وعن كيفية حمل تجربة الإدارة الذاتية التي تعتبر مرفوضة إلى دول المنطقة وأفريقيا أشارت إلى أن تجربة الإدارة في ترسيخ فكرة الديمقراطية التشاركية وتجاوز القومية كما أسماها القائد عبد الله أوجلان إلى الأمة الديمقراطية، هي مخيفة لأعداء الديمقراطية لذلك تأتي المحاربة والمحاصرة، لأن تلك الفكرة قد تؤدي إلى تغييرات هيكلية في بناء الدولة سياسياً واقتصادياً وثقافياً وتجلت التجربة في ما تقوم به المناضلات في إقليم شمال وشرق سوريا "فكرة الرئاسة المشتركة والتمكين اقتصادياً في ظل هذا الصراع وقيام جمعيات تعاونية تشاركية هي مخيفة بالنسبة إلى مجتمعات المنطقة العربية التي تعاني من انعدام الديمقراطية وعدم الالتزام السياسي والتباين الاقتصادي والاجتماعي والفقر الثقافي والاجتماعي".

بدورها قالت الدكتورة عبير حصاف، إن الدساتير السورية كانت فيها محاولات لتضمين بعض الحقوق للنساء، حيث تناول دستور 2012 بعض الحقوق لكن لغته لم تكن جندرية وكانت هناك مخاطبة للرجال برغم احتواء المادة 33 على أهمية المساواة بين الجنسين، والمادة 22 التي تقول إن الدولة مكلفة بحماية الأسرة والطفولة وتناولت مادة أخرى حق العمل للنساء لكنه مشروط بموافقة الزوج، وهذه الأمور الواردة وإن وجدت يطرح التساؤل عن مدى العمل بها وتنفيذها على أرض الواقع، لافتةً إلى أنها بنود صورية لا تطبق على أرض الواقع وتُرجمت بضعف التمكين السياسي للسوريات في البرلمان والمنظمات والدولة.

وأوضحت أن دستور سوريا لعام2011 لم يتناول مواد تناقش العنف القائم على النوع الاجتماعي والتمييز برغم إصدار قوانين لاحقة لتحسين الوضع لكن بقيت النساء في مرحلة معينة لم تتجاوزها، منوهة إلى مطالبات السوريات سابقاً بمنح أطفالهن الجنسية لكن ذلك لم يتحقق ولم يحمله الدستور، ولم يتح للأخير الممارسة الفعلية لحقوق النساء في سوريا برغم الاستفادة ببعض البنود كحق العمل والتوظيف.

وعن مرحلة بعد انهيار النظام السوري والتغيرات التي جرت والفوضى التي يعيشها الساحل اليوم، اعتبرت أنها نتيجة لسياسات لم يذكرها الدستور لمنع الصراع الطائفي في بلد يعتبر فسيفساء وموزاييك "أن منطقة إقليم شمال وشرق سوريا عبارة عن سوريا مصغرة بمكوناتها وحالة التعددية الأثنية والسياسية وطوائفها وكانت هناك مراهنة على اغراق تلك المنطقة بالدماء لكن الحالة التنظيمية ووضع عقد اجتماعي عام2014 وفي عام 2023  وضعت معايير العيش المشترك بين الجميع برغم الاختلافات وسمح بالتعددية السياسية وكان أحد أبرز أعمدته حرية المرأة وبناء كونفدرالية لها وغيرها من الإنجازات".

وأوضحت أنه رغم ازدياد الهجمات على إقليم شمال وشرق سوريا من قبل تركيا وداعش وغيرها من الانزلاقات لم تتأثر تجربة الإدارة الذاتية بل زادتها قوة نتيجة المعايير التي وضعت، مشددةً على أن وجود النساء في مشروع الإدارة ضمان للاستمرارية والتعايش.

وتتفق الدكتورة عبير حصاف مع الناشطة نعمات كوكو في كون نقل تجربة الإدارة الذاتية ونضالات الكرديات ليس صعباً ولا سهلاً بل يحتاج ايمان بالديمقراطية ونجاح التجربة من خلال تشريك النساء وتحقيق الحرية والمساواة.

وأكدت عبير حصاف أن ما حققته الكرديات ليس وليد الصدفة بل كان نتاج المقاومة والتضحيات التي بذلنها "لم يأت على طبق من فضة مقاومة وإيمان بالحقوق كان عملا دؤوباً في تنظيم النساء في التشكيلات العسكرية التي كان لها الدور الكبير في منح الثقة للنساء وتحفيزهن داخل المنظمات"، مشددةً على ضرورة التضامن النسوي في الشرق الأوسط وأفريقيا لنقل تجارب النجاح في إقليم شمال وشرق سوريا وعيش هذه الحالة من التشاركية الحقيقية.