شبح السلفية يخيم على جوانرود
تواجه مدينة جوانرود في شرق كردستان، المتميزة بالتعايش بين الأديان، تحدياً جديداً اليوم؛ وهو انتشار الأفكار السلفية المتطرفة التي لا تستهدف الثقافة المحلية فحسب، بل تهدد أيضاً الروابط الأسرية والسلم الاجتماعي.

سوما كرمي
جوانرود ـ عند دراسة تاريخ معتقدات الشعب الكردي، قبل الإسلام وبعده، يتضح جلياً عنصر "التسامح الديني"، فعلى مر القرون، عاش الكرد مع أديان وطوائف متنوعة؛ دون أن تدفعهم التحيزات الطائفية إلى العنف.
بالنسبة للشعب الكردي، لم يكن التفاعل والتواصل بين الناطقين باللغات الأخرى قائماً على الدين، بل على اللغة والهوية العرقية والقومية، ووجود أديان وطوائف مختلفة في المنطقة أمر شائع، وفي معظم الحالات، حل الحوار والتعايش محل الصراع والانقسام، وهذا الميل الفطري نحو الروحانية والتصوف جعل من منطقة شرق كردستان، بما فيها جوانرود، منبراً مناسباً للخطابات الدينية، إلا أن دخول الأفكار المتطرفة والحركات السلفية الوهابية في العقود الأخيرة هدد هذا السلام.
الوضع الاجتماعي والديني في جوانرود
جوانرود، مدينة كردية في محافظة كرماشان، ذات تاريخ وهوية ثقافية ودينية عريقة، ولطالما قامت على التعايش السلمي بين مختلف الأمم والأديان، حيث يلتزم سكان هذه المدينة، ومعظمهم من السنة الشافعية، بالطقوس والاحتفالات المحلية، مثل عيد نوروز والدبكة والحفلات الكردية، وحفلات الزفاف، بالإضافة إلى معتقداتهم الدينية.
مع ذلك، ظهرت في السنوات الأخيرة بوادر انتشار الحركات الوهابية المتطرفة في هذه المنطقة، والتي تسعى من خلال تشديدها على السطحية الدينية وتكفير الجماعات الأخرى، إلى زعزعة التماسك الثقافي والاجتماعي في المنطقة، وتعتبر هذه الحركات التقاليد المحلية "بدعة" وتروج لها على أنها تتعارض مع تعاليمها المتشددة.
أساليب التأثير الوهابية
تُعدّ الدعاية المُوجّهة على وسائل التواصل الاجتماعي، واستقطاب الشباب عبر دوائر خاصة، واستغلال الفقر والبطالة أحياناً، أدوات رئيسية تستخدمها الحركات المتطرفة للتأثير على المراهقين والشباب في المنطقة، وتُقدّم هذه الحركات نفسها على أنها حاملة لـ "الإسلام الأصيل"، معتبرةً احتفالات مثل عيد نوروز، واحتفالات الزفاف التقليدية، والموسيقى المحلية، والرقصات الشعبية مُخالفة "للشريعة الإسلامية".
ومن الأمثلة البارزة على ذلك، خلال عيد نوروز هذا العام، حاول بعض أعضاء هذه الجماعات منع الاحتفال به عبر التهديد والترهيب، ومع ذلك، أقام الناس الاحتفالات على نطاق واسع بإصرار ووحدة ثقافية.
التهديدات الموضوعية والأمثلة الاجتماعية
أثار الحضور الواضح لبعض أعضاء الحركات السلفية بمظهر مختلف، كالشعر والوجه غير المرتبين، والكحل، والسراويل التي تختلف عن الزي الكردي التقليدي، قلقاً لدى العامة، كما نُشرت تقارير عن عنف لفظي وحتى اشتباك بالأيدي، وفي إحدى الحالات، تعرض مراهق للضرب بسبب سوء فهم لأحد أفراد عائلته كان برفقته، والذي كان قد افترض عنه خطأً، بعد إجراءات قانونية، تبيّن أن المهاجمين ينتمون إلى جماعة متطرفة.
الجوانب الأمنية والتحذيرات المحلية
في عام ٢٠١٨، وردت أنباء عن تحديد هوية أعضاء جماعة تكفيرية سلفية؛ وهي جماعة كانت تجند وتروج للأفكار المتطرفة في المنطقة، كما عُقدت مؤتمرات بحضور علماء لتوعية العامة بهذه الحركات، ومع ذلك، لا يزال القلق قائماً.
وعن العواقب العائلية والفردية، قالت سمية محمدي "اسم مستعار" عن شقيقها البالغ من العمر عشرين عاماً "كان يشارك في الاحتفالات والطقوس الكردية؛ لكنه تغير منذ ثلاث سنوات متأثراً بأصدقائه الجدد، والآن لديه مشكلة مع ملابسي، ويطالبني بارتداء الشادور وحتى النقاب، إذا كان لدينا ضيوف، فإنه يجادلهم في المعتقدات، بل ويعتبر توديع الضيف من المحرمات، لذلك يضطر والدي العجوز إلى فعل ذلك".
تخشى سمية محمدي أن تكون هذه الأفكار قد ألقت بظلالها على أجواء الأسرة وعلاقاتها المتوترة، كما ترك سلوك شقيقها البارد والاتهامي مع أفراد الأسرة الآخرين آثاراً عميقة.
تواجه جوانرود، المدينة ذات الثقافة الغنية وشعبها العريق في التعايش، اليوم تحدياً لا يهدد هويتها الثقافية فحسب، بل يستهدف أيضاً السلم الاجتماعي والعائلي، لذلك تتطلب مكافحة التطرف الديني تعاون المؤسسات التعليمية والدينية والأمنية والإعلامية، وإن إحياء الهوية الأصيلة، وتعزيز التعليم الديني المعتدل، وحماية الشباب من خداع الدعاية التكفيرية، استراتيجيات أساسية للحفاظ على الأمن والاستقرار في هذه المنطقة.
أثبتت هذه التجربة مجدداً أن المقاومة الشعبية للتهديدات الأخيرة تعكس الديناميكية الثقافية والوعي الاجتماعي لشعب جوانرود، حيث أنه لم يكن الاحتفال الواسع بعيد نوروز، رغم الضغوط، مجرد رد فعل واضح على التطرف الديني، بل كان أيضاً مظهراً من مظاهر التضامن والهوية الجماعية، ويمكن أن يكون هذا الإصرار للحفاظ على المراسم الأصيلة الحصن الأول ضد تأثير العنف الديني؛ حصناً راسخاً أثبت مجدداً قدرته على الصمود في وجه الانقسام والتطرف.