شاحنات الموت في تونس تثير سخط الناشطات والمجتمع

تتواصل فواجع موت العاملات الفلاحيات في شاحنات الموت بتونس، حيث فقدت عاملة حياتها إلى جانب إصابة 26 أخريات بمحافظة الكاف شمال غرب البلاد.

نزيهة بوسعيدي

تونس ـ رغم القوانين والمراسيم وتحركات المجتمع المدني وتنظم العاملات الفلاحيات في شكل نقابات، لا زالت عمليات نقل العاملات نقطة سوداء تزهق عندها أرواحهن في ظل رداءة وعدم تطبيق أدنى شروط السلامة.

يعتبر اصطدام شاحنة تقل عاملات بسيارة أخرى صباح اليوم الخميس 29 أيار/مايو بمحافظة الكاف التونسية وتحديداً على الطريق الوطنية رقم 5 الرابط بين الكاف والعاصمة تونس، كارثة أخرى تحيلنا للحديث عن تواصل معاناة ومأساة العاملات الفلاحيات.

لذلك، تفاعلت ناشطات المجتمع المدني مع نبأ الحادث، معبرات عن استيائهن في تدوينات على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث كتبت نجاة عرعاري ناشطة نسوية واخصائية في علم الاجتماع، إن "قتل النساء ليس مرتبطاً فقط بالجرائم التي تحدث بين المرأة والرجل، إنما كذلك المنظومة التي تقتل النساء هي منظومة بطريركية ورأسمالية ومنظومة سياسية متعفنة كلها منظومات تقتل النساء".

وأضافت في تغريدتها أن "قتل النساء جريمة دولة بامتياز، دولة تدرك عمق الأزمة ولم تقم بدورها لا في توفير ظروف عمل لائقة ولا وسائل نقل لائقة ولا الحق في التغطية الاجتماعية ولا الحق في الصحة ولا الحق في العمل المهيكل ولا الحق في الحياة، إنها دولة لا تقدم البدائل على الهشاشة والتفقير إنما بمنوالها التنموي الفاشل تزيد في تعميق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية".

وفي نفس السياق كتبت نجاة زموري ناشطة في مجال حقوق الإنسان "إنه خبر مفجع يعيد إلى الواجهة المأساة المتكرّرة التي تعيشها العاملات في القطاع الفلاحي، واللواتي يُجبرن يومياً على التنقّل في ظروف لا تراعي الحد الأدنى من السلامة والكرامة".

وشددت على أن حادثة دار السلام بالكاف الشرقية، التي أودت بحياة عاملتين بريئتين، ليست مجرّد "حادث مرور"، بل نتيجة منظومة إهمال وتهميش مستمرّ بحق نساء يعملن في الظل ويعانين في صمت، متسائلةً إلى متى تظلّ أرواح العاملات في الميزان؟ أين خطط الدولة لحماية هذه الفئة الهشّة؟

وأكدت أنه "لا بدّ من تفعيل قوانين إجراءات النقل الآمن واللائق، ومحاسبة كلّ من يتقاعس عن توفير أبسط حقوقهنّ"، معتبرةً أن هذه الأرواح التي تُزهق في الطرقات ليست أرقاماً، بل أمهات، وأخوات، ونساء يُسهمن في قوت البلاد ويُقابلن بالتجاهل، والعدالة للعاملات الفلاحيات تبدأ بالاعتراف بكرامتهنّ وحقّهنّ في التنقّل الآمن والعمل اللائق".

بدورها علقت حياة العطار المكلفة بملف العاملات الفلاحيات بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية "اليوم نجدد العهد مع شهيدات الخبز، شهيدات لقمة العيش اللواتي يأكلن لقمة العيش بالدم إذ أن شاحنات الموت في تونس تمنح عاملات الفلاحة فرص الموت بالتقسيط"، مضيفةً أنه بعد وضع قانون خاص بالنقل سنة 2019 تم تسجيل 53 حادثاً توفيت خلالها 26 عاملة فلاحية وأصيبت 497 عاملة وتنوعت المخلفات بين أثار نفسية وجسدية وكسور وإعاقة وفقدان البصر.

وذكرت أنه تم وضع مرسوم للحماية الاجتماعية في تشرين الأول/أكتوبر 2024 وتم على إثر ذلك تسجيل 9 حوادث أسفرت عن 3 وفيات وإصابة 94 عاملة والنزيف متواصل، "هذه القوانين لم تحسن أوضاعهن ولا زلن يتعرضن للحوادث وتعملن في ظروف غير آمنة أو صحية، رغم دورهن المحوري في الحفاظ على القطاع الفلاحي وتأمين الآمن الغذائي للناس".

وأوضحت أن العاملات الفلاحيات أكثر فئة تعمل في ظروف صعبة جداً كما تتقاضى أدنى أجر و92% منهن ليس لديهن تغطية اجتماعية، متسائلةً متى سيتم فهم أن الاستغلال والتهميش والعنف والتمييز والفقر لا تعالج بنصوص وقوانين فضفاضة وبخطابات شعبوية بالية تنم عن الفشل والعجز.

واعتبرت حياة العطار في تغريدتها أن "نقل 27 عاملة في شاحنة دفعة واحدة لا يدل على الخطورة في النقل بل هو جريمة بحق النساء وعائلاتهن وكذلك في حق المجتمع المدني لأننا طيلة هذه السنوات طالبنا وناضلنا وقدمنا مقترحات وبدائل والنساء خرجن في احتجاجات، لكن الدولة مصرة على أن تواصل العمل بالحلول الترقيعية الارتجالية وعدم معالجة الأشكالات بعمق، فمنذ سنة 2015 خلفت الحوادث 1009 جريحاً و66حالة وفاة، غالبيتها تم تسجيلها بمحافظتي سيدي بوزيد والقيروان"، مؤكدةً أن وضع القوانين ليس هو الحل لإنقاذ العاملات من هذه الانتهاكات.

وختمت تعليقها بالقول إنه "بعد صدور المرسوم عدد 4 لسنة 2024 المتعلق بنظام الحماية الاجتماعية سجلنا تسعة حوادث أسفرت عن ثلاث وفيات وإصابة 94 عاملة، وأن هذه القوانين لم تكن ناجعة وجذرية في معالجة إشكالية وقضية نقل العملة والعاملات، وبالتالي تلتقي فيها مسائل تنموية وخصوصيات جهات معينة يرتفع فيها حجم الانتهاكات".