رسائل نساء الشرق الأوسط إلى القائد أوجلان: الحرية لا تُسجن والأفكار لا تموت ـ 1

أرسلت نساء من مختلف دول الشرق الأوسط، رسائل إلى القائد عبد الله أوجلان عبرن فيها عن دعمهن للقضية الكردية والأفكار التي ينادي بها القائد المتمثل بحرية المرأة والمجتمع.

مركز الأخبار ـ في مبادرة تعبر عن وحدة النضال النسوي وتضامن الشعوب، أرسلت نساء من دول مثل مصر، غزة، واليمن رسائل خاصة إلى القائد عبد الله أوجلان، عبرن فيها عن تقديرهن لدوره في الدفاع عن قضايا الحرية والكرامة، خاصة حرية المرأة، وعن تضامنهن مع نضال الشعب الكردي.

هذه الرسائل التي وصلت إلى القائد عبد الله أوجلان، تحمل توقيع نساء من بيئات وتجارب مختلفة، وتجسد صوتاً مشتركاً يُنادي بالحرية والعدالة وسط مشهد إقليمي يزداد تعقيداً وتوتراً.

 

نص رسالة الدكتورة المصرية فرناز عطية مهتمة بالقضية الكردية ومتخصصة في الشؤون السياسية:

إلى القائد عبد الله أوجلان، إلى من ناضل ودافع وضحى ولم يتخلى، إلى صاحب القضية العادلة، إلى رجل تحمل الكثير من الشقاء في سبيل جلب السعادة لأجيال قادمة، إلى من مشى على دروب تغطيها الأشواك ليزرع ملايين الزهور في دروب الأحرار والثوار، إلى من اقتحمت أفكاره أسوار العزل والأسر وطارت محلقةً حرة لتسكن قلوب وعقول وضمائر الملايين على المعمورة.

من قاهرة المعز وبلاد النيل السمراء، من أرض الفراعة أرض حضارة السبعة آلاف عام، أرسل لك تحياتي وباقات عطرة من زهور اللوتس وأكاليل الغار التي يتوج بها الأحرار والأبطال، وتحيات كل امرأة ورجل حر قرأ بإمعان وتدبر أفكارك في مرافعاتك، إلى سجن إمرالي الموحش الذي تملاءه ظلمة الغبن والظلم، وسلاسل الطغيان، ووحشة الجور، والاستبداد، سجن محكم الظلمة، لم يضئ فيه إلا شعاع للأمل وبصيص للنور والحرية أضاءته أفكارك، إنها الأفكار الأوجالانية التي لاتزال تنير دروب المفكرين والثائرين والأحرار، وترشدهم إلى سبل الخلاص من توحش الرأسمالية والاستغلال.

لقد غيرت أفكارك عن النضال والكفاح رؤيتي للحياة، وأرشدتني إلى أنه لابد أن يكون للإنسان هدف أسمى وأرفع من صخب الحياة الذي يحيط به ويشوه أفكاره، ويضلله عن الحقيقة، فالقضية العادلة لأي مناضل هي الغاية والهدف المنشود، فمهما بذل في سبيله الغالي والنفيس، فلا ينبغي التواني عن الوصول له وتحقيقه، وتعلمت منك أن المناضل الحق لا يتقاعس عن نصرة الضعفاء والمظلومين الذين سحقهم الاستعمار الغربي، وأكلت حقوقهم وقوتهم وأجسادهم الإمبريالية الرأسمالية التي يتبناها الغرب، واحتلت أراضيهم واستنزفت ثرواتهم، وهدمت أحلامهم، ودمرت حياتهم واستولت على مقدراتهم.

وأن القائد الفيلسوف لابد أن يكون أممي لا ينحصر فكره على شعب أو إقليم معين، بل تتسع أفكاره التحررية لتشمل رحابها كل الشعوب، لأن النضال عملية كاملة وشاملة، حيث تعدت أفكارك وأطروحاتك عن القضية الكردية والأمة الديمقراطية، الحيز المكاني والزماني، فأوجدت الكثير من الحلول للمشكلات الًتي تعاصر ويتعايش معها سكان الوطن العربي ودول الشرق الأوسط، بل والعالم أجمع، أوجدت نموذجاً فريداً للديمقراطية الحقيقية والتي تتناسب مع قيم وتقاليد الشرق، وليست الديمقراطية الغربية الزائفة التي يفرضها الغرب علينا، ونتجرعها بمرارة تبعاتها، التي لا تلائمنا ولا تناسب مجتمعاتنا.

وتعلمت منك أيضاً أهمية العمل، وكونه واجباً مقدساً، يجب أن يكون جزءاً لا يتجزأ من حياة الفرد والمجتمع، وله أهمية كبيرة في تحقيق التحرر والتقدم فالعمل، وضرورة التركيز على العمل المنتج الذي يخدم المجتمع ويساهم في بناء الذات وتنمية القدرات.

وكوني امرأة أصبحت فخورة لما بثته في نفسي أفكارك من الكبرياء والزهو بالمرأة، عندما علمت بأن "المرأة الجميلة هي المرأة الحرة"، وأن عبودية المرأة هو نير تفرضه الخلفية الذكورية الرجعية، والرأسمالية الانتهازية على النساء، ولابد لهذا النير أن ينكسر في كل زمان ومكان، لتتفجر طاقات النساء في المجتمع الحر وتنهض بمجتمعها وأسرتها وبلادها كتف بكتف مع الرجال، فيما يعرف بـ "الحياة التشاركية"، وأن مصدر استقرار للعمل الثوري والطرف الفاعل في إنجاحه أو إفشاله، وأن تحرر المجتمع يكمن في تحرر المرأة، فمفهوم الشرف والأخلاق يرتبط بالمجتمع ولا يقتصر على المرأة، وهو يرتبط بالحرية المحفوفة بالكرامة وانتهاء الإذلال والعبودية، ونجد أنه صرح بأن الأخلاق هي: الذاكرة الطبيعية للمجتمع وهي الممارسة العملية للأعمال الجيدة للمجتمع والتي يستفيد منها، وهي إسمنت المجتمع لتلحمهم مع بعضهم البعض وهي الممارسة العملية للسياسة كما أنها مبدأ أولي لتنظيم عقل الإنسان بين الذكاء التحليلي والذكاء العاطفي أي رزيلة أو فضيلة المجتمع الأخلاقي مقدس مجتمع دون أخلاق مصيره إلى الهاوية، أما مفهومُ "الشرفِ" المرتكزُ إلى المرأة، الذي يتمُّ الدفاعُ عنه فيدلُّ في حقيقته على حالةٍ بعيدةٍ كلَّ البُعدِ عن القوانين والنواميس، فإنّ التعصبَ لشرفِ المرأة بجزمٍ مغالى فيه هو تعبيرٌ عن اللاشرفِ الاجتماعيِّ المغالي في قطعيتِه، إنها مفارقةٌ كبرى أنْ تتشبثَ بشرفِ المرأةِ بالقدرِ الذي تَبتعِدُ فيه عن شرفِ المجتمع، أي عن القيمِ الأوليةِ التي تجعلُه صامداً متراصّاً، فهو دلالة على العجز، فحماية شرفِ المجتمع هو حمايةِ لشرفِ المرأةِ، فمفهومُ الشرف، الذي يُرادُ إنعاشُه وإحياؤُه تحت اسمِ "شرفِ المرأة"، الذي يتأتى من وهنِ الرجلِ المستَهلَكِ أخلاقياً وسياسياً، أو من محاولتِه في إثباتِ قوتِه بناءً على عبوديةِ المرأة، حيث يتطلع لفرضِ سيادتِه على المرأةِ ليشفي غليلَه مما يحلُّ به على يدِ الحاكميةِ الغريبةِ عنه وعن مجتمعِه، وبذلك يعالجُ نفسَه.

وأن نظام الدفاع الذاتي هو نظام لكل الكائنات في الكون، فالمقاومة هي نوع من الدفاع الذاتي يبديها كل عنصر أو جسيم في الكون للحفاظ على وجوده، فالدفاع هنا يشمل كل أفراد الجماعة البشرية، بما فيهم النساء، فوظيفة الدفاع الذاتي شاملة لا يستثنى منها أحد ولا تقتصر على نوع أو جنس معين، وقد سعيت منذ ثمانينات القرن العشرين لإبراز دورها ورفع شأنها في عملية النضال والكفاح التحرري، تأكيدًا على دورها في الدفاع الذاتي والذود عن أمتها ومجتمعها.

وكل هذه الأفكار هي غيض من فيض، فهذا ما استطاعت أن تخطه أناملي على عجالة، ولكن أفكارك وآرائك هي نبع لا ينفذ ننهل منها ولا نكتفي، وأخيراً وليس آخراً أتمنى أن تصلك رسالتي وأنتم في تمام الصحة، وكمال العافية، كما آمل أن تكون قريباً بين أحضان جبال كردستان الشامخة، وروابيها الخضراء، وأن يداعب هواءها العليل تقاسيم وجهك الباسم النابض بالأمل، وتحتضنك نسماتها الدافئة الممزوجة بالحرية، وتطوف حولك حمائم السلام حاملة أغصان الزيتون التي قد تميل ولكنها أبداً لا تنكسر.

 

نص رسالة سحر حسن باحثة أكاديمية في تاريخ مصر الحديث والمعاصر:

أُرسل لسيادتكم تلك الرسالة بعد أن أطلعت على أفكاركم وقرأت لكتابتكم عن المرأة والتي جعلتني أطلق عليها من خلال أفكاركم وآرائكم "أنها مفتاحاً للحياة" بل هي كل الحياة. فإن الصورة الذكورية في مؤلفاتكم لم يُعد فيها الصبغة الندية للمرأة في الشرق الأوسط، بل نجدها قد صُبغت بحس الاهتمام والرعاية بل والتقديس لذات المرأة أيما كانت. حيث صار هذا الفكر وتحول إلى دراسة ما يُسمى بعلم المرأة "جنولوجي" التي استحقت في نظر العالم من خلال طرحكم الإيجابي أن تكون نقطة انطلاق إلى عالم الحرية المنشودة فمن بدايتها تبدأ رحلة الحرية وبحريتها تتحرر الأمم.

وانطلاقاً من إيماننا بأفكاركم في الحرية والمساواة والتكامل والتسامح والتعايش السلمي بين كل القوميات في المجتمعات، فقد باتت قضيتكم من أهم قضايا الشرق الأوسط التي لو حُلت لعاش المجتمع الشرق أوسطي في سلام وأمان. ونحن نؤمن بهذا. فالقضية الكردية هي الوجه الآخر للقضية الفلسطينية. ومنذ 26 عاماً وقد قُوضت هذه القضية بعزلكم بمعزل انفرادي ولم يُسمح لكم حتى بالزيارات إلا في القليل النُذر. وأن هذا المعزل هو أكبر دليل على صدقكم وصدق القضية. وبالرغم من كتم هذا الصوت، إلا أنه أستطاع أن يصل إلى كل ربوع الأرض ليُنادي بالحرية والسلام هكذا كانت أفكاركم التي أصبحت هي المخرج الوحيد لحل كل قضايا الشرق الأوسط.

وفى الختام لا يسعني إلا أن أُرسل لسيادتكم تحية إجلال وتقدير من امرأة مصرية تعتز بكونها كامرأة تؤمن بحقكم في الحرية. وهي تلك التي صارت من خلال كتابتكم وأفكاركم محوراً للأحداث بل ومحركاً لها في المجتمع العربي والشرق أوسطي.

 

نص رسالة نيفين نمر عادل عبد العال وهي امرأة من غزة:

تحية حرة من أرض فلسطين، من قلب المعاناة، من غزة الصامدة والمحبوسة بين أنياب الظلم والجدران.

أكتب إليك يا من حملت لواء الحرية في وجه كل أشكال القهر، ورفعت صوتك عالياً دفاعاً عن المرأة، عن إنسانيتها عن كرامتها، وعن دورها العظيم في صناعة المجتمعات المقاومة الواعية.

نشكرك من أعماق قلوبنا على ما زرعته من فكر ووعي تحرري يعيد للمرأة موقعها الطبيعي في مسار النضال والكرامة. لقد كانت كلماتك عن المرأة ثورة فكرية بح ذاتها، ومصدر إلهام لكل من تؤمن بأن الحرية لا تُبنى على تهميش نصف المجتمع، بل تنهض من وعي المرأة بذاتها ودورها.

أكتب إليك وأنا ابنة الشهداء... فقدتُ أمي وإخوتي جميعاً في حرب لم تترك لنا إلا الحزن والوجع، وأعيش اليوم وحدي، أقاوم في هذه الحياة القاسية، أتمسّك بما تبقى من نور في زوايا العتمة، وأسير على دربهم ودرب كل من سبقنا على طريق الحرية.

وأنا، ابنة غزة، أكتب إليك محمّلة بوجع النساء هنا، حيث الحرب والدمار والحرمان صارت يومياتنا، وحيث المرأة تُقاتل في كل لحظة على جبهات لا تُحصى: جبهة البقاء، جبهة الأمومة، جبهة التعليم وجبهة الكرامة... نساء غزة يقفن في العتمة وحدهن أحياناً، محرومات من أبسط حقوقهن، ومع ذلك، لا تنكسر أرواحهن. هنّ يربين الحياة وسط الركام، ويحملن الوطن في أحضانهن وأرحامهن، لأننا نؤمن أن المرأة ليست ضحية، بل فاعلة، وقائدة وصانعة للمستقبل.

نعلم أن صوتك قد اخترق جدران الصمت الطويل، ونأمل أن يصل صدى صرخاتنا إليك، فتصير كلمتك ضوءً آخر في ليل غزة الطويل. لقد كنت من القلائل الذين رفعوا صوتهم عالياً من أجل المرأة، لا كشكل أو شعار، بل كقيمة ومعنى وركن أصيل في مشروع تحرري شامل. وأنا، كابنة غزة وابنة الشهداء، أجد في كلماتك ما يواسي الغربة، وما يُلهم الإرادة، ويعيد لي يقيني بأننا لسنا وحدنا في هذه المعركة.

شكراً لك، لأنك منحتنا رؤية تُعيد بناء الذات، وتمنحنا لغة نكتب بها وجعنا وكرامتنا في آن واحد.

كلمتك نبراس في عتمة هذا العالم الصامت.

لك من بنات فلسطين، ومن ابنة الشهداء، كل الوفاء والامتنان.

لك منا كل التقدير، ومن نساء فلسطين تحية مقاومة، مملوءة بالأمل، رغم كل شيء.