قطع المياه جريمة مستمرة تهدد صحة سكان إقليم شمال وشرق سوريا

أعلنت الجهات المعنية بشؤون المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا، أن النساء يعانين من مشاكل صحية خطيرة بسبب نقص المياه، الناتج عن سيطرة الدولة التركية على الموارد المائية، ما فاقم الأزمة الإنسانية بشكل حاد.

سوركل شيخو

تل تمر ـ تُعدّ مشكلة المياه مشكلة رئيسية وملحة في إقليم شمال وشرق سوريا، حيث يعاني خمسة ملايين شخص من أزمة مياه مستمرة منذ أكثر من خمس سنوات، وتواجه المنطقة نقصاً في مياه الشرب نتيجة انخفاض منسوب المياه، وتدهور شبكات المياه وانخفاض القدرة التشغيلية لمحطات المياه بسبب القصف والاستهداف المباشر.

في إقليم شمال وشرق سوريا، جفّت نهري الخابور وزركان وانخفض معدل نهر الفرات، نتيجة استخدام الدولة التركية للمياه كسلاح سياسي، خاصة عبر محطة علوك التي تخدم أكثر من 5 ملايين شخص، وهذا النقص الحاد أدى إلى تفشي الأمراض المنقولة بالمياه وزيادة الضغط على الصحة والتعليم، مما أثر بشكل خاص على النساء والفتيات جسدياً ونفسياً، ففي مدينة تل تمر، حيث يعيش 72 ألف نسمة من السكان واللاجئين، تحدثت يسرى الخطبان من دائرة المياه عن أسباب الانقطاع والجهود المبذولة لدعم الأهالي.

 

"أزمة المياه سلاح سياسي يهدد حياة النساء ويعمّق معاناة اللاجئين"

أفادت يسرى الخطبان أن أزمة المياه تُعد من أعمق المشكلات التي تواجه النساء في إقليم شمال وشرق سوريا، خاصة في مقاطعة الجزيرة، مشيرةً إلى أن احتلال تركيا لمدينتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض/كري سبي والسيطرة على محطة مياه علوك فاقم هذه الأزمة، حيث يعاني أكثر من خمسة ملايين شخص منذ أكثر من خمس سنوات، وتؤثر هذه الأزمة بنسبة 95% على النساء، مما يدفعهم لبذل جهود كبيرة لتقديم الدعم.

وأوضحت أن بلدية الشعب توفر خدمات المياه لـ 14 ألف أسرة من السكان واللاجئين، عبر ثلاثة آبار تخدم ثلاث قرى مجاناً، بالإضافة إلى بئرين يخدمان المدينة والمناطق الريفية، مؤكدةً أن رغم محدودية الإمكانات، فإنهم يسعون لتقديم ما يستطيعون لأبناء شعبهم.

كما أشارت إلى أن الحل الوحيد المتاح حالياً هو حل مؤقت لا يصلح كخطة استراتيجية طويلة الأمد، ويتمثل في تسهيل إصدار تراخيص حفر الآبار بشرط أن تحفر كل ثلاث عائلات بئراً، في ظل تزايد التصحر وتناقص المساحات الخضراء، محذّرةً من أن المياه الجوفية أيضاً في تناقص مستمر نتيجة الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، مما ينذر بأزمة مستقبلية خطيرة.

ودعت يسرى الخطبان في ختام حدثيها إلى حل مشكلة محطة علوك "إنها قضية إنسانية، وعلى الأمم المتحدة والدول المؤثرة التدخل لحلها، لأن استيلاء الدولة التركية عليها زاد من تفاقم مشكلة المياه، إنها تريد الضغط على شعوب إقليم شمال وشرق سوريا من خلال السيطرة على هذه المحطة".

 

شحّ المياه أزمة تؤجّج معاناة النساء وتستدعي حلولاً عاجلة

بدورها، أكدت فادية العوض أن شحّ المياه يُعدّ مشكلة بيئية واجتماعية خطيرة، موضحةً أن "تأثيراته تتجاوز الجانب المادي لتشمل أبعاداً اجتماعية ونفسية تؤثر على جميع أفراد المجتمع، خاصة النساء، فنقص المياه أدى إلى زيادة الضغوط النفسية والعاطفية، وارتفاع مستويات القلق والاكتئاب لدى النساء، كما أثّر سلباً على حياتهن الأسرية وعلاقاتهن الاجتماعية، وتسبب في تعرضهن للعنف والإساءة القائمين على النوع الاجتماعي".

وقد ذكرت فادية العوض مجموعة من الحلول والاقتراحات للتغلب على أزمة المياه، مؤكدةً على ضرورة أن تشمل حماية حقوق المرأة تأمين وتوفير موارد المياه في جميع الظروف، سواء في حالات الاستقرار أو أثناء الحرب والصراع، لما لذلك من أهمية في تعزيز الأمن والحماية".

كما دعت فادية العوض إلى التعاون بين المنظمات الإنسانية والمؤسسات المحلية لتنفيذ مشاريع مياه وتقريب مصادرها من منازل المدنيين، لتجنب اضطرار النساء إلى قطع مسافات طويلة لجلب الماء، وهو ما يشكل عبئاً نفسياً وجسدياً عليهن، ويتسبب في انقطاعهن عن العمل أو الدراسة، مما يستدعي إيلاء هذا الأمر أهمية قصوى.

 

"تلوث المياه خطر صحي يهدد النساء والأطفال"

تحدثت نالين يونس، العاملة في قسم التوعية الصحية وعضوة الهلال الأحمر الكردي، عن التأثيرات الصحية الخطيرة الناتجة عن استخدام المياه غير النظيفة، مؤكدة أن "هذا الماء يُعد السبب الرئيسي لانتشار الأمراض بين النساء والأطفال والمجتمع بشكل عام، ومن أبرز هذه الأمراض التهابات المجاري البولية، الفطريات، والالتهابات الجلدية، كما أن النساء الحوامل يتأثرن بشكل خاص، مما يؤدي إلى تشوهات خلقية للجنين وحالات ولادة مبكرة".

وأشارت نالين يونس إلى "سبب إضافي لتفاقم الأمراض، يتمثل في الهجمات التي تتعرض لها المنطقة، والتي أدت إلى تسرب المواد الكيميائية ومخلفات الحرب إلى التربة، ومنها إلى المياه الجوفية، مما تسبب في أزمة بيئية خطيرة"، موضحةً أن السكان اضطروا إلى حفر مئات الآبار خلال السنوات الـ 14 الماضية، وقد تلوثت شبكات المياه بالجير وصدأ بعضها، مما يشكل خطراً صحياً كبيراً، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع حالات تشوه الأجنة، العقم لدى النساء، وانخفاض وزن المواليد الجدد".

وفي ختام حديثها، شددت نالين يونس على أهمية البحث عن بدائل صحية، مشيرةً إلى أن "ضخ مياه محطة علوك ونهر الخابور يُعد حلاً لا غنى عنه، كما أوصت باستخدام فلاتر المياه، أو اللجوء إلى طرق تنقية بسيطة مثل غلي الماء أو تعريضه لأشعة الشمس، التي تمنح الماء فوائد صحية وفيتامينات طبيعية".