نساء يصنعن جمال المكان... صيف الفنون ينبض بأصالة الجنوب الليبي

اختتمت جمعية "البيت الأصيل" للفنون والتراث في سبها فعاليات برنامج "صيف الفنون" بمعرض واسع حمل شعار "بالفن نرتقي"، استمر أربعة أيام داخل قاعات الجمعية بمنطقة الجديد، بمشاركة نساء من سبها ومناطق الجنوب الليبي.

منى توكا

ليبيا ـ أجمعت المشاركات في المعرض على أن الفن والحرف اليدوية ليست مجرد هواية، بل وسيلة للتمكين الاقتصادي وبناء الثقة، مؤكدات أن البرامج التدريبية منحت النساء فرصة لاكتساب مهارات جديدة وتحويلها إلى مصدر دخل يعزز حضورهن في المجتمع.

داخل أروقة جمعية "البيت الأصيل" للفنون والتراث في منطقة الجديد بمدينة سبها، اختُتمت أمس الأحد 30 تشرين الثاني/نوفمبر فعاليات "صيف الفنون" بمعرض واسع امتد أربعة أيام، حمل شعار "بالفن نرتقي" شكّل المعرض محطة مميزة لاختتام موسم حافل بالتدريب والإبداع والعمل الحرفي، حيث تزينت القاعات بعبق البخور، وألوان الخزف، وبريق الخرز، وحرف السعف، في لوحة حية تجسد جماليات الجنوب الليبي وثراء تراثه الثقافي.

 

صيف كامل من الدورات الفنية

وعلى هامش الفعالية، أوضحت عائشة معتوق السنوسي، عضو جمعية "البيت الأصيل"، أن المعرض جاء ثمرة برنامج تدريبي مكثف امتد على مدار أشهر الصيف الذي كان مليئاً بالدورات، قدمنا فن الكونكريت، وفن الهيد بيس، ودورات الخياطة والتطريز، وحتى ورش مرتبطة بفنون الحياة اليومية، كل دورة كانت خطوة جديدة نحو تمكين النساء ومنحهن فرصة لاكتساب حرفة ومصدر دخل "أطلقنا البرنامج باسم صيف الفنون، واليوم نختمه بمعرض يحمل شعار 'بالفن نرتقي' الهدف أن نصنع بيئة يتعلم فيها النساء، ويعملن، وينتجن، ويعرضن أعمالهن أمام المجتمع".

 

مشاركات من مناطق متعددة في الجنوب

لم يقتصر الحدث على نساء سبها وحدهن، بل شاركت مجموعات من مناطق مختلفة، ما أضاف للمعرض روحاً متنوعة وقالت عائشة معتوق السنوسي "استقبلنا مشاركات من مؤسسة السعفية في غدوة التي تبعد 60 كيلومتراً عن سبها وكذلك من تراغن حضرت نقابة الصناعات التقليدية، ومن غات حضرت جمعية غات البداية، بالإضافة إلى عضوات الجمعية هنا في قسم الصناعات التقليدية"، لافتةً إلى أن وجود هذا التنوع أعطى للمعرض نكهة خاصة فكل منطقة جاءت بقطعة من روحها وتراثها.


         


        

زيارة لافتة من الوفد السياحي الأوروبي

وشهد اليوم الثاني من المعرض حضوراً بارزاً تمثّل في زيارة وفد سياحي أوروبي تجوّل بين الأجنحة واطّلع على المنتجات الحرفية والفنون النسائية المتنوعة، رافق الوفد كلٌّ من الشرطة السياحية ومكتب السياحة سبها، في جولة قالت الجمعية إنها تعكس اهتماماً متزايداً بالحركة الثقافية وإحياء الفنون الشعبية في الجنوب الليبي.

واستقطب المعرض اهتماماً واسعاً من أعضاء الوفد الذين تجولوا بين أركانه وتوقفوا مطولاً أمام الصناعات السعفية، والبخور التقليدي، والأزياء الشعبية، وقطع الخزف، حيث استمعوا إلى شروحات الحرفيات حول أساليب الإنتاج وما تحمله من رموز تراثية أصيلة، وقد وصف بعض الحضور المعرض بأنه "نافذة حقيقية على جنوب ليبيا"، مؤكدين أن الفنون اليدوية تمثل ركيزة أساسية في تعزيز السياحة الثقافية وجذب الزوار إلى المنطقة.

وجاءت هذه الزيارة ضمن نشاطات عام 2025 وبرعاية كل من المركز الوطني للمأثورات الشعبية، نقابة الصناعات التقليدية بالمنطقة الجنوبية، البخور ذاكرة نسائية تنتقل عبر الأجيال.

وأوضحت ناجية جداد إحدى المشاركات في المعرض والتي كانت جالسة في أحد أركانه، أن تعلم صناعة البخور يتم على يد المدربة عيشة تبردين، مشيرة إلى أن العملية ليست معقدة، إذ تعتمد على مزج مجموعة من المواد الطبيعية تشمل الجاوي، وعود الجماري، وعود البنجل، إضافة إلى مسحوق المسك والمستكا، وخمس برازيت، وبنت السودان. وبعد طحن هذه المكونات وخلطها، تُعجن باستخدام مادة "الأموية" لتشكيل البخور التقليدي الذي يعكس أصالة التراث المحلي.

وعن آلية التجفيف أكدت أن العملية تتم عبر ترتيب المواد جنباً إلى جنب وتركها تحت أشعة الشمس لمدة يومين حتى تجف تماماً، مشيرةً إلى أنه "في الوقت نفسه نواجه العديد من التحديات إذ ارتفعت أسعار المواد الأولية بشكل ملحوظ، فبعد أن كانت تُشترى بنحو 120 ديناراً، أصبحت تكلفتها تصل إلى 150 ديناراً، ما يضيف عبئاً اقتصادياً على الحرفيات ويؤثر في استمرارية الإنتاج".

ورغم ارتفاع الأسعار، شددت ناجية جداد إصرارها على مواصلة العمل، موضحةً أنها تواصل الإنتاج والبيع، وأن زبائنها يتواصلون معها بشكل دائم "أن كل مبلغ تجنيه تستثمره في تطوير مشروعها، بما يعكس روح المثابرة والتمسك بالحرفة رغم التحديات الاقتصادية".

 

السعفيات حرفة تتطور مع الزمن

في ركن آخر من المعرض، عرضت الحرفية فاطمة عبد العزيز مجموعة من السلال والوقف المصنوعة من السعف، وهي حرفة تقول إنها تمارسها منذ سبع سنوات، وأوضحت أن الصناعات السعفية كانت تقليدياً جزءاً من الأفراح وتجهيزات العروس والبيوت، لكنها مع مرور الوقت طوّرت عملها لتشمل صناعة سلال الخبز وقفف المناسبات، إضافة إلى أدوات تقديم الحلويات، لافتةً الانتباه إلى ضرورة إدخال هذه المنتجات في مجالات أخرى مثل حفظ التمر، البسيسة، المقروض، ما يعكس تطور الحرفة وارتباطها بالحياة اليومية.

وأوضحت أنها تحرص على المشاركة في معظم المعارض، مؤكدةً أن كل تجربة تمنحها فرصة لاكتساب مهارة جديدة وتوسيع خبرتها، مشيرةً إلى أن هذه الحرفة تمثل بالنسبة لها مصدر رزق ثابت وركيزة لمستقبل واعد.


         


        

الفن كأداة للتمكين الاقتصادي وبناء الثقة

وتؤكد الجمعية أن الهدف من "صيف الفنون" يتجاوز التدريب الفني، فهو مساحة لتمكين النساء من مهارات اقتصادية، وبناء ثقة، وتطوير مشاريع صغيرة قابلة للنمو.

وأوضحت إحدى المشرفات في جمعية "البيت الأصيل" أن الهدف من هذه البرامج هو تمكين المرأة عبر مسار متكامل يبدأ بالتعلم، ثم الإنتاج، وصولاً إلى العرض والبيع "أن هذا النهج يمثل الأساس لأي مشروع اقتصادي صغير ناجح، أن العديد من المشاركات تمكنّ بالفعل من تحويل أعمالهن إلى مصدر دخل، وهو ما يعكس الأثر الإيجابي لهذه المبادرات على حياة النساء وأسرهن".

 

ختام بروح فنية وبداية لمشاريع جديدة

اختتام "صيف الفنون" لم يكن نهاية، بل بداية لمرحلة جديدة، فقد أعلنت الجمعية عن نيتها إطلاق برامج تدريبية جديدة في الخريف والشتاء، وتوسيع دوائر التعاون مع جمعيات أخرى في الجنوب، وغادرت النساء المعرض وهن يحمِلن مع منتجاتهن قدراً كبيراً من الثقة، وشعوراً بأن الفن ليس مجرد هواية، بل مستقبل نبنيه بأيدينا.