نساء مغربيات تحذرن من تداعيات العنف النفسي ضد المرأة

في إطار حملة 16 يوماً لمناهضة العنف، دعت ناشطات مغربيات إلى تكثيف الجهود من أجل مواجهة ظاهرة العنف ضد النساء، سواء كان جسدياً أو نفسياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً.

رجاء خيرات

المغرب ـ أكدت المشاركات في الندوة التي نُظمت في المغرب، أن استمرار العنف الجسدي يؤكد الهيمنة الذكورية، في غياب الردع القانوني، رغم تواجد القانون 103ـ13 الذي لم يستطع الحد من الظاهرة.

نظم مركز النجدة لمساعدة النساء بمراكش، أمس الخميس 27 تشرين الثاني/نوفمبر، ندوة تحت شعار "كيف يؤثر المجتمع على نفسية المرأة وكيف نحمي النساء من العنف الظاهر والخفي"، حيث سلطت الضوء على الآثار السلبية للعنف النفسي على النساء، وما ينتج عنه من إعادة إنتاج العنف من جيل لجيل.

ووطالبت المتدخلات بضرورة التضامن والتكتل بين النساء من أجل محاربة الذهنية الذكورية التي تعيد إنتاج نفس أنماط التفكير، مما يتبع مع كل أشكال العنف، كما شددن على الاحترام المتبادل والتقدير للقضاء على الظاهرة واجتثاثها من جذورها.

 

أرقام تعكس هول الظاهرة

بحسب الأرقام الصادرة عن مركز النجدة لمساعدة النساء التابع لاتحاد العمل النسائي بمراكش، فإنه خلال السنة الأخيرة من تشرين الثاني/نوفمبر 2024 إلى تشرين الثاني/نوفمبر 2025 فإن المركز استقبل ما مجموعه 130 حالة عنف، و70 اتصالاً هاتفياً، وهو رقم يبرز حاجة ملحة إلى خدمات الدعم وارتفاع وعي النساء بضرورة طلب النجدة، في وقت لم تكن النساء قادرات على البوح بالعنف الممارس ضدهن، ثم العنف الاقتصادي والاجتماعي بـ 128 حالة بنسبة 24 في المائة، ويتجلى في عدم النفقة والطرد وإهمال الأسرة، ثم هناك العنف القانوني بـ 72 حالة أي بنسبة 13 في المائة، ثم العنف الجنسي بـ 99 حالة والعنف الجنسي الزوجي بـ90 حالة، حيث يبقى الاغتصاب الزوجي غير مجرم.

ويحتل العنف النفسي الصدارة من بين كل أشكال العنف، حيث سجل المركز 174 حالة أي بنسبة 33 في المائة، ثم العنف الجسدي 137 حالة أي بنسبة 26 في المائة، وبالتالي فالعنف النفسي أصبح أكثر انتشاراً لكونه أقل ظهوراً، وتم التطبيع معه. 

وبحسب الفئات العمرية فإن النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 35 ـ 45 سنة شكلن 51 حالة، أي بنسبة 39 في المائة من مجموع الحالات، ومن 25 إلى 34 سنة سجل المركز 30 حالة، أي بنسبة 23 في المائة.

وبالنسبة للمستوى العلمي للضحايا فإن أكثر الحالات التي وفدت على المركز لا تتجاوز المستوى الإعدادي والثانوي أي بنسبة 67 في المائة من مجموع الحالات، حيث تبقى هذه الحالات غير محمية اقتصادياً وتفتقر للوعي بحقوقها، بينما ربات البيوت يشكلن 81 حالة بنسبة 62 في المائة، وبالتالي فإن النساء العاملات يشكلن نسبة أقل لكونهن مستقلات.

 

من أجل عالم خال من العنف

وقالت الكاتبة العامة لفرع اتحاد العمل النسائي بمراكش سعيدة الوادي إن الأيام الأممية لمناهضة العنف تأتي كدعوة قوية للتوعية بأهمية الاحترام المتبادل وتعزيز العدالة والمساواة بين الأفراد، مشيرة إلى أن العنف لا يقتصر فقط على الأذى الجسدي، بل يمتد ليشمل العنف اللفظي والأسري وعنف التمييز وغيره من أشكال العنف، مما لا يؤثر على النساء وحدهن، بل يمتد للأفراد والمجتمعات بأسرها.

وأضافت "إننا جميعاً نتحمل مسؤولية محاربة هذه الظاهرة المدمرة، كما أن اتحاد العمل النسائي منذ نشأته سنة 1987 لم يدخر جهداً في الدفاع عن حقوق النساء ومناهضة العنف المبني على النوع بشتى أشكاله إلى جانب الجمعيات المشتغلة بالمجال".

ودعت إلى عالم خال من العنف يسوده الاحترام والتعاون والحب، لافتة إلى أن كل خطوة صغيرة في محاربة العنف هي مساهمة في بناء مجتمع أكثر عدلاً وأماناً للجميع، وقالت "فلنكن صوتاً لكل من لا صوت له ولا يستطيع الدفاع عن نفسه ولنعمل على نشر الوعي بحقوق الإنسان وتوفير بيئة آمنة لجميع الأفراد".

وشددت على أهمية التضامن والتكتل لجميع مكونات المجتمع من أجل الحد من هذه الظاهرة المدمرة، خاصة بالنسبة للآثار النفسية التي يخلفها العنف على النساء.

 

 

العلاقات السامة تعيد إنتاج العنف

ومن جهتها أكدت الناشطة الحقوقية والأخصائية النفسية صوفيا الرجواني أن المجتمع يمارس ضغطاً نفسياً على النساء، لأنه يلزمها بالصمت لكونه "الصفة المثالية" التي ينبغي أن تتحلى بها المرأة، علما أن الصمت في مفهومه الشامل هو حكمة، لكنه لا يعني في جوهره أن يكون صمتاً على الظلم وعلى القهر والاستغلال، وبالتالي فالنساء مطالبات بأن يحمين أنفسهن من كل أشكال العنف ويكسرن جدار الصمت للدفاع عن حقوقهن الإنسانية.

وانتقدت بعض الأفكار السائدة في المجتمع والتي ارتبطت بالنساء مثل "الزواج سترة للمرأة"، لافتة إلى أن الزواج حتى في المفهوم الديني لم يكن سترة وإنما هو "مودة ورحمة" للطرفين معاً، وحتى عندما تستحيل العشرة فإن الطلاق يكون بإحسان، وبالتالي، تؤكد أن هناك حوار اجتماعي مُفْرَغ من معانيه الحقيقية ومغلف بطريقة، تساهم فيها حتى النساء أحياناً، خاصة في تربية الأطفال، حيث الفتيات يقمن بأعمال البيت والذكور منشغلون بأمورهم الخاصة.

ودعت إلى انخراط النساء في إثبات ذواتهن، دون الانتساب إلى الأزواج "زوجة الدكتور أو زوجة المهندس"، في حين يتم إغفال أهمية تحقيق النساء لمشاريعهن الخاصة، بعيداً عن الأزواج والأبناء.

ونبهت إلى خطورة العنف النفسي على النساء باعتباره أشد من كل أشكال العنف، لأنه عنف غير ظاهر، بل حتى الضحية لا يمكنها الحديث عنه، وغالباً ما تفضل الصمت، لأن هذا العنف لا يترك أثراً بارزاً مثلما الشأن بالنسبة للعنف الجسدي، وبالتالي يبقى بدون إثبات.

وأبرزت أن العديد من النساء اللواتي يتعرضن للعنف النفسي لا يستطعن إثباته، لأن الزوج المعنف غالباً ما يكون إنسانا لطيفاً مع كل العائلة، إلا مع الزوجة، مما يجعله بعيداً كلياً عن كل الشبهات التي يمكن أن تلحق به، رغم بوح الزوجة التي غالباً ما لا يأخذ كلامها محمل الجد، مؤكدة أن ذلك يجعلها تشكك في نفسها وفي صدق مشاعرها وتنتهي بالتطبيع مع هذا العنف وتقبله، بعد أن تفشل كل محاولاتها للانفكاك من قبضة زوج نرجسي.

ولفتت إلى أن بعض النساء يعشن في إنكار دائم للمعاناة التي عشنها في حياة زوجية لم يجنين منها إلا الأمراض الجسدية والنفسية على مدى سنوات طويلة، مفضلات الاستمرار في الإنكار بدل المواجهة، مدعيات أنهن عشن حياة زوجية جيدة وكافحن من أجل أن يستمر زواجهن، حيث يصعب عليهن الاعتراف بكونهن أمضين سنوات طويلة كن فيها مخطئات بحق أنفسهن.

ودعت صوفيا الرجواني إلى التضامن بين النساء بدل التنافس ونهج المقارنات غير المنصفة، لكون المجتمع الذكوري يتغذى على التنافر بين النساء.

كما شددت على أهمية تقبل الجسد الأنثوي كيفما كان باعتباره الحاضن للحياة "على المرأة أن تكرم نفسها كشخص وتقدر ذاتها، بعيداً عن إثارة إعجاب الرجل، وحتى لا نسقط في إعادة إنتاج نفس الذهنية الذكورية التي تكرس للصور النمطية حول النساء".

وأنهت حديثها بالتأكيد على ضرورة التعمق في فهم جذور العنف بدل الاكتفاء بمظاهره الخارجية، مشيرة إلى أن النساء هنّ من يربين النصف الآخر الذي يعود ليمارس العنف عليهن، داعية إلى تعزيز روح التضامن بين النساء ومدّ اليد الواحدة لمواجهة هذه الظاهرة ومحاربتها.