حرية الإبداع في تونس بين القمع والتجريم... تقرير يوثق الانتهاكات

يمثل الحق في الإبداع ركناً أساسياً لإرساء الأنظمة الديمقراطية، ولا يمكن الحديث عن هذا الحق دون حرية التعبير والرأي، ومن الواجب حماية المبدعين وحقهم في تقديم أعمالهم الفنية بعيداً عن الهرسلة وانتهاك هذا الحق.

تونس ـ أجمع المشاركون في ندوة صحفية حول التضييق على الحريات في تونس، على أن حرية الإبداع في تونس تواجه تهديدات ممنهجة تتطلب إصلاحاً عاجلاً، مؤكدين على ضرورة مراجعة التشريعات القامعة وضمان استقلال المؤسسات الثقافية والإعلامية.

عقدت جمعيتا "تقاطع" و"المساءلة الاجتماعية" ندوة صحفية أمس الثلاثاء 30 أيلول/سبتمبر، تم خلالها عرض تقرير بعنوان "المبدعون بين السجن والمنع" والذي يغطي الفترة من شباط/فبراير 2021 حتى تموز/يوليو  الماضي.

تناول التقرير واقع حرية الإبداع في تونس، مستنداً إلى توثيق دقيق لحالات متعددة وشهادات موثقة، بالإضافة إلى مراجعة وثائق قضائية وإدارية وتحليل مضامين الإعلام العمومي، ويهدف إلى رصد حجم الانتهاكات التي تطال المبدعين، وتحديد أنماطها وتأثيراتها على المشهد الثقافي وأدواره المجتمعية.

ووثق التقرير 15 حالة انتهاك للحق في حرية الابداع تمثلت في ثمانية حالات تتبع عدلي لفنانين على خلفية أعمالهم وسبعة حالات منع ومصادرة لأعمال فنية وأدبية، ولفت إلى بروز أنماط متكررة شملت المحاكمات المضمون الفني، والاعتداءات وحذف مقاطع من أعمال درامية ومصادرة كتب وأفلام وحملات تشويه رقمية ورقابة ذاتية.

وخلص التقرير إلى أن ما يبدو من حوادث متفرقة هو في الواقع أزمة ممنهجة تستدعي إصلاحاً جذرياً، يبدأ بمراجعة المنظومة التشريعية لإلغاء النصوص القامعة لحرية التعبير الفني، وإسقاط القضايا المرتبطة بالأعمال الإبداعية، مشدداً على ضرورة ضمان استقلالية المؤسسات الثقافية والإعلامية، وتحرير معايير حرية التعبير من القيود، إضافة إلى توفير فضاءات آمنة للإنتاج والعرض، بما يعيد الاعتبار لحرية الإبداع كحق أساسي لا غنى عنه في بناء مجتمع ديمقراطي متوازن.

وتطرق إلى الانتهاكات التي طالت الفنانين والفنانات والكتاب والكاتبات الذين تم انتقاد أعمالهم ذات التوجه السياسي للسلطة، بل وصل الأمر وفق التقرير التتبع القانوني والمتابعة التعسفية للمبدعين والمبدعات وصولاً للإيداع بالسجن وتسليط أحكام سالبة للحرية في حقوقهم.

وأكد المتحدثون على أن تونس قد حققت تقدماً ملحوظاً في مجال حرية الابداع في مختلف المجالات، ومنذ الثورة 2011 أصبح الحراك الفني جزءً لا يتجزأ من التطورات السياسية إذ أن وضع المشهد الثقافي يرتبط ارتباطاً وثيقاَ ومباشراَ بإرادة السلطة السياسية وتوجهاتها، حيث عرف المجال الفني زمن الانتقال الديمقراطي إشعاعاً وحرية لم تكن متاحة في زمن ما قبل الثورة على غرار ظهور نوع جديد من الغناء والذي أصبح متاحاً بعد انتهاء سنوات "الصنصرة" وهو الراب الذي كان أحد أهدافه نقد الجهاز البوليسي والسلطة السياسية  والقمع الذي كان الشعب التونسي يعاني منه.

وأشاروا إلى أن المجال الثقافي يتعرض اليوم إلى تضييقيات واضحة وبات النقد الفني سبباً لإيقاف الفنانين أو مصادرة أعمالهم  وشمل رسامين ومغنيين وكوميديين ومخرجين وكتاب من قبل السلطة ومؤسساتها.

 

"الفنان يحمل معاناة شعبه ويحاول فضحها"

وقالت غفران الفريجي، مديرة برنامج الجندر والأقليات في جمعية تقاطع من أجل الحقوق والحريات، إن الابداع حق أساسي، منددة بالانتهاكات التي ارتكبت منذ تموز/يوليو2021 بحق المبدعين والمبدعات والتي مست العديد من الأعمال سواءً في التلفزيون أو المنشورة على اليوتيوب كالراب، لافتةً الى أن أساليب التجاوزات التي استهدفت المجال الفني حيث أصبح القانون وسيلة للضغط السياسي تجاه العديد من الأعمال التي كانت موجهة للشباب وفيها رمزية لاعتبار الأخيرة أحد طرق التعبير عن الوضع والغضب.

وأفادت أن التقرير تطرق إلى التجاوزات وكيف يحدث الضغط السياسي عبر القضاء وماهي تلك الأعمال وكيف تم التعامل معها وكيف بات الفنانين والفنانات تحت رقابة ذاتية في محاولة لعدم مس السلطة أو إغضابها.

واعتبرت أن الفنان يحمل معاناة شعبه ويحاول فضحها علناً للإصلاح وللضغط في اتجاه المصلحة، لكن بات هناك نوعاً من الترهيب والتخويف للشباب لمنعهم من عدم ممارسة الحرية والتعبير عن مختلف القضايا "أهم شعارات الثورة هي الحرية ولكن اليوم بات الشباب يخشى التعبير خوفاً من التنكيل والتتبع القضائي، وتمتنع تلك الفئة عن تقديم نموذج لفن معين بسبب هذه التراجعات في حرية التعبير".

وتساءلت "هل فقدنا حرية التعبير والإبداع؟، من المهم التنديد للتوقف عن هذه التجاوزات في حق المبدعين، يجب تحرير الأقلام والأصوات والتعبير علناً عن قضايانا، الصمت ليس الحل وبالتالي نواصل المقاومة لاستعادة حريتنا أبرز مكاسب الثورة التونسية، من المهم إيقاف هذه الممارسات التي تزج بشبابنا في السجن".

وأكدت أن ترسانة القوانين جاءت لحماية الناس لا لقمعهم  والزج بهم في السجن، معبرةً عن أسفها من أن تصبح "الكلمة جرم" مشيرةً إلى وجود تخوفات من تراجع مشاركة الشباب في الحياة الاجتماعية والسياسية نتيجة التخوفات من السجن "كل شيء يخضع لرقابة مسبقة وهذا مزعج، لاعتبار هذا التصرف يمنع الشباب من التواجد والمشاركة".