ندوة حوارية تبحث أسباب الانتحار وسبل مواجهته في إقليم شمال وشرق سوريا

بمشاركة واسعة من مختلف مناطق إقليم شمال وشرق سوريا عقد مجلس المرأة ندوة حوارية في مقاطعة الرقة، لتسليط الضوء على أسباب ظاهرة الانتحار والحلول المقترحة للحد منها.

الرقة ـ ناقشت المشاركات والمشاركون في ندوة حوارية سبل الحد من ظاهرة الانتحار، عبر تقديم الدعم النفسي والتربوي، وتفعيل دور المؤسسات المدنية والإعلامية في نشر ثقافة الأمل والتضامن.

نظّم مجلس المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا، اليوم الخميس 10 تموز/يوليو ندوة حوارية في مقاطعة الرقة بمشاركة واسعة من مختلف مناطق الإقليم، تناولت ظاهرة الانتحار المتزايدة في المنطقة، وذلك تحت شعار "لنعمل معاً من أجل إحياء الأمل" وسلطت الضوء على الأسباب والحلول الممكنة، وكيفية تعزيز الوعي المجتمعي بمخاطرها النفسية والاجتماعية، وما تتركه من آثار سلبية على الأفراد والمجتمعات.

وتضمن برنامج الندوة جلستين تناولت كل جلسة محورين، وقد تناول المحور الأول من الجلسة الأولى الانتحار وأسبابه وتداعيته، وقالت عضوة إدارة مجلس منظمة "سارا" نصرية محمود التي أدارت المحور "للانتحار أسباب عديدة منها نفسية كالاكتئاب الحاد والقلق أو الهوس، وأسباب اجتماعية كالتفكك الأسري والتنمر، بالإضافة إلى الضغط المجتمعي أو العار المرتبط بالفشل، وكذلك أسباب صحية مرتبطة بالأمراض النفسية والمزمنة، إلى جانب أسباب مادية واقتصادية كتراكم الديون وعدم القدرة على سدادها".

وأشارت إلى أثار وتداعيات الانتحار على المجتمع كالأسرة والصحة النفسية للمجتمع، وحالات الانتحار والتي تزداد مع تداول أخبار الانتحار بشكل غير مدروس، وكذلك خسارة اقتصادية بفقدان أفراد منتجين في المجتمع، إضافة إلى الجانب الأخلاقي والروحي، فالكثير من المجتمعات تعتبر الانتحار محرماً أو مرفوضاً دينياً.

وفي المحور الثاني من الندوة، فتناول نظرة الأديان السماوية إلى مسألة الانتحار، وذلك في سياق مؤتمر "الإسلام الديمقراطي" مؤكدة على إجماع الأديان الكبرى في رفض هذه الظاهرة، مشيرةً إلى أن غالبية المذاهب تعتبر الانتحار ذنباً كبيراً، مستندة بذلك إلى كتابات مفكرين مؤثرين من العصور الوسطى، مثل القديس أوغسطينوس والقديس توما الأكويني، الذين شددوا على قدسية الحياة وحرمة الاعتداء على النفس، متطرقة إلى المنظور اليهودي، الذي يصنف قتل الإنسان نفسه كمعصية من كبائر الذنوب، ويعتبر المنتحر خارجاً عن طاعة الإله، وهو ما ينعكس على الطقوس الجنائزية الخاصة به، أما من وجهة نظر الإسلام، فقد شددت على أن الانتحار يُعد إثماً عظيماً لا يُغتفر.

وبعد انتهاء الجلسة الأولى، فُتح باب النقاش أمام الحضور، حيث تركزت الآراء حول الانتحار الناتج عن الابتزاز الإلكتروني الذي يستهدف الفتيات بشكل خاص، بالإضافة إلى الاستخدام الخاطئ للإنترنت كعامل مؤثر في تفاقم هذه الظاهرة.

وتناول المشاركون الأسباب الاجتماعية والنفسية التي تدفع بعض النساء إلى إنهاء حياتهن، وفي مقدمتها الضغوطات المجتمعية المستندة إلى مفاهيم "الشرف"، والذهنية الذكورية والطبقية، والأدوار النمطية المفروضة على المرأة، والتي تحدّ من حريتها وكرامتها.

كما شدد الحضور على ضرورة البحث العميق في جذور هذه الظاهرة، معتبرين أن الانتحار ليس قراراً آنياً بل هو نتيجة لتراكمات وضغوط طويلة الأمد، داعين إلى تعزيز حملات التوعية، لا سيما في المدارس والجامعات، لتوجيه الفتيات وتمكينهن من مواجهة التحديات الاجتماعية والنفسية.

وعلى هامش الندوة قالت عضوة منسقية مجلس المرأة أمينة عمر "عقب ازدياد حالات الانتحار خصوصاً في مقاطعات كوباني والطبقة والرقة، وكمجلس المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا بكافة المنظمات ومؤسسات المرأة التي تنضوي تحت مظلة المجلس، أردنا تسليط الضوء على الأسباب التي تدفع بالنساء وكذلك الرجال إلى الانتحار خصوصاً الأسباب الاجتماعية كالعنف الأسري والوضع المعيشي، واللجوء للانتحار للهروب من المشاكل".

وعن أسباب تناول الجانب الديني ونظرته للانتحار أوضحت "يتمتع مجتمعنا بالطابع العشائري والديني والإسلام الملتزم، لذا أردنا التطرق إلى هذا الجانب أيضاً كون جميع الأديان تحرم الانتحار وقتل النفس".

ولفتت إلى أنهم سيخرجون بجملة من التوصيات على أساس النقاشات التي تدور في الندوة، مبينة أن جميع الحاضرين هم من المؤسسات المسؤولة ومنظمات حقوق الإنسان والمرأة، والإدارة الذاتية معنيين بطرح الحلول للحد من هذه الظاهرة".

أما الجلسة الثانية تناولت محورين وهما الأسباب النفسية للانتحار والنزاعات والحروب وتداعياتها على حياة الإنسان وفق البروتوكولات الدولية.

وسلّطت نائبة هيئة المرأة في مقاطعة الجزيرة مايا شابو، الضوء على واقع إقليم شمال وشرق سوريا الذي شهد في الفترة الأخيرة صراعات متعددة الأطراف، ضمت تنظيمات متطرفة، قوى محلية، وأطرافا إقليمية، وأدت هذه النزاعات إلى تهجير واسع للسكان الأصليين وتدهور في الأوضاع الأمنية والخدمية، كما رافقت العمليات العسكرية انتهاكات خطيرة، شملت الاعتقالات والتهجير القسري والتغيير الديمغرافي، مؤكدةً على أن الآثار النفسية للحروب والنزاعات تطال جميع فئات المجتمع من رجال ونساء وأطفال، مسببة صدمات نفسية، واكتئاباً وقلقاً قد تصل في الكثير من الأحيان إلى حد الانتحار.

واختُتمت الندوة بمجموعة من التوصيات الهادفة إلى التصدي لظاهرة الانتحار وتحسين الوضع النفسي والاجتماعي أبرزها، تقديم الدعم النفسي والصحي للمحاولين على الانتحار، وتعزيز دور الإدارة الذاتية في تحسين الظروف المعيشية للشباب، إلى جانب نشر التوعية عبر وسائل الإعلام والإبلاغ عن حالات التفكير بالانتحار، كما أكّدت التوصيات على أهمية دور الأسرة في رفع وعي الأهل، وأهمية توجيه المراكز البحثية لدراسة القضايا الاجتماعية والانتحار على وجه الخصوص، وعقد ورشات عمل لتحليل جذور المشكلة ضمن الكومينات والمجالس، بالإضافة إلى فتح مراكز للاستشارات القانونية لضحايا العنف والاغتصاب والتحرش.