متطوعة في مشفى السويداء تروي تفاصيل أربعة أيام مروعة

صوت رغد أبو عساف يخرج من بين ركام الضحايا ليخترق جدران التجاهل، في محاولة أخيرة للنجاة بالذاكرة والكرامة، وللحث على تحرك عالمي يُنقذ ما تبقى من حياة في وجه الموت المنظم.

روشيل جونيور

السويداء ـ في زمن تتسابق فيه الأزمات وتغيب فيه العدالة، تنبعث من قلب مدينة السويداء السورية شهادة لا تُنسى، تدون فيها المتطوعة رغد أبو عساف تفاصيل أربعة أيام مروعة داخل غرفة التكفين في أحد المشافي المحاصرة حيث تحولت السويداء إلى مسرح لجريمة ممنهجة لا يمكن أن تُبرر بأي ذريعة.

تروي المتطوعة رغد أبو عساف تجربتها المؤلمة داخل أحد المشافي عقب فك الحصار الذي استمر لأيام، حيث لم تكن من موظفي القطاع الحكومي، بل دفعتها إنسانيتها للتطوع والانضمام إلى فريق تجهيز وتكفين الجثث، وخلال أربعة أيام فقط، واجهت مشاهد تفوق الوصف، عكست حجم الكارثة التي ألمت بأهالي المدينة، وتركت أثراً بالغاً بداخلها.

وعن المشاهد المروعة التي شهدوها، تقول "عثرنا على عدد كبير من القتلى من أبناء المدينة، وقد قُتلوا بطرق مروعة. من بين الضحايا، شخص وُجد مكبل اليدين والقدمين، وقد قُطع رأسه وأُحرق جسده حتى التفحم، لتظهر أضلاعه بشكل مأساوي، كما رأينا نساء تجاوزن سن الستين، وقد قُتلن بوحشية، وكانت ملابسهن تدل بوضوح على تقدمهن في السن وعجزهن، إلى جانب هؤلاء، كان هناك عدد كبير من المدنيين قضوا بطرق وحشية بغض النظر عما إذا كانوا يحملون سلاحاً أم لا".

ولفتت إلى أن الحصار الذي فرض على المشفى كان من أكثر المشاهد إيلاماً التي شهدتها السويداء، فقد استهدف مكان يفترض أن يكون ملاذاً إنسانياً لمن جاءوا لأداء مهمة نبيلة لا علاقة لها بالحرب، ورغم ذلك تعرض العاملون فيه للحصار وللإهانات والضرب، وسُمع بحقهم كلام جارح وبذيء.

 

من سجون الجولاني إلى شوارع السويداء

وبينت رغد أبو عساف أنه "خلال عملية تكفين جثث عناصر الأمن العام، لاحظنا رائحة نفاذة وغريبة، تختلف بشكل كبير عن رائحة الدم المعتادة، مما أثار شكوكاً حول تعاطيهم لمنشطات عضلية وعصبية وربما دماغية، قد تكون ساعدتهم في تنفيذ أعمال وحشية لا يمكن تصورها، وما جرى في السويداء وخارجها لا يعد مجرد انتهاك، بل واحدة من أبشع الجرائم التي يصعب على العقل استيعابها".

وأشارت إلى أن مرتكبي هذه الجرائم لم يكونوا مبتدئين في ساحات القتال، بل خضعوا لتدريب منهجي، وامتلكوا خبرة طويلة في المواجهات العسكرية، موضحة أنهم "ينتمون إلى مجموعات منظمة، ولدت تحت إشراف شخص يعرف باسم "الجولاني"، والذي كان من أبرز الشخصيات المتورطة في أعمال إرهابية، وله سجل حافل بالقتال في العراق، وكان مطلوباً لدى جهات دولية".

وأضافت بألم إنهم لم يكتفوا بالقتل والحصار، بل شنوا حرباً على المدينة بأكملها، فدمروا البنى التحتية والخدمات الأساسية في السويداء "طالت أيديهم المشافي والطرقات، والدوارات، والأبنية، وحتى المحال التجارية، ما حول المدينة إلى منطقة منكوبة بكل معنى الكلمة، تغيب عنها مظاهر الحياة".

 

"نريد أن نتنفس هواءً نقياً"

ووجهت رغد أبو عساف رسالة إلى العالم والمنظمات الدولية "الوهم الذي نعيشه بشأن المنظمات الإنسانية، ومنظمات حقوق الإنسان، واليونيسف، والأمم المتحدة، لا قيمة له. هذه منظمات عالمية، ولها تأثير عالمي، وهي قادرة على محاسبة هذا الإنسان المجرم، وهذا أقل ما يمكن أن تقوم به".

وأضافت "نريد أن نعيش، وأن لا يموت أهالينا أمام أعيننا. هذه أبسط حقوق الإنسان، أن نتنفس هواء نقياً، لا ملوث بالدم والبارود. إن كان ما يحدث تطهيراً عرقياً أو دينياً، فنحن لم نتحرر، بل عدنا ثلاثمئة عام إلى الوراء".

شهادة رغد أبو عساف ليست مجرد سرد لأحداث، بل صرخة إنسانية تطالب العالم بالتحرك. ما يحدث في السويداء ليس نزاعاً محلياً، بل جريمة ممنهجة ترتكب بحق المدنيين، وسط صمت دولي مخزٍ.