مطالب حقوقية بإصلاح شامل لقانون مناهضة العنف ضد النساء في المغرب
سلّط اللقاء الذي نظمته جمعية "حقوق وعدالة" بمدينة الدار البيضاء الضوء على الثغرات التي ما يزال القانون المغربي المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء عاجزاً عن معالجتها، رغم مرور سبع سنوات على دخوله حيز التنفيذ.
المغرب ـ أجمع المشاركون والمشاركات أن النص الحالي من قانون محاربة العنف ضد المرأة لا يواكب أشكال العنف المستجدة، مثل الاغتصاب الزوجي والعنف الرقمي والسياسي، إضافة إلى قضايا الإجهاض وتزويج القاصرات، مؤكدين أن هذه الفجوات القانونية تضع العديد من النساء خارج نطاق الحماية.
بعد سبع سنوات على دخول قانون محاربة العنف ضد النساء حيز التنفيذ، يؤكد خبراء وحقوقيون محدوديته في مواجهة أشكال العنف الحديثة، إذ لا يشمل الاغتصاب الزوجي ولا يعترف بالعنف السياسي أو الرقمي. هذا النقص يترك ثغرات في الحماية ويدفع إلى تصاعد الدعوات لمراجعته وتوسيعه بما يتماشى مع المعايير الدولية لضمان حماية شاملة لحقوق النساء.
نظمت جمعية "حقوق وعدالة"، أمس الخميس الرابع من كانون الأول/ديسمبر، بمدينة الدار البيضاء، لقاءً حقوقياً تحت شعار "من أجل تغيير حقيقي لمواجهة العنف ضد النساء والفتيات ومن أجل قانون فعال وشامل يحميهن"، بمشاركة ناشطين وناشطات من المجتمع المدني وعدد من المختصين والمختصات في قضايا النوع الاجتماعي.
ويأتي هذا اللقاء في سياق استمرار حملة الـ 16 يوماً لمناهضة العنف ضد المرأة، وأيضاً في ظل النقاش الوطني الدائر حول تقييم قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، الذي دخل حيز التنفيذ عام 2018 باعتباره أول إطار قانوني شامل في هذا المجال، وسط تزايد الدعوات لملاءمته مع التحولات الاجتماعية والمعايير الدولية المعتمدة.
وخلال اللقاء، عرض المشاركون والمشاركات مجموعة من الإشكالات التي لا يزال القانون المغربي، بصيغته الحالية، عاجزاً عن تغطيتها أو تجريمها بشكل واضح، ومن أبرز هذه القضايا الإجهاض غير الآمن حيث اعتبرت المتداخلات أن استمرار غياب نص قانوني يحدد الاستثناءات أو ينظم الحالات المسموح بها يدفع العديد من النساء إلى اللجوء إلى الإجهاض السري، ما يعرّض حياتهن للخطر، وتزويج القاصرات، إذ أكدت المشاركات أن استمرار هذا النوع من الزواج يعد شكلاً من أشكال الاستغلال، في ظل غياب آليات ردع واضحة، إضافة إلى الحرمان من الإرث حيث ما تزال النساء تواجهن عراقيل متعددة في مساطر القسمة مما يؤدي إلى ضياع حقوقهن أو تأخر حصولهن عليها.
ومن بين الإشكالات أيضاً عرض المشاركون المضايقة والمطاردة في الفضاء العام، وهي سلوكيات متكررة في الحياة اليومية، لكنها لا تزال غير مجرمة بشكل صريح، والعنف السياسي ضد النساء حيث أشارت المشاركات إلى أن بعض المنتخبات تتعرضن للتشهير والضغط من خلال الحملات الانتخابية دون وجود آليات حماية فعالة تشجع النساء على المشاركة السياسية.
وأبرزت المشاركات أن السياسات العمومية خلال السنوات الأخيرة لم تدمج بشكل منهجي احتياجات النساء ضحايا العنف، خاصة ما يتعلق بتسهيل الولوج إلى العدالة والحماية الاجتماعية، معتبرات أن المنظومة الحالية للتكفل بالنساء ما تزال هشّة، بسبب عدم توفر ميزانية واضحة لتنزيل مقتضيات القانون، وضعف التنسيق بين المؤسسات المعنية، وقلة التكوين المستمر في مقاربة النوع.
وأشارت بعض المداخلات إلى أن القانون الصادر عام 2018 تم إدماجه داخل منظومة جنائية تعود إلى ستينيات القرن الماضي، ما يجعل التطبيق يواجه تناقضات متعددة، في حين يبقى العنف الاقتصادي من أكثر الأشكال تأثيراً على النساء، دون آليات حماية كافية.
"القانون المتعلق بمحاربة العنف يعاني من اختلالات جوهرية"
وأكدت أمال الأمين، منسقة مشاريع جمعية "حقوق وعدالة"، أن اللقاء يهدف إلى تقديم تقرير اعتمد على حصيلة من الدراسات والتجارب الميدانية حول واقع العنف ضد النساء، وتقييم مدى فعالية الإطار القانوني الحالي.
وقالت إن القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء لا يزال يعاني من اختلالات جوهرية، سواء على مستوى النص أو على مستوى التطبيق، مشيرةً إلى أن الاغتصاب الزوجي والعنف الرقمي رغم تزايد حالاتهما ما يزالان خارج التعريفات الواضحة للقانون، مما يجعل التعامل معهما قضائياً غير منسجماً.
وأضافت أن القانون لم يواكب التطورات الاجتماعية والتكنولوجية التي أفرزت أنماطاً جديدة من العنف، موضحةً أن تفعيل مقتضيات الحماية يواجه صعوبات مرتبطة بضعف التنسيق المؤسسي، ومحدودية الخدمات المتوفرة للنساء ضحايا العنف، مشددةً على أن الجمعية تطالب بمراجعة شاملة للقانون 103.13، إضافة إلى إعادة النظر في مجموعة القانون الجنائي، بما ينسجم مع التزامات المغرب الدولية في مجال مناهضة العنف المبني على النوع الاجتماعي.
ولفتت إلى أن اتفاقية إسطنبول تشكل مرجعاً دولياً شاملاً في هذا المجال، حيث تقدم إطاراً واضحاً للتجريم والوقاية والحماية، وتدعو إلى سياسات عمومية متكاملة للحد من العنف ضد النساء والفتيات، مؤكدةً أن إصلاح التشريعات لم يعد خياراً، بل ضرورة ملحة لضمان أمن النساء وكرامتهن، وتمكينهن من الولوج إلى العدالة والحماية بشكل فعّال ومنصف.