من شغف الصناعات اليدوية إلى ريادة إنتاج الصابون الطبيعي

حولت خوشي شوقي من السليمانية بإقليم كردستان، شغفها بالصناعات اليدوية إلى إنتاج، مستفيدة من موارد بلادها الغنية لتعزيز استقلالية المرأة ودعم اقتصادها.

هيفي صلاح

السليمانية ـ خلال السنوات الأخيرة، سعت العديد من النساء إلى ابتكار طرق جديدة لبناء حياة أكثر استقلالية اعتماداً على قدراتهن الذاتية، ومن أبرز هذه المبادرات كان إنتاج الصابون بالطريقة اليدوية، الذي بدأته النساء من داخل منازلهن ليصبح مصدر دخل يعزز مكانتهن الاقتصادية.

إنتاج الصابون اليدوي والطبيعي لا يقتصر على كونه نشاطاً اقتصادياً فحسب، بل يمثل أيضاً خطوة نحو الاستقلالية وترسيخ الثقة بقدرات المرأة، إضافةً إلى المساهمة في تغيير نظرة المجتمع تجاه دورها ومكانتها.

قالت المعلمة والحرفية خوشي شوقي أنها "وُلدت في مدينة السليمانية بحي كويزه، ونشأت في أسرة فنية، قضيت طفولتي في حي تويمليك حتى سنوات الجامعة، وهناك كنت شاهدة على أجمل أجواءه".

وحول شغفها بالصناعات اليدوية، أوضحت "انتقلت إلى ألمانيا بسبب مرض زوجي، ولم أكن أرغب يوماً في مغادرة وطني الذي أحبه كثيراً، بقيت هناك ستة عشر عاماً، خلال تلك الفترة، مرضتُ وتلقيت إلى جانب العلاج الطبي علاجاً نفسياً يتمثل بتنظيم أنشطة مثل الرسم، السيراميك، صناعة الصابون، وأعمال الحرير، هذه الأنشطة ساعدتني كثيراً، وأحببتها إلى درجة أنني بدأت أصنع الصابون والشامبو بنفسي، وهو ما شجعني لاحقاً على المشاركة في دورة تدريبية استمرت ثلاث سنوات".

وأفادت أنها في البداية تعلمت صناعة الصابون لنفسها فقط "لم أفكر أن أجعلها عملاً تجارياً، لكن مع انتشار جائحة كورونا شعرت بحاجة ملحة لأن أقوم بشي ما واستفيد من الوقت الذي أقضيه في المنزل، فعاد هذا التدريب إلى ذهني، لأن الصابون التجاري كان يحتوي على مواد كيميائية كثيرة جعلت أيدينا جافة ومتشققة، بينما الصابون الطبيعي لا يتسبب بذلك، بل على العكس يعالج مشاكل اليدين".

وعن طريقة صناعة الصابون، قالت "صناعته سهلة جداً، يتكون أساساً من القِصْل والزيت، وعند مزجهما يتحولان إلى صابون، لكن الأمر لا يقتصر على ذلك فقط، بل يتعلق بكيفية إعداد الصابون بما يتناسب مع أنواع البشرة المختلفة، حتى يحقق الفائدة المرجوة، ولهذا نلجأ إلى الأعشاب والنباتات والمواد الطبيعية الأخرى".

ولفتت إلى أن أرض إقليم كردستان غنية بالموارد الطبيعية "تحدثت في أحد البرامج عن هذا الثراء، لكن البعض يظن أننا لا نملك سوى أنواع قليلة من النباتات، وهذا غير صحيح، فخلافاً لذلك، أرضنا خصبة وبذورنا تحمل فوائد عظيمة؛ على سبيل المثال، بذور السفرجل إذا استخدمت في صناعة الصابون تعد علاجاً فعالاً للبشرة الحساسة، ولكل نوع من البشرة احتياجاته الخاصة، ومن هنا أستفيد من موارد الطبيعة لصناعة منتجاتي".

وأضافت "في ألمانيا، رغم غناها الطبيعي، فإن غياب الشمس يجعل الكثير من منتجاتها مستوردة أو تزرع داخل البيوت الزجاجية، وهو ما يخلق فرقاً كبيراً بين ما ينمو تحت أشعة الشمس وما يزرع بدونها"، مشيدةً باستخدام العسل وشمع النحل "يعتبر عسل كردستان من أجود الأنواع عالمياً، لأن رحيق أزهار الجبال يمنح أفضل علاج للبشرة ويضفي قيمة عالية على منتجاتي".

وأوضحت خوشي شوقي أنها تصنع 132 نوعاً من الصابون، موزعة بحسب خمسة أنواع من البشرة "لكل نوع من البشرة احتياجاته الخاصة، فمثلاً هناك من يعاني من جفاف البشرة مع وجود دهون زائدة، ولهذا النوع صابون مخصص يناسبه، نحرص على أن تكون جميع علاجاتنا طبيعية تماماً، بعيداً عن إبر الحقن، لأن سر العناية بالبشرة يكمن في معرفة كيفية التعامل معها يومياً، فهي تحتاج إلى مضادات أكسدة ومرطبات، وكلاهما نوفره في منتجاتنا".

ولفتت إلى أنها إلى جانب صناعة الصابون، تقوم بصناعة الكريمات "عمل تعلمته من والدتي قبل أن أشارك في الدورة التدريبية، مما منحني خبرة أعمق في هذا المجال".

وعن المواد الطبيعية التي تستخدمها في صناعة منتجاتها تنقسم إلى نوعين "بعضها جاف وبعضها رطب أحصل عليه محلياً، أما الجافة فأطلبها من الخارج دون أي صعوبة، على سبيل المثال، زيت الزيتون الذي يصلني من عفرين يحافظ على جودته إذا حفظ في مكان مظلم وبارد، أما الصابون فلا يتأثر بمرور الزمن، بل يقال في القرى إن الصابون الذي يُستخدم بعد سبع سنوات يكون أكثر فعالية".

وأضافت "لدي أيضاً أنواع متعددة من الكريمات، كل منها مخصص لعلاج مشكلة معينة في البشرة، ومن منتجاتي عطر طبيعي يدوم 24 ساعة ويمنح رائحة منعشة، بالإضافة إلى معطرات مصنوعة من الأعشاب والزهور مثل زهرة التوليب، ومن أبرز كريماتي كريم المازو، الذي يخفف الألم ويساعد على تنظيم النوم، حيث إن الأشخاص الذين يعانون من الأرق إذا استنشقوا رائحته تتحسن حالتهم دون أن يسبب لهم أي حساسية أو تهيج، كما أنتج شامبو وبلسم بمكونات طبيعية مصدرها الهند، مثل عشبة الريثا التي تحتوي على مادة صابونية طبيعية وتُحدث رغوة".

وأكدت على عدم استخدامها أي مواد كيميائية "أضيف زيوتاً طبيعية مثل زيت الكتان، اللوز، وزيت الزيتون، إلى جانب مكونات أخرى مفيدة للشعر وفروة الرأس، وللحفاظ على جودة المنتجات، يجب تخزين الصابون في درجة حرارة 22، بينما تُحفظ الكريمات دائماً في درجات حرارة منخفضة".

وأفادت أن المجتمع كان في الماضي يضع الكثير من العراقيل أمام المرأة للخروج والمشاركة في الحياة العامة "حالياً أشعر بسعادة كبيرة لأن النساء أصبحن قادرات على العمل خارج منازلهن والمساهمة في بناء أسرهن ومجتمعاتهن، فالمرأة تتميز بقدرتها على إنجاز عدة مهام في وقت واحد، فهي تعمل وتعتني بأطفالها، وتدير شؤون المنزل، وتقوم بأعمال أخرى لا يستطيع الرجل القيام بها بنفس الكفاءة، وهو أمر أثبتته الدراسات العلمية".

في ختام حديثها، أشارت إلى أن النساء يخرجن للعمل ويقدمن الدعم لأسرهن، كما هو الحال في مختلف دول العالم حيث للمرأة دور بارز وملموس "مع ذلك، ما زلنا نواجه بعض أشكال التمييز والمعاناة، رغم أن شبابنا أكثر وعياً، لذلك، أدعو النساء إلى الاستمرار في السعي والعمل وعدم التوقف، وأن يكون هدفهن أسمى من مجرد المطالبة بالمساواة، بل السعي نحو ترسيخ قيم الإنسانية، لأن المرأة والرجل لا فرق بينهما، فكلاهما إنسان يستحق الاحترام والفرص المتكافئة".