من الصين إلى روج آفا... جسور نسوية عابرة للحدود
أكدت الباحثة النسوية يوشان هوانغ أنها استمدت الصلابة والقوة من ثورة المرأة ونساء إقليم شمال وشرق سوريا "لقد تركت مقاومتهن أثراً عميقاً في نفسي، وأتمنى أن تصل قصصهن إلى الصين، ليسلط الضوء على نضالهن في سبيل الحرية والمساواة".

سوركل شيخو
قامشلو ـ تحولت ثورة المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا إلى رمز عالمي للمقاومة والتحرر، ونموذجاً فريداً في بناء مجتمع ديمقراطي تقوده المرأة، وأعادت تعريف دور النساء في الشرق الأوسط وألهمت العديد من الحركات النسائية حول العالم.
زارت الباحثة النسوية الصينية يوشان هوانغ إقليم شمال وشرق سوريا للمرة الثانية، بعد زيارتها الأولى عام 2023، حيث عبّرت عن اهتمامها العميق بالنموذج السياسي والاجتماعي الذي تمثله المنطقة، مؤكدةً أهمية حمايته كجزء من أي حل مستدام للأزمة السورية، مشيدةً بدعوة "السلام والمجتمع الديمقراطي".
نقلت قصص النساء ونضالهن إلى الصين
وعن تجربتها البحثية، أوضحت يوشان هوانغ أنها أجرت العديد من الدراسات حول الشرق الأوسط، وأن زيارتها لإقليم شمال وشرق سوريا كانت مدفوعة بشغفها للتعرف على مكتسبات ثورة المرأة "اطلعت على الكثير من التقارير حول مقاومة نساء المنطقة ضد الإرهاب داعش، وبما أنني أنتمي إلى الحركة النسائية، فقد وجدت هذه الثورة ملهمة للغاية، قرأت عنها كثيراً، ثم بدأت أبحث وأكتب حولها بعمق".
وتركّز يوشان هوانغ في دراساتها على واقع المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا، من حيث أساليب عملها وحياتها اليومية، وتسعى من خلال ذلك إلى تسليط الضوء على تجارب النساء، عبر الاستماع إلى قصصهن وتوثيقها في كتاباتها.
وعبّرت عن إعجابها العميق بالإرادة التي تتمتع بها نساء المنطقة "يتمتعن بقوة مذهلة، وقد تركن أثراً بالغاً في نفسي، أتمنى أن تُعرض قصصهن وتُقرأ وتُعرف في الصين أيضاً".
وعبّرت يوشان هوانغ عن تقديرها العميق لنظام الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا، مشيرةً إلى أنه ثمرة جهد جماعي ومساهمة فعالة من المرأة في بناء مجتمع متماسك وعادل "آمل أن تنتهي النزاعات قريباً، وأن يُعتمد نموذج الإدارة الذاتية كحل شامل للأزمة السورية، لما يحمله من قيم الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية".
"من ثورة الصين إلى ثورة روج آفا مقاومة تتجاوز الجغرافيا"
قارنت يوشان هوانغ ثورة روج آفا، بالثورة التي شهدتها الصين قبل قرن من الزمن، مشيرةً إلى أن كلا الشعبين خاضا مقاومة شرسة في وجه الظلم والاضطهاد، بهدف بناء مستقبل أكثر عدالة وكرامة "رغم الفوارق الثقافية والاجتماعية بين الصين وإقليم شمال وشرق سوريا، فإن ما تعرضت له الصين قبل مئة عام يشبه إلى حد كبير ما يواجهه إقليم شمال وشرق سوريا اليوم، لقد قاوم الشعب الصيني من أجل بناء وطن جديد، وها هو إقليم شمال وشرق سوريا يخوض مقاومة مماثلة لبناء مجتمع أفضل".
وأكدت أن تاريخ النضال في كلا المنطقتين يخلق صلة عميقة بين الشعبين "قد يظن البعض في الصين أنه لا يوجد أي تشابه بيننا وبين هذه المنطقة، لكنني رأيت ذلك بنفسي، وعايشته، هناك تقاطعات واضحة في روح المقاومة، وأؤمن بوجود علاقة وثيقة تربط بين الشعبين الصيني وروج آفا".
وتسعى يوشان هوانغ إلى تعزيز التفاهم الثقافي بين الشعوب، من خلال تعريف المجتمع الصيني بثقافة روج آفا، وفي الوقت ذاته، تطمح إلى مشاركة الثقافة الصينية مع نساء إقليم شمال وشرق سوريا، إيماناً منها بأهمية الحوار والتبادل الثقافي في بناء جسور التواصل الإنساني، مؤكدةً أن هذا التبادل لا يثري المعرفة فحسب، بل يساهم في ترسيخ قيم الاحترام والتكامل بين المجتمعات.
وتسعى من خلال أبحاثها إلى بناء جسور تواصل ثقافي وإنساني بين نساء الصين وإقليم شمال وشرق سوريا، قائلة "في الصين، لا تصلنا أخبار عن نساء إقليم شمال وشرق سوريا إلا نادراً، لكنني أمتلك المبادرة وأجيد اللغتين الكردية والعربية، وأؤمن بضرورة نقل هذه التجارب الملهمة إلى الصين، لتعريف النساء والشعب الصيني بثورة المرأة ومضامينها التحررية".
دعوة السلام ألهمت الباحثة الصينية
ترى يوشان هوانغ أن دعوة "السلام والمجتمع الديمقراطي" للقائد عبد الله أوجلان تكتسب أهمية بالغة في ظل ما تشهده المنطقة من حروب وصراعات، لا سيما في سوريا.
وفي تعليقها على الوضع الراهن، قالت "بعد سقوط النظام البعثي ووصول هيئة تحرير الشام إلى السلطة، ازدادت الأوضاع تعقيداً، لكنني أؤمن بأن دعوة السيد أوجلان يمكن أن تشكل أساساً لبناء سوريا جديدة يسودها السلام والديمقراطية والتكامل".
وأعربت عن قلقها من احتمال تصعيد جديد من قبل تركيا "آمل ألا تتخذ تركيا خطوات عدائية أو تبدأ هجوماً جديداً، فالشعب السوري أنهكته الحرب ولا يرغب في المزيد من الصراعات، ومن المعروف أن الدولة التركية لا تُبدي تعاطفاً تجاه الشعب الكردي داخل حدودها، وهو ما يزيد من مخاوفنا بشأن مستقبل المنطقة".
وأكدت يوشان هوانغ أن أهمية إقليم شمال وشرق سوريا لا تقتصر على حدودها الجغرافية، بل تمتد لتشمل الشرق الأوسط بأسره، لما تمثله من نموذج فريد في بناء مجتمع ديمقراطي.
وشددت على ضرورة حماية هذا النموذج، مشيرةً إلى أن مشاركة النساء الفاعلة في تأسيس مجتمعهن تُعد تجربة غير مسبوقة في المنطقة "إن ما نشهده في روج آفا من دور ريادي للمرأة في بناء المجتمع هو تحول تاريخي، ولهذا فإن حماية الثورة والنظام الديمقراطي القائم هنا أمر بالغ الأهمية".