لمطالبتهن بحقوقهن... ناشطات تونسيات تتعرضن للعنف الرقمي

مع سلبية المواقف الرسمية في مناهضة العنف ضد النساء بشتى أشكاله، يواصل المجتمع المدني والنسوي حربه ضد تلك الآفة التي تهدد النساء.

زهور المشرقي

تونس ـ تواجه الناشطات في تونس مناخ اجتماعي وسياسي شعبوي انفعالي منتج للعنف، وتحاولن بالإمكانيات المتوفرة لديهن دعم تطبيق القوانين المناهضة للعنف بكل أشكاله.

قدمت جمعية "أصوات نساء" دراستين أولى سلطت فيها الضوء على العنف الرقمي الافتراضي المسلط على الناشطات في المجال العام، مؤكدةً أن الدراسة التي أعدتها الباحثة في علم الاجتماع فتحية السعيدي، تأتي ضمن أهداف الجمعية التي تعمل من أجل مقاربة النوع الاجتماعي في السياسات العامة لتمكين النساء من إيصال أصواتهن والحصول على المكانة المستحقة داخل المجتمع، ودراسة أخرى حول سبل المحافظة على الصحة النفسية للناشطات في وسائل التواصل الافتراضي.

وتندرج الدراستين ضمن أهداف الجمعية التي تدافع عن الناشطات في الفضاء الافتراضي من حقوقيات وصحفيات ونسويات مؤمنات بحقوق النساء، حيث باتت الوسائط المتاحة مسرحاً لممارسة شتى أشكال العنف على النساء وتخويفهن وترهيبهن خاصة مع استمرار وجود مناخ عام تشهد نفس الظواهر الاجتماعية التي لم تحض بعد بالكثير من البحوث والدراسات للتعرف على أسبابها بدقة ومعالجتها بشكل فعال من أجل ضمان فضاء آمن تمارس فيه حرية التعبير وتحترم الحقوق المدنية والسياسية ويوفر درجة عالية من الأمان.

وقالت الناشطة بجمعية "أصوات نساء" سارة مديوي إن الدراسة حول العنف الرقمي المسلط على الناشطات قد كشفت حقيقة ما تتعرضن له في الفضاء الرقمي من انتهاك صارخ، مشيرةً إلى أن الأمر تجاوز الحديث عن فقاقيع تستهدف النساء بل باتت ظاهرة وجب إيلائها الأهمية القصوى، حيث كشفت الدراسة عبر الحالات التي تمت دراستها أن العنف سلط الضوء على ناشطات ومربيات وحقوقيات ومحاميات وصحفيات كان جرمه الوحيد أنهن صرحن بآراء مخالفة للآراء السائدة والسلطة أحياناً لتنهال عليهن وابل من التعليقات والشتائم بل بلغ ذلك مرحلة التهديد بالعنف والاغتصاب والقتل.

وأوضحت أن الهدف من الدراسة هو الإقرار بجريمة العنف الرقمي المسلط على النساء بفصل يُضمن ضمن القانون عدد 58 الصادر عام 2017، المتعلق بمناهضة العنف ضد النساء، وذلك في إطار مناهضة ظاهرة الإفلات من العقاب.

أما الدراسة الثانية فتم خلالها تشخيص الحالة النفسية للناشطات في المجتمع المدني ثم تقديم مجموعة من التوصيات للمؤسسات والناشطين للمحافظة على الصحة النفسية في ظل المناخ السياسي والعملي المتقلب في تونس.

وعن دور العقلية الذكورية في توسع ظاهرة تعنيف النساء وخاصة الناشطات رقمياً، تقول إن "المجتمع أو القيم الوسمية والتمييزية ضد النساء سند وقعها في الفضاء الافتراضي وهو ما لمسناه في الدراسة"، داعيةً إلى ضرورة تفعيل الإطار القانوني المغيب اليوم والسعي لتطبيق القانون مع رصد الميزانية الكفيلة وتوفير الأرضية والمناخ الملائم ومراقبة تنفيذه لمناهضة العنف ضد النساء والناشطات رقمياً لمجرد أنهن تفكرن بصوت عالٍ وتعبرن عن مواقفهن دون خوف في صفحاتهن الرسمية أو في الإعلام.

 

 

من جانبها قالت المختصة في علم الاجتماع ومُعدة الدراسة فتحية السعيدي بأن العنف المبني على النوع الاجتماعي يتجذر في الهيمنة الذكورية والفكر الأبوي والثقافة المجتمعية التي تنتج مجموعة من الصور النمطية ضد النساء، معتبرةً أن الدراسة التي أعدتها وركزت على العنف السيبراني الموجه ضد الناشطات يختلف عن العنف الرمزي ويرتكز أساساً على الانفعالات أو الاستثمار في الغضب، وكان أحد العوامل الرئيسية لارتفاع نسب العنف السيبراني حيث كانت هناك هجمات كثيرة على الناشطات في المتجمع المدني.

وأضافت "عملنا خلال الفترة التي سبقت استفتاء عام 2022 وما بعده، وهي فترة شهدت هجوماً كبيراً على كل من خالف الرأي السائد، وقد تعرضت مثلاً صفحة أصوات نساء لهجوم على خلفية نشر فيديوهات تفسر دستور الرئيس قيس سعيد وهجوم على الناشطات على خلفية مواقفهن السياسية والقانونية".

وأوضحت أن "الفضاء الرقمي تبلور فيه هوية الـ "نحن" أو الجماعة التي ترفض النخب السياسية وتعتبرها فاسدة وانتهازية وتهاجم النساء بشكل مضاعف"، مشيرةً إلى أن أشكال العنف التي تواجهها النساء في الحق المدني والبارزة للعيان تتمثل في القذف والسب والشتم والسخرية والتهديد واستعمال العبارات الخادشة للحياء ولمضامين تمسّ السمعة بهدف التنكيل.

وأكدت على أن العبارات المستخدمة قائمة على التمييز ومعبرة عن الصدام والنزاع والحط من الكرامة وتتضمن منسوباً مرتفعاً لحقل دلالي قدحي يحرض على الاقصاء القائم على النوع، لافتةً إلى أن ارتفاع نسب تعنيف النساء افتراضياً قد ارتبط بالأحداث السياسية أو بما يجد على الساحة الحقوقية وفي علاقة بمواقفهن من الوضع السياسي العام وآرائهن حول الشأن العام التونسي.

 

 

واعتبرت المختصة في علم النفس شمس الجديدي، أن المناخ الاجتماعي العام مشجع على العنف ودافع لارتفاعه في الوسائط الرقمية، حيث لازالت تلك النظرة الدونية للنساء اللواتي تقطعن حبل الصمت وحاجز الخوف وتعبرن عن مواقفهن علناً دون خشية من أي طرف وهو تصرف ترفضه الذكورية التي لا تزال تحتقر النساء وقدراتهن ولا توليهن الاهتمام والدعم للمشاركة في الحياة العامة.

وأشارت إلى أن كل امرأة تعبر علناً عن مواقفها في مواقع التواصل الاجتماعي توسم بالعار وكأن المطالبة بحقوقها جريمة وفيها مخالفة للرأي الجمعي القائم، وإن كان نفس الموقف يتناقله الجنسين يُقبل من الرجل ويرفض من المرأة بشكل قطعي.

ودعت إلى ضرورة إعادة النظر في التنشئة الاجتماعية والعمل على توعية الأطفال بأن العنف ضد النساء ظاهرة سلبية لا يمكن قبولها ولا التطبيع معها، وتربيتهم على أن الجنسين يتكاملان ولا فرق بينهما ولا سلطة على أحد منهما وكل طرف لديه الحريات الكاملة وحرية التصرف دون المسّ من كرامة الطرف الثاني ولا حريته.