لماذا نحتاج إلى التغييرات في نماذج العلم؟

يعتمد علم المرأة على نموذج الحداثة الديمقراطية ويتناول الاقتصاد حتى الديموغرافيا ومن السياسة إلى الأخلاق، ومن الجماليات والصحة إلى التعليم، ومن البيئة إلى الطب، كما يستند على الخبرة والعلم والأساليب العلمية للمرأة من الماضي إلى يومنا هذا.

أكاديمية جنولوجيا

إن الأفكار والاختراعات التي أصبحت مصدراً لكل العلوم، باعتبارها تراث الإنسانية، هي معطيات آلاف السنين، في كل فترة كان هناك أرضية ومدارس وفلاسفة كانوا رواداً في التطورات العلمية. ظهرت التطورات العلمية لأول مرة في العصر الحجري الحديث على أراضي الهلال الذهبي. حدثت ثورة العصر الحجري الحديث في الفترة ما بين 10000 قبل الميلاد و4000 قبل الميلاد. وأيضاً، في عام 6000 قبل الميلاد. كان أقدم مكان في كردستان هو تل حلف، حيث وصل فيها العصر الحجري الحديث إلى ذروته من حيث التطور وتوسعت تدريجياً لتشمل الجغرافيا والشعوب بأكملها.

وعرّف القائد عبد الله أوجلان ثورة العصر الحجري الحديث بأنها ثورة نسائية. ولذلك يحق القول إن الثورة العلمية تشكلت وتطورت على أيدي النساء. لقد دخل العلم، الذي هو القيمة المشتركة للمجتمع، في عملية الانقطاع عن المرأة وعن المجتمع وعن الحياة من خلال سلطة وسيادة الرجل والدولة.

أقدم الأكاديميات في التاريخ كانت في حران، نصيبين، قرية شابور؛ ولأن علمائها واجهوا القمع والهجمات، فقد اضطروا إلى الهجرة ليتمكنوا من ممارسة علومهم في الأراضي المحررة. كما قُتل سقراط بحجة تضليل الشباب. وقُتل ماني والسهروردي ومنصور الحلاج لأنهم عارضوا القولبة الدينية. احترق برونو، واضطر جاليليو إلى إنكار نظرية دوران الأرض. بهذا الإرث، قاومت ثورة العلوم والتكنولوجيا الأوروبية ضد الأديان والفلسفات العقائدية التي لا تقبل سوى وجهة نظرها الخاصة ومثلت خط التفكير الحر.

قال توماس كون لأول مرة إنه من أجل فهم التطورات العلمية، ظهرت النماذج، وحددت للعلماء المواضيع التي يجب عليهم البحث فيها أو الأسئلة التي يجب أن يطرحوها حول العلوم التي يطورونها، كما تم تعريف الحقيقة وطريقة التفكير، وما هي الأسئلة التي سيطرحها العلم، وما هي الأبحاث التي سيقدمها، في هذه الدراسات، فإن المصادر التي تعتمد على نفسها والأساليب التي استخدمت للكشف عن المعلومات التي تعبر عن النموذج، فالنموذج هو مفهوم، وطريقة للنظر إلى الأحداث أو الظواهر ورؤية الحقائق التي تقف ورائها، وتم تعريف الأجزاء الثلاثة للنموذج من حيث العلم الوجودي وفلسفة المعرفة والمنهج العلمي. إن التفكير الذي يفصل العلم عن الفلسفة ويفحص فقط الحقائق التي يمكن لمسها ورؤيتها بالعين، قد تفتح الطريق لمزيد من المناقشات.

في كل عصر، قام رواد العلم والفلاسفة والباحثون عن الحقيقة، بوضع نظرياتهم اعتماداً على النموذج السائد في ذلك الوقت. ومع ذلك، عندما لم تكن النظريات كافية، وعندما لم تكن هناك إجابات مرضية على الأسئلة، كما حصل في الثورات الاجتماعية، تكون هناك حاجة إلى المزيد من التغييرات في نماذج العلم ما أدى إلى تطور العلم بشكل ثوري.

في العصور القديمة من التاريخ، كان الناس ينظرون إلى العالم على أنه جسم واحد وحي. ولكن، مع النماذج الميكانيكية، تم عكس هذه النظرة. واصبحت العلاقة بين الإنسان والطبيعة وكذلك العلاقة بين الإنسان والإنسان مبنية في إطار الذات ونقيضه.

فالفرق بين الذات ونقيضه يسمح لذراع واحدة بممارسة القوة دائماً، وأن تكون حاسمة؛ ويظل الجانب الآخر غير مؤثر وخاضع. على النقيض من الطبيعة تكون البشرية، وعلى النقيض من النساء يكون الرجال، وعلى النقيض من الحكام يكون العبيد الذين يتم استخدامهم. وهذا أيضاً فتح الطريق لحكم لا نهاية له، كانت نتائجه حصول العديد من المجازر والمذابح. وإذا نظرنا إلى الطبيعة، فسنرى المزيد من الأمثلة على ذلك، مثل السمكة الكبيرة تأكل السمكة الصغيرة، والأسد يأكل الغزال، صاحب القوة يغلب الضعيف. الذهنيات الحاكمة تتخذ لنفسها هذه الأمثلة. ولكن في الطبيعة، هناك أمثلة أكثر عن الكائنات الحية تكمل بعضها البعض، ولا تضر بعضها البعض، وإنما تتواصل مع بعضها البعض.

وفي هذه العلاقة، التي نسميها تكافلية، تصبح الكائنات الحية الصغيرة داعمة للكائنات الأكبر حجماً، وأولئك الذين يستطيعون الصيد يساعدون أولئك الذين لا يستطيعون الصيد. في هذا النظام البيئي، تشترك الأشجار والبشر والحشرات والأسماك والفطريات في الحياة. المهم هو الطريقة التي نستخدمها لرؤية هذه الحقائق والطريقة التي ننظر بها إليها. تظهر هذه الطريقة في شكل العلاقات الاجتماعية أيضاً. كل كيان يأخذ مكانه في النظام البيئي له معنى وقيمة. وفي فترات طويلة من التاريخ، كان هذا النهج هو السائد في الطبيعة الإنسانية والعلاقات الإنسانية. ومع ذلك، عندما خلقت الأنظمة الحاكمة الفرق بين الذات ونقيضه، وكذلك عندما قاموا بتطبيق الأسلوب العلمي مكان الحقيقة، ظهرت الكوارث.

فالدمار البيئي والإبادة الجماعية ضد المرأة والإبادة الجماعية والمجازر ضد المجتمع هي أبرز علامات أزمة هذا العصر. وقوة الحل للنموذج الديمقراطي والبيئي ونموذج تحرير المرأة مرتبطة أيضاً بهذه الحقيقة. إن ثقافة الديمقراطية التي تتضمن الاختلاف والتنوع هي بمثابة نمط سجادة مطرزة بألوان مختلفة ومتوافقة.

إن تناغم عقد من اللؤلؤ والأحجار الملونة يحيي النماذج الديمقراطية في أذهاننا. في النموذج الجديد ينضم الجميع ليحموا لونهم وهويتهم، وكل واحد منهم يبني جزءا من هذه الوحدة. وإلى أن نجدد منظورنا بنموذج جديد، لن نتمكن من بناء نظام كونفدرالي ديمقراطي. الربط بين المؤسسات والمجتمعات المختلفة من خلال النظر إلى النموذج الجديد، يمكن أن يكسبه معنى أيضاً، كما لن نتمكن من إعادة بناء التوازن بين الطبيعتين حتى نتصرف بمنظور بيئي.

الإنسان جزء من الطبيعة، وهذه الحقيقة تزيد من مسؤوليتنا تجاه الطبيعة. إن الطبيعة لديها القدرة على تجديد نفسها وإعادة بناء نفسها. إلا أن قوة الحكام غير المحدودة وجشع السلطات يكسر ويضعف هذه القوة في كل مرة. ولا يقتصر النهج البيئي على الاقتراب من الطبيعة فحسب، بل هو أيضا تعبير عن النظر إلى الكون والمجتمع. 

ولا يمكن التغلب على أزمة النظام إلا بعد بناء حياة تقوم على حرية المرأة في مواجهة هيمنة الرجل اللامحدودة. يعتمد علم المرأة على نموذج الحداثة الديمقراطية. ولهذا السبب، سيتم تحديد المواضيع التي سيجري البحث فيها والمصادر التي سيتم العثور على تلك المواضيع فيها والأساليب العلمية التي سيتم استخدامها في سياق هذا النموذج.  

والمنهجية تشمل الدراسات التي يتم إجراؤها حول أساليب مجالات العلوم المختلفة، وقد عرّف القائد عبد الله أوجلان الطريقة بأنها أقصر الطرق وأكثرها فعالية للوصول إلى الحقيقة. العلم والمنهج يحاولان الوصول إلى الحقيقة بهذا الأسلوب والنظام.

ويتم التعبير عنها في التقليد الفلسفي للشرق الأوسط "الحقيقة واحدة ولكن هناك آلاف الطرق التي تؤدي إليها" و"انقطع الناس عن الوصل أو الحقيقة لأنهم فقدوا الأصول أو الطريقة". هذه الكلمات ترشدنا عندما نريد أن نفهم مشكلة ما ونحلها. وحتى لو كانت مناقشات منهج علم المرأة مبنية على أساس خاص بها، ففي سياق الوصول إلى الحقيقة دون البقاء بلا منهج، سنستخدم أساليب غنية. يضفي القائد عبد الله أوجلان الوضوح على الطريقة بهذا الشكل ويسلط الضوء على شكلها. "أكثر من البحث عن طريقة بديلة، يتم البحث عن مخرج من حياة مليئة بالأخطاء ومنفصلة عن قيم الحرية، التي فتحت الطريق أمام قضايا معقدة".

إن طريقة العلم التي لا تقودنا إلى الحقيقة وتبين أنها خاطئة، تشوه معنى الحياة وتضع الأساس للإبادة الجماعية الاجتماعية. هناك العديد من الانتقادات للأساليب العلمية الحالية. المشكلة الرئيسية هي فرض القواعد. فالعلم المتمركز حول أوروبا يفرض أساليبه الخاصة ويعتبر أساليب المجتمعات العلمية الأخرى معدومة. وعلى سبيل المثال، يرفض علم الطب القديم، وفي الواقع، إذا نظرنا إليها، فإن مصدر الطب الحديث هو الطب التقليدي. كما لا تعير أهمية لما ذكر في القصص الأسطورية لأنها غير موثقة كتابياً أو مثبتة، فالمواضيع التي تشمل الميتافيزيقا تعتبرها خارج نطاق العلوم.

كما أنها لا تعير أهمية للمشاعر والعواطف الإنسانية ولا تعتبرها مصدراً للعلم. وتنظر لحقيقة المجتمع كمادة فقط. حيث يفصل الناس عن المجتمع والتاريخ والزمان والمكان ويعامله وفق هذا المنظور، ولا يتعامل مع الأحداث من منظور تاريخي. يفسر تدفق التاريخ كخط مستقيم. ولهذا ينحرف عن الحق ويتبع احتياجات ومصالح السلطة ورأس المال.

في أساليب علم المرأة، من الضروري خلق مثل هذه النظرة التي سيتم من خلالها تدمير علاقات السلطة التي تشكلت نتيجة للتمييز بين الذات ونقيضه.

ولهذا أكثر من التعريف والفهم؛ إن النظر بشكل أكثر تعاطفاً بدلاً من التشييء سيكون أكثر فعالية في الفهم. في أي بحث يتعلق بالحياة والمجتمع، يتغير الذات والنقيض دائماً ويؤثر كل منهما على الآخر. نحن بحاجة إلى النظر إلى الأمر بشكل نقدي وإجراء تغيير بهذه الطريقة. ومع ذلك، عندما نفعل ذلك، نحتاج إلى إضفاء معنى إلى الحقيقة ومحاولة فهمها. ومن الأمور المهمة الأخرى ضرورة التغلب على النظرة المجزأة التي تشوه تكامل الحقيقة.

ولهذا السبب، ومن أجل التغلب على الانقسام بين العلوم، فإنها تتخذ من العلوم الاجتماعية أساساً لجميع العلوم. وهذا يعني أيضاً أنه يجب أن يكون هناك ارتباط بين العلوم الطبيعية مثل الفيزياء والكيمياء والأحياء والعديد من العلوم الأخرى والحياة الاجتماعية. يتناول علم المرأة، الاقتصاد حتى الديموغرافيا ومن السياسة إلى الأخلاق، ومن الجماليات والصحة إلى التعليم، ومن البيئة إلى الطب، والعديد من المواضيع الأخرى معاً. كما تأخذ من الخبرة والعلم والأساليب العلمية للمرأة من الماضي إلى يومنا هذا وتواصل عملها بهذا الشكل.