'لا منقذ قادم ولا معجزة آتية يجب على شعب إيران أن يتحد لتحديد مصيره'
في أعقاب الهجوم العسكري للقوات الإسرائيلية على إيران، ظهرت ردود فعل متباينة، بعض المعارضين للنظام رحبوا بذلك، بينما حذر آخرون، مشيرين إلى تجربة أفغانستان، وأكدت يلدا أحمد، الطبيبة النفسية والناشطة في مجال حقوق المرأة، على دور الشعب في تحديد مصيره.

بهاران لهيب
أفغانستان ـ رغم أن البعض يرى أن الهجوم العسكري للقوات الإسرائيلية على إيران قد يؤدي إلى انهيار النظام الإيراني، إلا أنه يبدو من بعيد أنه اعتداء واضح على دولة مستقلة، وهو اعتداء تم بدعم من الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وهو مشابه للتجربة الأفغانية، وذلك تحت شعار مكافحة الإرهاب والدفاع عن حقوق الإنسان، لكن النتيجة كانت دفع البلاد نحو الدمار والفساد والعنف.
على مدار العقدين التاليين من الوجود العسكري الأمريكي وحلف الناتو في أفغانستان، خلقت العديد من الظواهر مثل العنف الواسع ضد النساء، عمليات قتل ممنهجة للمثقفين، فساد هيكلي وأخلاقي، إنتاج غير مسبوق للمخدرات، ارتفاع غير مسبوق في عدد المدنيين، إنشاء مدارس دينية متطرفة، تأجيج الصراعات العرقية والطائفية، وبناء حكومات فاسدة وغير فعالة، وفي النهاية، أدى انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان إلى ترك البلاد مجدداً بين يدي حركة طالبان، وهي جماعة لا تختلف كثيراً فكرياً وسلوكياً عن حكام إيران، وكانت أولى ضحايا عودتهم النساء والمثقفون.
مع هذه التجربة، من الطبيعي أن يشعر العديد من الأفغان اليوم بالقلق من تكرار نفس السيناريو في إيران، فهم يعتقدون أن إسقاط نظام قمعي لا يمكن أن يؤدي إلى السلام والرخاء إلا إذا كانت القيادة في أيدي شعب البلد نفسه، وليس القوى الأجنبية، خاصة إذا جاءت هذه القيادة من داخل حركات مثل انتفاضة " "Jin Jiyan Azadî ومن خلال النساء الإيرانيات الشجاعات، فإن الأمل في مستقبل مشرق سيكون أكثر واقعية.
في هذا السياق، قدمت يلدا أحمد، طبيبة نفسية وناشطة في مجال حقوق المرأة، تحليلاً واضحاً للوضع في حديث لها "نعم، من المحتمل أن يؤدي هجوم إسرائيل على إيران إلى تغييرات في النظام؛ وربما ينهار النظام بالكامل، ولكن الشيء الأكثر أهمية هو ما سيحدث بعد ذلك؛ ما هو مصير الشعب الإيراني؟ من سيمسك بزمام السلطة؟ ما هي تداعيات هذا الهجوم على الشعب الإيراني؟ لأن التجربة عبر التاريخ أثبتت أن أي دولة تتدخل في شؤون دولة أخرى تحت شعار إحداث تغيير وتحسين الوضع لم تترك تجربة جيدة، فلا دولة تفعل شيئاً لدولة أخرى دون أن تأخذ مصالحها الخاصة في الاعتبار، المهم هو مصير الشعب الإيراني بعد ذلك".
وحول الفرق بين الهجوم الأمريكي على أفغانستان والهجوم الإسرائيلي على إيران، قالت يلدا أحمد "هناك بعض الاختلاف بين الهجوم الذي شنته الولايات المتحدة على أفغانستان قبل 24 عاماً والهجوم الذي شنته القوات الإسرائيلية على إيران اليوم، فالولايات المتحدة شاركت بشكل مباشر، ودخلت أفغانستان تحت شعار مكافحة الإرهاب وإحلال حقوق الإنسان وحقوق المرأة، وقامت بالقضاء على طالبان، لكنها سلمت الحكم إلى مجموعة أخرى من المجرمين، مما جعل أفغانستان تنتقل من وضع سيئ إلى أسوأ، وتسبب في المزيد من البؤس والمشكلات".
النظام الإيراني القمعي... سئم الشعب الإيراني من تلك النظام
وأضافت "لكن اليوم، في إيران، عندما وقع الهجوم، كان من قبل القوات الإسرائيلية، الولايات المتحدة ليس لها دور مباشر، ولكن لماذا؟ لديها دور كبير بشكل غير مباشر، على الرغم من أنها تدعي ظاهرياً أنها لا تؤيد الهجوم وليست مشاركة فيه، ولكن من الواضح للجميع أن القوات الإسرائيلية نفذت الهجوم بدعم من الولايات المتحدة، فالقوى الإمبريالية والدول الإمبريالية كلها موحدة ومتكاتفة، أي جريمة تُرتكب ضد الشعوب المستضعفة والفقيرة تُنفذ بتنسيق كامل بينهم".
تلخص يلدا أحمد، تجربتها خلال عشرين عاماً من الوجود الأمريكي في أفغانستان "بصفتي امرأة أفغانية، شعرت بهذا الواقع بعمق، وأستطيع أن أقول بوضوح وصراحة إنه لا يمكن لأي بلد آخر أن يكون المنقذ، ولا يمكنه جلب السعادة والرفاهية لبلد آخر، من الواضح أن النظام الإيراني نظام قمعي قاتل، وقد بلغ القتل والتوحش فيه أقصى الحدود، لقد سئم الشعب الإيراني من هذا الوضع، والجميع يريدون سقوط هذا النظام، ولكن الأهم من ذلك كله هو الدور الرئيسي الذي يجب أن يلعبه الشعب الإيراني نفسه، لا إسرائيل، ولا أمريكا، ولا أي دولة أخرى يمكن أن تحقق السلام والازدهار لإيران، بل فقط الشعب الإيراني نفسه".
قلق يرافق الشعب الافغاني بتكرار سيناريو الذي حصل قبل 24 عاماً
ولفتت الانتباه إلى أنه "نظراً لأن أفغانستان، التي تجاور إيران، قد مرت بتجربة مريرة، فمن الطبيعي أن يشعر الأفغان اليوم بالقلق بشأن تكرار السيناريو نفسه في إيران، قبل 24 عاماً، عندما شنت الولايات المتحدة هجوماً على أفغانستان، كانت طالبان في السلطة، قالت أمريكا إنها ستأتي لمحاربة الإرهاب، والقضاء على طالبان، وضمان حقوق المرأة وحقوق الإنسان، ولكن على مدى 24 عاماً، رأى الشعب الأفغاني أن الإرهاب لم يختفِ، بل ازداد قوة واتساعاً، ثم في ليلة واحدة، انهار كل شيء، وعادت طالبان إلى السلطة، وحتى اليوم، تُمنح لهم مساعدات مالية مرتفعةً لمواصلة حكمهم القمعي وتعزيز سلطتهم، بينما يرتكبون الجرائم ضد النساء والشعب الأفغاني، لهذا السبب، لا يوجد منقذ سوى شعب إيران نفسه، والمقاتلين الإيرانيين الذين يمكنهم قيادة هذه التغييرات وإحداثها".
كما أشارت يلدا أحمد إلى تأثيرات الحرب الجارية على الشرق الأوسط والعالم أجمع "هذه الحرب والأزمة الحالية سيكون لها تأثيرات عميقة على الشرق الأوسط والدول الأخرى، لأن هذان البلدين مرتبطين ببعضهما البعض، والقوى الإمبريالية تحتاج دائماً إلى ذريعة لمواصلة جرائمها، نرى مراراً وتكراراً أن هذه الدول، خاصة الولايات المتحدة، تبحث عن أسباب لشن هجمات، من أفغانستان إلى العراق وسوريا والآن إيران، كل ذلك لضمان استمرار نفوذها القمعي، يظهر التاريخ أن هذا النمط سيستمر، ولن تكون الدول الأخرى بمنأى عن جرائمهم".
وأضافت "كما أن هذه الحروب تؤثر مباشرة على المنطقة، حيث تلعب الدول التي تعتبر نفسها قوى عظمى دوراً في هذه اللعبة السياسية، وتسعى لتقسيم العالم فيما بينها، بحيث يكون هناك خاسر ورابح، مما يمكنهم من فرض سيطرتهم على الدول والتحكم في السلطة وفقاً لرغباتهم".
رسالة تناشد برفع وتيرة المقاومة والنضال الشعبي
وفي ختام حديثها أرسلت يلدا أحمد رسالة إلى شعب إيران والمناضلين قالت فيها "كامرأة من أفغانستان عاشت تجربة الهجمات الأمريكية قبل 24 عاماً ورأت عواقبها في بلادها، هي أنه لا يوجد منقذ سوى الشعب الإيراني نفسه، وإن الشعب الواعي، الذي يشكل الأغلبية ويكافح ضد النظام القمعي في إيران، هو الوحيد القادر على جلب الرفاهية والسلام إلى بلده، وإن انتفاضاتهم، مقاومتهم داخل السجون الإيرانية المروعة، ونضالهم اليومي، هي التي يمكن أن تكون طريق خلاصهم ولا شيء غير ذلك، لا الأمريكيون، ولا الإسرائيليون، ولا أي دولة أخرى يمكنها أن تحقق السلام والرفاهية للشعب الإيراني، إلا الشعب الإيراني نفسه".