خالدة تورك أوغلو: السياسات الذكورية تُغذي التمييز وعدم المساواة في الميزانية

خلال مناقشات لجنة التخطيط والميزانية في البرلمان التركي حول ميزانية وزارة الأسرة والخدمات الاجتماعية لعام 2026 وجهت خالدة تورك أوغلو، انتقادات لسياسات الحكومة في مجال مكافحة العنف ضد المرأة.

أنقرة ـ أكدت خالدة تورك على فشل الحكومة في حماية النساء من العنف، واستمرارها في نهج تقليدي يُكرّس التمييز وعدم المساواة، مسلطةً الضوء على الأرقام المقلقة لجرائم قتل النساء، وعلى التراجع في عدد الملاجئ المخصصة لهن.

خلال مناقشات لجنة التخطيط والميزانية البرلمانية حول ميزانية وزارة الأسرة والخدمات الاجتماعية لعام 2026، وجهت خالدة تورك أوغلو، نائبة آمد والمتحدثة باسم مجلس المرأة في حزب الشعوب والمساواة والديمقراطية (DEM)، انتقادات حادة لسياسات الحكومة في مجال مكافحة العنف ضد المرأة.

وشددت على أهمية أن تُصاغ الميزانية العامة لعام 2026 بمنظور يُراعي الفوارق بين الجنسين، مؤكدةً أن من واجبها أن تُساهم في القضاء على العنف ضد المرأة "طالبنا مراراً بضرورة تخفيف عبء الرعاية عن كاهل النساء، وأن تُوفر الميزانية فرصاً حقيقية لتمكينهن اقتصادياً في مجالات الإنتاج، بدلاً من الاكتفاء بتقديم المساعدات الاجتماعية كحل مؤقت".

وأضافت أن السياسات الحالية لا تزال تُكرّس النظرة التقليدية للمرأة، مشيرةً إلى أن نهج الحزب الحاكم تجاه قضايا النساء لم يشهد أي تغير يذكر طوال 23 عاماً من الحكم "لقد أثبتت الوقائع صحة مواقفنا في كل مرة، وإن كان ذلك مؤلماً، فليت الأمور لم تصل إلى هذا الحد".

وفي إشارة إلى الإحصاءات المقلقة لجرائم قتل النساء، قالت إن "الجرائم التي ارتُكبت بحق النساء خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري تكشف الثمن الباهظ الذي تدفعه النساء نتيجة نهج الحكومة في هذا الملف". مضيفةً أن الحكومة أخفقت في منع وقوع هذه "المجازر".

ولفتت إلى أن 224 امرأة قُتلن، و169 تعرضن للتحرش، و561 تعرضن للعنف الجسدي، بينما فقدت 247 حياتهن في ظروف غامضة خلال الفترة ذاتها، مؤكدةً أن تسعة نساء ممن قتلن خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري كن تتمتعن بأوامر حماية سارية المفعول، متسائلة "كيف يمكن أن تقع هذه الجرائم رغم وجود تلك الأوامر؟ أليس هذا مؤشراً واضحاً على قصور القوانين والإجراءات المتبعة في حماية النساء؟، موجهةً سؤال إلى الوزير قائلة "إن كان في ما نطرحه أي مغالطة، فلتوضحوا لنا ذلك".

 

إعلان عام الأسرة

وبالرغم من تصاعد وتيرة العنف ضد المرأة، انتقدت خالدة تورك أوغلو إعلان الوزارة وحزب العدالة والتنمية هذا العام عاماً للأسرة، معتبرةً أن هذا القرار لا يعالج جذور المشكلة بل يفاقهما "عندما زعمتم أن عاماً واحداً لا يكفي مددتم هذا النهج لعشر سنوات، مما يُعد تحريضاً ضمنياً على استمرار العنف"، مؤكدةً أن الحياة الديمقراطية الحرة والمتساوية هي ما يجب الدفاع عنه، رافضة أي نموذج أسري قائم على الهيمنة الذكورية والنظام الأبوي.

وأضافت أن رفضها لرعاية الذكورية تحت ستار "رئاسة الأسرة"  ليس جديداً، بل هو موقف مبدئي ومستمر، مشيرةً إلى أن ارتفاع عدد النساء اللواتي يُقتلن في منازلهن يدل على أن هذه البيوت لم تعد آمنة لهن، بل تحولت إلى أماكن للعنف، منتقدةً  سياسات الحكومة التي تديرها على مدار 22 عاماً، سلبت حقوق النساء، مؤكدة أن الوزارة لم تتراجع عن سياساتها هذا العام أيضاً.

كما نبهت إلى أن الجرائم ضد النساء، خصوصاً من لديهن ميول جنسية مختلفة، ارتُكبت خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري بالتواطؤ مع مؤسسات حكومية، لافتةً إلى أن النساء استُهدفن بشكل خاص عبر فتاوى دينية أُعلنت في خطب الجمعة من إعداد مديرية الشؤون الدينية، والتي تنتهك حقوقهن في الميراث، والحياة، والتعبير، واتخاذ القرار بشأن أجسادهن.

 

"تم تعزيز عدم المساواة بين الجنسين"

وقالت إن التمييز الجنسي هو أساس العنف والفقر والبطالة التي تعاني منها النساء، لأن التمييز الجنسي هو أساس كل هذا والسبيل الأمثل لمكافحة هذا العنف والتمييز وعدم المساواة بفعالية هو صياغة جميع السياسات انطلاقاً من مبدأ المساواة بين الجنسين، وهذا لا ينطبق فقط على ميزانية وزارتكم بل على الميزانية بأكملها، وأي شيء مخالف لذلك يُغذي التمييز الجنسي وعدم المساواة بين الجنسين، وهذا يُظهر كيف أن جميع مخصصات ميزانيتكم، التي تُعدّ خلف أبواب مغلقة بعقلية ذكورية وغياب مراعاة الفروق بين الجنسين، تُغذّي عدم المساواة بين الجنسين.

وأضافت "للأسف تُعدّ الملاجئ من أكثر الأماكن التي تحتاج إليها النساء في هذا البلد، خاصة في ظل تصاعد العنف ضدهن ومع ذلك نلاحظ أنكم تواصلون استخدام مصطلح بيوت الضيافة، بينما نعتمد نحن في الحركة النسوية العالمية مصطلح "المأوى"، الذي يعبر عن الحماية والنجاة  لا عن الضيافة العابرة، النساء لا تلجن إلى هذه الأماكن كضيفات بل كناجيات من العنف تبحثن عن الأمان والكرامة والنجاة، إذا أردنا حقاً إحداث تغيير وتحول حقيقي، فعلينا أولاً أن نُدرك دلالة كل مفهوم وما يخدمه".

أما فيما يتعلق بعدد الملاجئ، أكدت أن جداول الميزانية أشار في عام 2024 إلى هدف 150 مأوى، رغم أن الأرقام المتداولة لم تتجاوز 112 أو 114، وفي عام 2025 افتتحت  الوزارة مأوى واحداً فقط، ويبدو أن الهدف لعام 2026 لا يتعدى مأوى واحد أيضاً، وهنا يبرز السؤال لماذا هذا التراجع؟ هل العدد الحالي للملاجئ يُلبي الحاجة؟ بالطبع لا.

وقالت إنه "على الرغم من هذا النقص الواضح تواصل الوزارة التمسك بسياسات تُبقي النساء في المنازل التي يتعرضن فيها للعنف، بدلًا من توفير بدائل آمنة، والسياسات التي تُنفذ تحت شعار "عام الأسرة" تُجسّد هذا التوجه بوضوح، وبينما تُصرّون على هذه السياسات نُصرّ نحن على الدفاع عن حياة آمنة وكريمة، تُراعي حقوق النساء وتُحقق لهن نوعية الحياة التي تستحقنها".

 

13 مدينة فقط من أصل 30 مدينة رئيسية بها ملاجئ

وأوضحت أن ما عليكم فعله هو عدم إبقاء النساء في المنازل التي يتعرضن فيها للعنف، بل زيادة عدد الملاجئ القائمة، وفقاً لبيانات عام ٢٠٢٤، لا يوجد ملاجئ إلا في ١٣ بلدية حضرية من أصل ٣٠ بلدية حضرية، ما الذي تم اتخاذه لتشجيع البلديات الحضرية الـ ١٧ المتبقية على فتح ملاجئ؟ مع ذلك فإن ممارسات حكومتكم السابقة المتمثلة في منح البلديات صلاحيات إدارية، ومبادرات مشروع تنمية الشعب (GAP) الجارية، تُثبت عدم وجود أي مبادرة من هذا القبيل.

وأكدت أن "هناك مسألة أخرى تتعلق بخطوط المساعدة للعنف، متسائلة هل بذلت الوزارة أي جهود لتوسيع نطاق هذه الخطوط داخل الحكومات المحلية؟ ننتظر ردكم على هذا السؤال ومع ذلك، هناك سؤال آخر أكثر إلحاحاً إن إلزام خطوط المساعدة للعنف في البلديات بالعمل بشكل دوري هو مؤشر على نهج البلدية في تقديم هذه الخدمة للنساء، الأمر لا يتعلق بالبلدية بل يتعلق بسياساتكم في هذا الشأن بالطبع، كيف ستتمكن النساء اللواتي لا تملكن رصيداً أو خطًا ساخناً من الوصول إلى هذه الخدمة؟".

 

"إنها ميزانية حزمة الزواج"

وشددت خالدة تورك أوغلو على أن فقر النساء يتفاقم يومياً حيث تظهر البيانات المتعلقة بفقر النساء والبطالة في تركيا، ما يقارب من 10 ملايين عاملة منزلية غير قادرات على المشاركة في القوى العاملة لأنهن مثقلات بعبء رعاية المرضى والأطفال وكبار السن وذوي الإعاقة، يتم توظيفهن بطرق محفوفة بالمخاطر، إن وفاة ست نساء، اثنتان منهن طفلتان، في حريق في مصنع لتعبئة العطور في كوجالي دليل على ذلك، هل يمكن معالجة عمل هؤلاء النساء القسري في وظائف غير مسجلة وغير مستقرة وانعدام الأمن الوظيفي لهن من خلال مشاريع ظروف العمل المرنة قصيرة الأجل والمساعدة الاجتماعية التي تقدمونها كخدمة للنساء؟ "لقد شهدنا مراراً من خلال هذه الأحداث أن هذا لم يتم حله، بل على العكس فإن كل مشروع من مشاريعكم يغذي هذا التمييز وعدم المساواة"، مؤكدةً إن ميزانية وزارة الأسرة والخدمات الاجتماعية ليست ميزانية لمعالجة التمييز وعدم المساواة والاستغلال الذي تواجهه النساء، بل هي ميزانية لحزم حوافز الزواج، إنها ليست ميزانية لتخفيف الفقر الذي تعاني منه النساء والأطفال، بل هي ميزانية لتفاقم هذا الفقر في ظل سياسات السكان.

 

"تعزيز الحكومات المحلية"

وشددت على أن الخدمات المقدمة للنساء تحت ستار المساعدة الاجتماعية وكأنها خدمة، لا تعالج فقرهن، بل أن  هذه الخدمات تدفع النساء إلى الفقر "لقد ذكرتم أن متوسط ​​مبلغ المساعدة الاجتماعية الشهري لكل أسرة كان 3088 ليرة تركية في عام 2024 وبلغت هذه المساعدة 4100 ليرة تركية في عام 2025 وفي هذه المرحلة، فإن اقتراحكم لعام 2026 هو 5050 ليرة تركية، هل تعتقدون حقاً أن النساء والأطفال الذين ليس لديهم دخل يمكنهم العيش على هذه المخصصات؟ هل لديكم أي فكرة عن تكلفة كيلوغرام واحد من الزيت أو كيلوغرام واحد من الطماطم؟ هل تعرفون إيجاراتكم؟ لو كنتم تعرفون، لما قدمتم هذه العروض، أكرر إن السبيل لتخفيف فقر المرأة هو من خلال المساعدة الاجتماعية، وليس من خلال وظائف قصيرة الأجل ومرنة وغير آمنة، بل فرص عمل بدوام كامل وآمنة، نحن نقدم لكم حلاً من خلال خلق فرص عمل وتطوير حوافز لتعزيز جهود الحكومات المحلية في هذه المجالات، إضافة إلى إزالة أعمال الرعاية من على عاتق النساء وأسرهن وجعلها خدمة عامة".

وتابعت حديثها قائلة إن "هناك قضية أخرى تتعلق بالسجينات، وهي من أكثر القضايا إلحاحاً في هذا البلد، ينبغي أن تكون المشاكل التي تواجهها النساء في هذه السجون محور اهتمامكم الرئيسي، كما يجب أن تكون انتهاكات حقوق السجينات السياسيات على وجه الخصوص محل اهتمامكم، لا يمكنكم السكوت عن المشاكل التي تواجهها السجون فيما يتعلق بالحصول على الغذاء والرعاية الصحية، ومع ذلك نرى أنكم تفتقرون إلى سياسة واحدة بشأن هذه القضية وهذا يُثبت مجدداً أن هذه الوزارة لا يمكن أن تكون وزارةً للنساء".

وعن مكافحة العنف ضد المرأة أكدت أنها مستحيلة بالميزانية التي تم تقديمهما، لأن النساء تواجهن أشكالاً مختلفة من العنف كالعنف الجسدي والاقتصادي والجنسي والنفسي والرقمي وأشكالاً أخرى لا حصر لها، لذلك لا يمكن منع العنف دون معالجة السبب الجذري للمشكلة "نرى أن من الجوانب الأكثر لفتاً للانتباه في حوادث العنف الأخيرة هو أن مرتكب العنف الذي قتل المرأة انتحر لاحقاً، تُظهر جريمة قتل عائشة نور خليل إقبال أوزونر الحالة المزرية للعنف القانوني في هذا البلد، هل سنقول هذا في مواجهة جرائم القتل هذه؟ نعم قتلت النساء ولكن الجاني أيضاً مات والذي كان من المفترض أن يتم معاقبته، هذا هو بالضبط مجال نضالنا أولئك الذين يؤججون هذا العنف وأولئك الذين يفشلون في منعه وأولئك الذين يفشلون في تطبيق القوانين الرادعة هم الجناة الحقيقيون غير المرئيين لهذه الجرائم".

وأكدت خالدة تورك أوغلو في ختام حديثها أن ما يجب فعله لمكافحة العنف ليس ميزانيةً تُعدّ بقوانين ذكورية تُغذّي العنف، بل ميزانيةً تمنع العنف وتُعزّز المساواة بين الجنسين. هذه هي المساهمة اليومية بـ 51 قرشاً لتمكين كل امرأة، هذه الـ 51 قرشاً هي ميزانية تُحدّد مستقبل المرأة في هذا البلد وفي هذا المجتمع، ما لم تُخصّص أموالٌ لتمكين المرأة، سيستمرّ دوامة العنف في هذا المجتمع.