"حرية المرأة جوهر القضية الوطنية ومحورها الأساسي في مسار التحرر والبناء الديمقراطي'

أكدت الناطقة باسم مؤتمر ستار في إقليم شمال وشرق سوريا، ريحان لوقو، أن النساء تخضن ثورة لا تُقهر، من أجل حرية تُكرّس في الدساتير، ومعرفة تُبنى على إرث نضالي عميق. وتنتزعن حقوقهن، وترسمن ملامح مجتمع ديمقراطي تقوده المرأة.

سوركل شيخو

قامشلو ـ في إقليم شمال وشرق سوريا، قادت النساء ثورة امتدت لأكثر من 13 عاماً، رسّخت خلالها حضوراً فاعلاً في مسار التغيير السياسي والاجتماعي. وقد لعب "مؤتمر ستار" دوراً محورياً في بناء هذا الحراك النسائي الثوري من الداخل، ليصبح نموذجاً في التنظيم والمقاومة.

مع اقتراب 25 تشرين الثاني/نوفمبر، اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، أكدت ريحان لوقو، الناطقة باسم مؤتمر ستار في إقليم شمال وشرق سوريا، التزام المؤتمر بمواصلة النضال ضد كافة أشكال العنف الممارس على النساء، مشددةً على أن مقاومة نساء المنطقة امتداد لنضال عالمي ضد التسلط والاضطهاد.

 

يُنظر إلى عام 2025 باعتباره محطة مفصلية في مسار نضال المرأة. ما الذي يجعل هذا العام حدثاً تاريخياً في نظر الحركات النسوية؟ وما هي الأهداف الاستراتيجية والتطلعات التي يضعها "مؤتمر ستار" في هذه المرحلة الحاسمة؟

منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا، خاضت النساء نضالاً متواصلاً ومقاومة تاريخية ضد مختلف أشكال الهيمنة، من العنصرية والقومية والتمييز الطبقي إلى الذكورية والعنف المنهجي. لقد تصدّت النساء لهذا العنف بصلابة، وسجّلن مواقف بطولية في وجه أنظمة القمع والإقصاء.

في جميع الثورات التي شهدها العالم، لعبت النساء دوراً محورياً، لكن قراءة التاريخ تكشف ما إن تهدأ الثورات، حتى يُعاد إنتاج الهيمنة الذكورية، وتُقصى النساء من مواقع القرار والتأثير. ولهذا، فإن مقاومة النساء ليست لحظة عابرة، بل نضال تاريخي مستمر.

من روزا لوكسمبورغ إلى ساكينة جانسيز، تتجسد ثورات النساء في كفاح لا ينقطع من أجل الحرية، والمساواة، وحياة ديمقراطية تُبنى على الاعتراف بالمرأة كذات فاعلة، وهوية مستقلة، تسعى إلى حياة كريمة تتجاوز القوالب المفروضة. هذه المسيرة النسوية الممتدة عبر الزمن، تواصل اليوم حركتها نحو مستقبل أكثر عدلاً وإنصافاً.

ودائماً نذكر قول القائد عبد الله أوجلان إن القرن الحادي والعشرين سيكون "قرن حرية المرأة"، حيث ستقود النساء ثورات متعددة على مستوى العالم، ويصبحن في طليعة النضال من أجل بناء مجتمع حر. ويُنظر إلى هذه المرحلة على أنها مفصل تاريخي بين الوجود والفناء، إذ تواجه النساء منذ قرون، وحتى اليوم، أشكالاً متواصلة من العنف، من الإبادة والاغتصاب إلى القمع والتهميش، في كل حرب وهجوم.

لكن هذا القرن لن يكون امتداداً لما سبقه، بل سيكون قرن الثورة بقيادة النساء. في كردستان، بدأت النساء الكرديات هذه الثورة، ومع قيادتهن انضمت إليهن نساء عربيات، تركمانيات، شركسيات، إيزيديات وغيرهن ممن يؤمنّ بقضية الحرية وحرية المرأة. واليوم، تشارك أيضاً نساء من الطوائف العلوية والدرزية في هذا النضال، في انعكاس واضح لتأثير الريادة الكردية.

لقد أطلقت النساء الكرديات ثورة نسائية شاملة، تحوّلت إلى ثورة معرفية، اجتماعية، هوياتية، وثورة للدفاع عن الذات. هذه الثورة لم تقتصر على المطالبة بالحقوق، بل أعادت تعريف مفاهيم الحرية والديمقراطية، وجعلت من المرأة قوة فاعلة في صياغة مستقبل أكثر عدلاً وإنصافاً.

فمنذ القرن السادس عشر حتى العشرين، فُرضت سياسات ممنهجة هدفت إلى تهميش النساء ومحو هويتهن. أما اليوم، في القرن الحادي والعشرين، فإننا نشهد تحوّلاً تاريخياً تقوده النساء، حيث يتحول هذا العصر إلى قرن الدفاع عن الذات النسوية، في مواجهة قرون من الإقصاء والطمس.

نحن نعتبر هذا القرن لحظة مفصلية في التاريخ، لأن بناء مجتمع حر وديمقراطي لا يمكن أن يتحقق دون مواجهة العنف العميق الموجّه ضد المرأة، والذي يستهدف هويتها، تاريخها، وجودها، ولغتها. وبمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، نُقيّم هذه المناسبة من منظور مختلف، مؤكدين أن النضال ضد العنف لا يجب أن يكون مهمة النساء وحدهن، بل مسؤولية جماعية.

فلماذا لا يزال هذا اليوم يُحتفى به بشكل منفصل؟ لأن النساء يخضن نضالاً طويلاً، لكن ما لم ينخرط المجتمع بأكمله في مقاومة العنف، فلن يكون بالإمكان بناء مجتمع حر، متساوٍ وديمقراطي. علينا أن نتكاتف جميعاً من أجل بناء مجتمع تشاركي، ديمقراطي وسلمي، تكون فيه المرأة شريكة حقيقية في صناعة المستقبل.

من بين أبرز مطالبنا في القرن الحادي والعشرين، وبعد مسيرة نضالية تاريخية، نؤمن أن هذا العام وهذا القرن لا يجب أن يكونا عاديين أو امتداداً لما سبق. انطلاقاً من تجارب النساء وإنجازاتهن خلال سنوات الثورة، نطمح إلى بناء سوريا ديمقراطية، لا مركزية، متعددة الثقافات والتوجهات، تكون فيها المرأة في قلب عملية التغيير.

من الضروري أن تضطلع النساء بدور ريادي في صياغة مستقبل سوريا، وأن يكنّ فاعلات في بناء مجتمع جديد قائم على المعرفة والدفاع عن الذات. عام 2025 لم يكن عاماً عادياً، ولن نسمح بأن يمر كذلك، بل يجب أن يكون عاماً تُنتزع فيه حقوق النساء، وتُكرّس فيه هويتهن في الدساتير المتجددة، ويُعترف بهن ويُحمين.

ويأتي هذا التحول في وقت تشهد فيه كردستان تغييرات سياسية عميقة، ما يجعل من هذه اللحظة فرصة تاريخية لإحداث تغيير جذري، تكون فيه المرأة في طليعة الثورة من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

 

تشير التقارير إلى مقتل 43 امرأة جراء الغارات الجوية التركية. كيف تنعكس هذه الهجمات على الروح المعنوية ومسار تنظيم نضال المرأة؟ وما أبرز أشكال المقاومة الفعّالة التي طورتها النساء لمواجهة هذا العنف الممنهج؟

نستذكر رائدات فلسفة Jin Jiyan Azadî"" زهراء، زينب، ريحان، يسرى، وجيان تولهلدان، نُخلّد ذكرى من ضحين بحياتهن من أجل الحقيقة والعدالة، ونحمل وعد تحقيق أحلامهن وطموحاتهن.

كلما تصاعدت وتيرة النضال، انتشرت المعرفة النسوية عالمياً، وتحولت فلسفتنا إلى رؤية شاملة للمجتمعات التي تؤمن بالحرية والمساواة. بالمقابل تتصاعد الهجمات التركية، التي تستهدف القيادات النسوية من سياسيات، وقائدات، ومثقفات، ونساء مؤثرات، عبر ضربات جوية ممنهجة.

في جوهر هذه الهجمات يكمن هدف تصفية النساء، لكن كل امرأة تركت إرثاً خلفها، تجسّد في عشرات النساء مثل ريحان، يسرى، وجيان. وقد تجاوز عدد النساء اللواتي قُتلن في هذه الهجمات 43 امرأة، في محاولة لكسر إرادة المرأة الحرة، لكنها ستظل تقاوم وتواصل المسيرة، حاملةً شعلة الثورة والمعرفة والحرية.

وفي المجتمع، لا تزال العديد من النساء يُقتلن دون أي ذنب، على يد آبائهن، إخوتهن أو أزواجهن، فقط لأنهن يحلمن بحياة حرة ومتساوية. لقد ترسخت العقلية الذكورية القمعية في بنية المجتمع، حتى بات يُنظر إلى المرأة ككائن تابع، بينما تُترك الجرائم المرتكبة بحقها دون عقاب، مما يمنح الرجال شعوراً بالسلطة لتكرار العنف ضد الأمهات، الأخوات، الزوجات والصديقات.

هذا الإفلات من العقاب لا يعكس فقط خللاً في المجتمع، بل هو نتاج مباشر لسياسات الدولة التي تتغاضى عن العنف، وتغتال رائدات الثورة، وتعيد إنتاج الذهنية الذكورية داخل الأسرة. العقلية السائدة في المجتمع والدولة هي ذاتها التي تستمد قوتها من العنصرية، الاحتلال، والعنف المنهجي.

في مواجهة هذا الواقع، يعمل "مؤتمر ستار" بلا توقف للقضاء على هذه الذهنية، من خلال ترسيخ الوعي لدى الرجال المستند إلى إرث نضال النساء، وتأسيس مجتمع قائم على المعرفة، الحقوق، القانون، والعدالة الاجتماعية، عبر نضال علمي، قانوني، ثقافي ومجتمعي شامل.

 

في ظل اعتبار الحرية الاقتصادية والاجتماعية للمرأة أحد أقوى أساليب التصدي للعنف، ما الدور الذي تلعبه التعاونيات النسوية وجنولوجيا في تعزيز هذا الخط الدفاعي، لا سيما في سياقات الحرب والنزاعات؟

جنولوجيا هو علم المرأة والحياة، ويشكل أساساً لبناء مجتمع ديمقراطي بديل، في مواجهة الذهنيات التي تسعى إلى إنكار وجود المرأة وهويتها، يقوم بتحليل جذري لمشكلات المجتمع والأسرة، ويطرح رؤى معرفية وحلولاً عملية للتحرر من تلك الذهنية، واضعةً المرأة والمجتمع في قلب مسار التغيير.

من خلال منظور سوسيولوجي نقدي، تقدم جنولوجيا بدائل مجتمعية جديدة، وتربط بين حرية المرأة والاقتصاد النسوي كأحد أعمدة النضال، فقد أسقطت الثورة النسائية الادعاءات القومية التي أنكرت قدرة النساء على قيادة مجالات العلم والاقتصاد، وأثبتت أن المرأة قادرة على الريادة في هذه الميادين.

اليوم، تتصدر النساء المشهد الاقتصادي عبر تأسيس عشرات التعاونيات التي تُدار بروح جماعية قائمة على العدالة والمساواة، وتُقدّم نماذج قوية بديلة للمجتمع.

وإن مجالي جنولوجيا والاقتصاد النسوي يشكلان فضاءً للدفاع الذاتي النسوي، ويساهمان في بناء حياة جماعية معرفية وعادلة، ومن هنا، فإن حرية المرأة تبدأ من امتلاكها لعلمها واقتصادها الخاص.

 

كيف تنعكس التحديات الصعبة التي تواجهها النساء في سياق التهجير القسري والعيش في المخيمات على مسار نضالهن الاجتماعي والسياسي؟ وما الدور الذي يلعبه "مؤتمر ستار" في تقديم الدعم النفسي والتنظيمي؟

الهجمات التي شنها الاحتلال التركي على مدن مثل سري كانيه، كري سبي، عفرين، الشهباء، الباب، جرابلس، وإعزاز خلّفت آثاراً عميقة ومدمرة، خاصة على الأطفال، والهوية، والبيئة، والمجتمع، والنساء. فقد كانت النساء والأطفال الأكثر تضرراً من هذه الاعتداءات، لا سيما في سياق التهجير القسري.

فالنساء واجهن تحديات جسدية ونفسية واجتماعية ومعرفية في ظروف قاسية، حيث هُجرن من منازلهن وأحيائهن وقراهن، لكنهن في أماكن اللجوء لعبن دوراً محورياً في الحفاظ على الروابط بالأرض، ونقل قيم الصمود والانتماء إلى الأطفال والمجتمع.

في كل حرب أو صراع، تكون المرأة أول من يتأثر، لكنها أيضاً أول من ينهض، لتعيد بناء ما تهدّم، وتزرع الأمل في قلب الألم. لهذا، فإن آثار الاحتلال لا تُقاس فقط بالدمار المادي، بل بما خلّفه من ندوب في حياة النساء اللواتي تحمّلن العبء الأكبر، وواصلن النضال من أجل الحياة والكرامة.

الوضع في مخيمات إقليم شمال وشرق سوريا يختلف جذرياً عن نظيره في دول أخرى، وذلك بفضل الجهود التي تبذلها الإدارة الذاتية، ومؤتمر ستار، والتنظيمات والحركات النسائية بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني، لبناء نظام قوي ومستدام داخل هذه المخيمات. الهدف من هذه الجهود هو حماية النازحين من آثار العنف، والقتل، والتهميش، والاستغلال، والعمل على تنظيم حياتهم بشكل يضمن الكرامة والاستقرار.

في هذا السياق، يُعد اتفاق 10 آذار خطوة مهمة نحو تمهيد الطريق لعودة النازحين إلى أراضيهم الأصلية. إذ أصبحت قضية العودة في صلب النقاشات الجارية مع الحكومة السورية المؤقتة بدمشق، باعتبار أن عودة النازحين إلى مدنهم المحتلة تمثل مفتاحاً أساسياً لحل العديد من الأزمات في سوريا.

إن معالجة ملف النزوح لا تقتصر على توفير المأوى، بل تتطلب رؤية شاملة تضمن عودة آمنة وكريمة، وتُعيد للنازحين ارتباطهم بأرضهم وهويتهم، باعتبار أن هذه العودة تشكل حجر الأساس لأي حل سياسي واجتماعي مستدام في البلاد.

 

كيف يمكن فهم مقولة القائد أوجلان "على المرأة أن تسعى لاستعادة أرضها المفقودة" في سياق نضال المرأة المعاصر؟ وما المقصود بـ"الأرض المفقودة"، وكيف يمكن للمرأة اليوم أن تستعيدها فعلياً ضمن مسارات المقاومة والتحرر؟

بعد دعوة "السلام وبناء مجتمع ديمقراطي" للقائد عبد الله أوجلان، بدأت مرحلة جديدة من النضال والتحول. وبصفتنا تنظيم نسائي، ناقشنا بعمق كيف يمكن للمرأة أن تلعب دوراً محورياً في هذه المرحلة، وأن تكون في طليعة مشروع السلام والمجتمع الديمقراطي.

فالمرأة التي تمتلك الإرادة والوعي قادرة على بناء مجتمع ديمقراطي، وأن تكون نموذجاً للمرأة الاشتراكية الحرة. أما الرجل الذي لا يتخلّى عن الذهنية الذكورية، وعن لغة وسلوك العنف، فلا يمكن أن يُعتبر اشتراكياً حقيقياً. الاشتراكية لا تُبنى على الهيمنة، بل على المساواة والحرية، وهذا ما يجعل دور المرأة أساسياً في أي مشروع تحرري.

في قضايا الشرق الأوسط، لا تزال قضية حرية المرأة تُهمّش وتُغيب عن كونها محوراً أساسياً لحل الأزمات في المنطقة، وفي كردستان والعالم. فبينما تُطرح العديد من القضايا على طاولات الحوار في مختلف الدول، نادراً ما يُنظر إلى حرية المرأة كمدخل جوهري للتغيير الحقيقي.

لهذا السبب، يؤكد القائد عبد الله أوجلان أن لا مجتمع حر دون امرأة حرة. فطالما لم يُخض نضال جماعي ضد سياسات الإبادة والاحتلال، فلن يكون بالإمكان بناء مجتمع تشاركي، ديمقراطي، وتعددي. إن تحرير المرأة ليس قضية ثانوية، بل هو الأساس الذي يُبنى عليه مستقبل الشعوب.

توصل القائد عبد الله أوجلان وحركة حرية المرأة إلى قناعة راسخة، انطلاقاً من دروس الثورات السابقة، بأن إعادة النساء إلى الهامش بعد كل ثورة لم يعد أمراً مقبولاً. لقد تغير هذا الفهم، وأصبح واضحاً أن قضية حرية المرأة هي القضية الجوهرية في كردستان.

من هنا، يؤكد القائد أوجلان أن النقاش حول أي مشروع تحرري يجب أن يبدأ من قضية حرية المرأة، وأن معالجة هذه القضية شرط أساسي لبناء مجتمع ديمقراطي، تشاركي، ومتحرر. يجب أن تعيش المرأة في هذا القرن بهوية واضحة وإرادة حرة، لأن الاعتراف بهوية المرأة هو الخطوة الأولى نحو بناء حياة جماعية، متساوية، وديمقراطية.

فمن دون حل قضية حرية المرأة، لا يمكن تحقيق حرية الشعوب. إن حرية المرأة هي الأساس الذي تُبنى عليه حرية المجتمع. بهذه الرؤية، أعاد القائد أوجلان طرح المسألة من جديد، مستنداً إلى هوية المرأة ومعرفتها، لتكون نقطة الانطلاق نحو تحرر شامل وحقيقي.