دراسة: مهاجرو إفريقيا جنوب الصحراء ضحايا تهميش وليسوا "غزاة ديمغرافيين"
أكدت دراسة قدّمها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن الخطاب السائد حول كون هجرة المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس "غزواً ديمغرافياً" أو "محاولة لتغيير تركيبة السكان" غير مستند إلى أي دليل واقعي.

زهور المشرقي
تونس ـ أكدت الباحثات المشاركات في الدراسة أن الهجرة إلى تونس لم تكن خياراً مستقلاً بل نتيجة لظروف طاردة ارتبطت بعدم الاستقرار السياسي، الفقر، الحروب والبطالة "أن النساء عنصر موجود بقوة وتتعايشن مع الظروف الصعبة وعلى الدولة تحمل مسؤولية أدامجهم في المجتمع".
قدم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية دراسة "المهاجرون من إفريقيا جنوب الصحراء في تونس: الملامح، المعيش وانحرافات السياسات الهجرية" أمس الثلاثاء الثامن من تموز/يوليو، الذي تم إعداده بالشراكة مع مخبر البحث "الدولة والثقافة وتحولات المجتمع ECUMUS" بجامعة صفاقس، وقدّم هذا الكتاب نتائج دراسة ميدانية تم انجازها خلال السداسي الأول من سنة 2024 وشمل ولايات تونس الكبرى ومدنين وصفاقس، وقد راوحت الدراسة بين أدوات منهجية كمية وكيفية من أجل معرفة علمية متجذّرة في الواقع الميداني وقادرة على مساءلة الخطاب السائد حول الهجرة في تونس وفي شمال أفريقيا وفي الفضاء الأوروبي وتأتي في إطار مناصرة مدنية ذات ركائز علمية من أجل سياسات هجرة أكثر إنسانية.
وتناولت وضعية المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء في تونس والحالة المتأزمة لهؤلاء الذين يعيشون واقعاً محاصراً بالجوع والتهميش والتجويع نتيجة سياسات خاطئة همشتهم وصنفتهم في خانة واحدة محاطة باتهامات محاولة تغيير التركيبة الديمغرافية للتونسيين ونشر الفوضى والبلبلة، والتي أثبتت الدراسة عدم صحتها.
وأكدت أن هؤلاء يعتبرون تونس بلد عبور ويرغب97% منهم في الهجرة، علماً أنهم جاؤوا لتونس فارين من الصراعات سواءً في بلدانهم أو الدول التي قدموا عنها على غرار الجزائر وليبيا اللواتي تعتبران بلدانا منفرة لهؤلاء نتيجة العنصرية أو العنف المضاعف الذي يعيشه وتعيشه المهاجر والمهاجرة.
وبينت الدراسة أن 85 بالمائة من المهاجرين غير النظاميين دخلوا إلى تونس عبر الحدود البرية (60 % من الحدود الجزائرية، و25% قدموا من ليبيا) في حين وصل 14 بالمائة منهم إلى تونس جواً، عبر المطارات، نظراً لكون تونس لا تفرض تأشيرات دخول.
وبينت الدراسة وجود تغير واضح في تركيبة المهاجرين غير النظاميين من حيث العمر والحالة الاجتماعية مقارنة بفترات سابقة، حيث أصبح الوافدون ينتمون إلى جنسيات أكثر تنوعاً من دول إفريقيا جنوب الصحراء، وبلغت أعمارهم حتى 48 عاماً، إلى جانب تسجيل وجود عدد كبير من الأطفال، سواءً كانوا برفقة أوليائهم أو غير مصحوبين إضافة إلى ظهور ما يسمى بالهجرة العائلية.
وأظهرت الدراسة تصاعد ما يُعرف بـ"تأنيث الهجرة" إذ أصبحت النساء تشكّلن حوالي 27 بالمائة من مجموع المهاجرين غير النظاميين من دول إفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس.
كما كشف البحث العلمي أن المستوى التعليمي للمهاجرين غير النظاميين من دول إفريقيا جنوب الصحراء يُعد في المجمل "متقدماً" حيث يتمتع 27 بالمائة منهم بمستوى جامعي مقابل 10بالمائة فقط لا يُجيدون القراءة والكتابة، في حين تتوزع النسبة المتبقية على مستويات تعليمية متوسطة.
وقالت ألفة حامدي وهي باحثة دكتوراه في علم الاجتماع ومشاركة في الدراسة "إن الدراسة تناولت الأسباب التي دفعت المهاجرين إلى مغادرة بلدانهم الأصلية وتبين أنها تتمحور في عدم الاستقرار والحروب والفقر والبطالة ووجود رأس مال في تونس شجع هؤلاء على القدوم"، لافتةً الى أن الدراسة تحدثت عن تطبيق المشروع الهجري وما ترك هؤلاء رجالا ونساءً على اختيار تونس كوجهة وتمثلت في وجود عوامل طاردة من ليبيا والجزائر التي كانتا الوجهة الأولى لهم قبل أن تتحول إلى تونس "هناك عوامل طاردة كعدم الاستقرار السياسي في ليبيا والاتفاقيات التي امضت عليها الجزائر مع أوروبا".
ولفتت إلى وضعية المهاجرات الصعبة حيث بتن تمتهن التسول للحصول على قوتهن علاوة على العنف المسلط عليهن كالتحرش والاغتصاب، علاوة على الظروف الاقتصادية الكارثية لهن نتيجة البطالة وطردهن من العمل "لا ننسى أن أغلبهن لديهن أطفال أما بالاغتصاب أو تكن هربن بأطفالهن من الحرب وهو ما يصعب مهمة مساعدتهن".
وعن كيفية إدماجهن كضحايا عنف وجوع قالت "الاندماج مهمة الحكومة لاعتبارها من بدأت في اتهامهن عام 2021 وتأليب الرأي العام ضدهن، المجتمع المدني لن يتمكن من مساعدتهن مادامت سياسة الدولة في الملف ضبابية، يجب إحصاء هؤلاء من الجنسين وتقديم الدعد بدل التشويه".
وبدورها أكدت هاجر عرايسية الباحثة في ملف الهجرة، أن تنقلات المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء في تونس كانت من أجل البقاء والصمود "يتنقل هؤلاء تحت الضغوطات بحثاً عن فرص الحياة والتنقل من أجل البقاء على قيد الحياة، خاصة مع الظروف القاسية وطردهم من المنازل والتعامل اللاإنساني مع هؤلاء".
وقالت إن 44،9% من المهاجرين يسافرون بين الولايات سيراً على الأقدام خوفاً من التفتيش الأمني الذي تقوم به الشرطة وسوء البنية التحتية فيما يستخدم9% فقط وسائل النقل العام.
وأوردت أن النساء عنصر موجود بقوة من الأفارقة جنوب الصحراء بتونس وتتعايشن مع الظروف الصعبة والعنف المضاعف من طرف الأمنيين وحتى المهاجرين نفسهم والمواطنين، وتقاومن العنصرية والعنف اللفظي والجسد في انتظار التقاء الدولة لهؤلاء لتوفير أدنى مقومات العيش الكريم وحمايتهن من الاذى.
وأكدت ياسمين العكريمي الباحثة في العلوم السياسية، أن المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء وفق الدراسة المنجزة ليس لديهم أي حقوق لا في التعليم ولا الصحة ولا العمل، فضلاً عن غياب المساعدات من المنظمات الدولية والمواطنين ولا الجمعيات المحلية وهو ناجم عن المناخ الأمني والأفكار المغلوطة المروجة كون هؤلاء جاءوا لتغيير التركيبة الديمغرافية للسكان وذلك الخطاب الذي وضعهم في خانة "المجرمين".
وأوضحت أن النساء تعملن بشكل أكبر في المنازل وتتعرضن للعنف الجنسي والتحرش وهن غير واعيات بحقوقهن وبحق التشكي والتتبع القانوني للمعنف بسبب غياب المعلومة.