بدون خصوصية وانعدام للاحتياجات الأساسية... يوميات الفتيات في مراكز الإيواء بغزة

تعيش الفتيات الفلسطينيات في مراكز الإيواء واقعاً مريراً، يتحملن فيه أعباءً يومية ثقيلة ويفتقدن أبسط مقومات الحياة، في ظل حرب جعلت من الصمود خيارهن الوحيد.

نغم كراجة

غزة ـ تحت وطأة حرب مستمرة ونزوح متكرر، تجد الفتيات الفلسطينيات أنفسهن عالقات في مراكز إيواء ضاقت بآلاف النازحين، حيث تواجهن واقعاً قاسياً يتجسد في انعدام الخصوصية، وشح الاحتياجات الأساسية، والأعباء اليومية الثقيلة، في ظل هذا الواقع يقمن بدور المحور الأساسي لأسرهن، متحملات مسؤوليات تفوق أعمارهن ليصنعن من العزيمة ملاذاً وحيداً أمام مأساة لا تعرف هوادة.

سردت الفلسطينية نور خلف وهي في مقتبل العمر رحلة نزوحها المتنقلة من منطقة لأخرى لأكثر من سبع مرات بسبب أوامر الإخلاء القسري التي تلاحقها وأسرتها، بين الملاجئ المؤقتة والطوابير الطويلة للحصول على الاحتياجات الضرورية اليومية، حيث تظل الشابات مثل نور خلف يحملن أعباءً تفوق طاقاتهن، ويواجهن أوضاعاً غير إنسانية في خضم الصراع المستمر.

وعكست تجربتها واقعاً مريراً تواجهه الفتيات في مراكز الإيواء "اضطر للقيام بأدوار يومية شاقة نيابةً عن أسرتي بدءاً من الوقوف لساعات طويلة في طوابير المياه وصولاً إلى حمل الجالونات الثقيلة وإشعال الحطب"، وفي ظل ارتفاع الأسعار وشح الموارد، تقوم الفتيات بالبحث المضني عن المواد الغذائية بأسعار أقل في محاولة لتأمين احتياجات الأسرة الأساسية، إنهن تتحملن أعباءً هائلة، حيث يقدن أسرهن الصغيرة وسط تحديات يومية تكشف صمودهن، رغم ثقل المسؤولية "الفتيات هنا، هن العمود الفقري لكل أسرة، يحملن على عاتقهن مسؤوليات كبرى وسط ظروف تجعل هذه الأعباء مضاعفة".

ومع انتقالها المتكرر بين مراكز الإيواء، تعاني نور خلف وفتيات أخريات من انعدام الخصوصية بشكل لا يحتمل، فحتى النوم وهو أبسط حق إنساني تحرمه القيود، حيث تضطر الفتيات للنوم بملابسهن الكاملة وحجابهن طوال الوقت، ما يجعل من المستحيل الحصول على لحظات من الراحة أو الاسترخاء، وتعبر بأسى "لم أعد أشعر أن لي خصوصية، حتى النوم بات ترفاً لا أستطيع الحصول عليه بملابس مريحة أو كما أريد"، لافتةً إلى أن ليس لديهن القدرة على الاستحمام بحرية مما يفاقم من معاناتهن، حيث تجبر الفتيات والنساء النازحات على اللجوء إلى طرق بدائية وغير آمنة بسبب الاكتظاظ الشديد في الملاجئ وانعدام الكهرباء وانقطاع المياه المستمر.

وأشارت إلى أنها تلجأ مع صديقاتها إلى تسخين المياه على النار، ثم نقلها في دِلاء إلى مراحيض عامة مشتركة، حيث يبدأ الخوف والمعاناة نظراً لانعدام الخصوصية في هذه الأماكن المكتظة، وأن ذلك دفع العديد من الفتيات إلى الامتناع عن الاستحمام لفترات طويلة، ما يؤدي إلى تفاقم المعاناة خصوصاً عند قدوم الدورة الشهرية التي باتت كابوساً في ظل هذه الظروف التي لا تتوافر فيها أي وسيلة لتلبية الاحتياجات الأساسية.

ولفتت إلى أن ندرة المستلزمات الشخصية في مراكز الإيواء بسبب غلاء أسعارها وإغلاق المعابر، تسبب في تدهور ظروفهن الصحية في بيئة مكتظة بآلاف النازحين، تفتقر لأبسط معايير النظافة والصحة.

وأوضحت أن "الواقع مرير حيث الأسعار مرتفعة، والمعابر مغلقة، مما يجعل الحصول على المستلزمات الصحية ضرباً من الخيال، نحن نعيش في بيئة ملوثة تعجّ بالناس، ولا توفر أبسط حقوقنا كإنسان"، ووسط هذه الأوضاع تفتقر النساء لأدوات الحماية الشخصية والمنتجات الصحية الأساسية التي تضمن لهن حياة كريمة في ظل الأزمة المستمرة، مما يؤدي إلى انتشار الأمراض وازدياد التعرض للعدوى.

رغم كل هذه التحديات، تصر نور خلف على تحمل مسؤولياتها تجاه أسرتها، وتضطلع بدور معيل الأسرة بعد غياب المعيل وكبر سن والدتها التي باتت عاجزة عن تحمل الأعباء وحدها "ليس لدي خيار آخر علينا الاستمرار والصمود رغم الصعوبات"، لافتةً إلى أن الفتاة الفلسطينية كالجبل الذي لا ينكسر، تواجه قسوة الظروف بتحدٍ وصمود، وتبذل كل ما في وسعها للتأقلم مع الواقع المفروض عليها، وتوفير احتياجات عائلتها بموارد ضئيلة.

وأوضحت أنها تعمل على تأمين متطلبات الأسرة رغم ثقل المسؤولية على عاتقها، وأنها تحاول التغلب على العقبات التي تحول دون عيش حياة طبيعية، وأنها ترى في نفسها نموذجاً للمرأة الفلسطينية القادرة على مواجهة الصعاب وتجاوزها، تلك المرأة التي تسعى جاهدة للتأقلم في بيئة تعج بالتحديات، وتبتكر بدائل إبداعية لتجاوز النقص الحاد في الاحتياجات الأساسية، مؤكدةً على أن المرأة الفلسطينية هي رمز الصمود والإرادة رغم العواصف التي تعصف بأرضها وأهلها.

تعيش الفتيات في مراكز الإيواء كابوساً يومياً، يجسد صورة للواقع المرير الذي يعشنه في ظل الحرب والتي تواصل فرض ضغوطها عليهن منذ أكثر من عام، ويتوجب على النساء مواجهة واقع يخلو من الأمل ويزدحم بالصعوبات، حيث أصبحن مجبرات على تأدية أدوار تتخطى إمكانياتهن وقدرتهن الجسدية والنفسية، ومع استمرار الحصار وتفاقم التحديات، تظل نور خلف وآلاف الفتيات مثلها صامدات، فهنّ لم يخترن العيش في مراكز الإيواء لكنهن يجبرن على التأقلم، ويتحملن قسوة الظروف بعزيمة لا تلين.