إيران في خضم الحرب العالمية الثالثة وأزمة الانهيار الداخلي

أكدت عضوة منظومة المرأة الحرة في شرق كردستان دنيز داريا، أن الحرب بين إيران وإسرائيل تعكس صراعاً على السلطة لا يخدم مصالح الشعوب، مشيرة إلى أن إيران تعيش في قلب حرب عالمية ثالثة وأزمة انهيار داخلي.

 مركز الأخبار ـ في ظل التوترات الإقليمية والدولية المتصاعدة، تتجه بعض الأنظمة الحاكمة إلى تبني سياسات داخلية أكثر تشدداً كوسيلة لتعزيز سلطتها وإظهار تماسكها في مواجهة الضغوطات الخارجية. وتُعدّ إيران مثالاً واضحاً على هذا النهج حيث أنها تلجئ إلى القمع الداخلي لإظهار قوتها.

في 13 حزيران/يونيو الفائت، بدأت الغارات الجوية الإسرائيلية على إيران، وردّت إيران باستهداف مدن إسرائيلية مختلفة بشكل متكرر، بعد مقتل العشرات من قادة الحرس الثوري الإيراني وعلمائه النوويين والعديد من عناصر الأجهزة الأمنية، بالإضافة إلى مدنيين، وتدمير مئات المباني، وبعد هجمات متبادلة استمرت لـ 12 يوم تم الإعلان عن وقف لإطلاق النار.

في الأيام القليلة الماضية، هدد قادة إسرائيل وإيران مراراً وتكراراً بمواصلة الحرب، كما تناولت وسائل الإعلام احتمال اندلاعها، وفي هذا الصدد، قيّمت عضوة منظومة المرأة الحرة في شرق كردستان  دنيز داريا، بداية الحرب وأهدافها ووضع الشعوب المضطهدة في إيران قائلة "لقد انغمس العالم منذ زمن طويل في حدث يُعرف باسم الحرب العالمية الثالثة وقد تنبأ القائد عبد الله أوجلان بهذه الحرب وقيّمها أكثر من أي شخص آخر، وحذّر من أن القوى التي تسعى إلى تحقيق استراتيجيات محددة في الشرق الأوسط يجب أن تستند في عملها إلى مشروع الأمة الديمقراطية بدلاً من مشروع الدولة القومية".

وأشارت إلى أنه في خضم تطورات هذه الحرب، تسعى جميع القوى المهيمنة إلى ترسيخ وجودها في هذه المنطقة انطلاقاً من مصالحها المهيمنة، ولا شك أن إيران من أكثر الدول تأثراً بهذه الحرب العالمية، لطالما كانت خطة مهاجمة إيران مطروحة على أجندة القوى العظمى، وقد حاولت مراراً وتكراراً التدخل بشتى الطرق وإجبارها على الاستسلام، ومن أهم عوامل دفع هذه السياسات رغبة الدول القومية والقوى المهيمنة في السيطرة على القوى الإقليمية، من ناحية أخرى كانت إيران قد وسّعت سابقاً نطاق هجماتها خارج حدودها، بمعنى آخر هذه الحرب في جوهرها كانت حرب قوة".

 

"تصميم إيران الجديدة على جدول الأعمال"

في إشارة إلى أهداف هذه الحرب أوضحت دنيز داريا "كان هدف هجوم إسرائيل على إيران وضع هذا البلد عند مفترق طرق إما الاستسلام أو التغيير، إيران الآن في وضعٍ لا مفرّ منه سواءً دخلت الحرب أم لا، أن التغيير المشروع الذي وُضع لإيران يقوم على تغيير النظام والاستيلاء على سلطة الشعب وتولي إدارةٍ تابعة، الهدف من هذا العمل هو تحقيق نتائج السياسات الاستبدادية وإجبار إيران على الاستسلام، ونتيجةً لهذه الحرب وُضع تصميم إيران جديدة على جدول الأعمال" .

وتابعت "كانت المفاوضات الأخيرة بين إيران والولايات المتحدة تهدف إلى توحيد إيران وإجبارها على الاستسلام، ولكن عندما لم يحقق الطرف الآخر أهدافه بالدبلوماسية اختار الهجوم العسكري لتسليم إيران، لافتةً إلى أن الطرفان تبادلا التهديدات اليومية بالتدمير والإلغاء، إلا أن الحرب بينهما لا تعود بأي فائدة على الشعوب والمجتمع "جوهر الحروب القائمة على القوة لا ينتج سوى الدمار والخسائر، وهذا الصراع في جوهره صراع على الهيمنة والسلطة وتنفيذ مشاريع توسعية ولا يحمل أي منفعة حقيقية للشعوب".

 

"جذور الحرب تكمن في أزمة أكبر"

وأشارت دنيز داريا إلى أن هذه التوترات ستتفاقم يوماً بعد يوم بلا شك "لا يمكن حصر الأزمة الحالية في هذه الحرب، لأن جذورها تكمن في أزمة أكبر مستمرة داخل إيران منذ زمن طويل، الحرب الرئيسية تدور داخل حدود إيران من خلال تبني سياسة الإفقار وتعزيز الاغتراب الثقافي (الاستيعاب)، يسعى النظام إلى إبقاء الشعب تابعاً من خلال حرمانه من أي الثورة، هذه السياسات التي استهدفت النساء والشباب على وجه الخصوص، غذّت الانهيار الأخلاقي للمجتمع، في الوقت نفسه تُغرق سياسة عقوبة الإعدام المجتمع في مزيد من الاختناق والفساد، إن خوف النظام الإيراني من الانهيار الداخلي أكبر بكثير من خوفه من التغيير المُستهدف من الخارج، لهذا السبب، فإن كل من ينتفض ضد قمع النظام أو ينوي القيام بذلك خاصة النساء يُواجه فوراً الاعتقال والتعذيب والإعدام".

 

خوف السلطات الإيرانية من النساء

وأكدت دنيز داريا أن المرأة هي القوة الحقيقية للتغيير والتحول "من أكبر مخاوف النظام الإيراني هي المرأة، لذلك يضغط عليها بشتى الطرق لأنه يدرك تماماً أنها القوة الحقيقية للتغيير والتحول ولديها القدرة على تغيير هيكل السلطة وإدارة المجتمع، إن وجود هذا القدر من الضغط والقمع دليلٌ على الإمكانات الهائلة للمرأة لإحداث التغيير، لذلك فإن مهمة المرأة في الوضع الراهن هي التنظيم في جميع مجالات الحياة وبناء تحالف بين النساء الكرديات وسائر النساء الإيرانيات، قائم على حماية ثقافتهن وهويتهن، بالنسبة للنساء في شرق كردستان وإيران، فإن تشكيل قوة دفاعية ذاتية أهم من مجرد وجبة عشاء في مواجهة هذه الهجمات وللدفاع عن هويتهن، مؤكدةً أنه لا ينبغي ترك امرأة واحدة دون تنظيم ودفاع، لذلك يجب على النساء التنظيم في إطار الكونفدرالية النسائية، حتى تتمكنّ من إعادة بناء مجتمع قائم على إدراك ووعي المرأة، وخوض نضال قوي وموحد ضد العقلية الأبوية المتسلطة" .

وعن أهداف إسرائيل من شن هذه الحرب قالت دنيز داريا، إن الهجوم الإسرائيلي على إيران استهدف من الناحية الظاهرية البُنى العسكرية وبنية النظام، لأن جميع القوى المهيمنة والقومية تعتمد على إستراتيجية موحدة، حيث تسعى أولاً إلى السيطرة على إرادة الشعوب لتحقيق مصالحها الخاصة، ثم تُبلور جميع سياساتها الهدامة والمدمرة في المرأة وتفرضها على المجتمع بأسره.

 

"لقد كانت المرأة دائماً مبدعة ومنتجة ومسؤولة"

وأكدت أن "من الحقائق التاريخية أن شخصية المرأة لا تتلاءم مع الحرب "لطالما لعبت المرأة دوراً بنّاءً وصانع سلام عبر التاريخ، بين العشائر والقبائل والجماعات، وخدمت المجتمع، ولهذا السبب كانت المرأة دائماً أول ضحايا حروب السعي وراء السلطة، لأنها لم ترغب قط في أن تكون جزءاً من علاقات الهيمنة هذه، ولأن النساء والأطفال لا يشاركون في لعبة السلطة هذه، فإنهم الأكثر معاناة في جميع حروب الهيمنة، نرى أمثلة على هذه المأساة ليس فقط في الصراع بين إيران وإسرائيل، بل أيضاً في غزة ومناطق أخرى كثيرة من العالم".

ولفتت إلى أن السبيل الوحيد أمام النساء للخروج من هذا الوضع هو تنظيم قوي ونضال دؤوب ضد العقلية الأبوية "يجب على النساء أن تنطلقن من "الخط الثالث" أي مشروع الأمة الديمقراطية، لطالما كانت العقلية الأنثوية مبدعة وبناءة ومسؤولة، وقد لمسنا هذه السمة بوضوح في موجات الثورات التي حققتها النساء، لذلك فإن السبيل الوحيد لإنقاذ النساء من الوقوع ضحية للسياسات الاستبدادية هو التنظيم في إطار نموذج مجتمع نسائي بيئي وديمقراطي ومتحرر، إذا اتخذت النساء هذا النموذج أساساً لهن وأنشأن نظام الكوميونات وهيكل الأمة الديمقراطية، فسيتمكنّ بلا شك من تحييد جميع السياسات الحربية والتحرر من موقع الضحية".

 

"أي قوة لا تتكيف مع متطلبات الديمقراطية سيتم القضاء عليها"

وقالت أن القائد عبد الله أوجلان  قد شرح هذه العملية سابقاً "لقد أعلن بوضوح أن الحرب العالمية الثالثة جارية، وأن أي قوة لا تتكيف مع متطلبات الديمقراطية ستواجه مخاطر جسيمة وستُمنع من تحقيق النصر، كان هذا تحذيراً لجميع القوى في الشرق الأوسط والمنطقة، يُظهر هذا التحليل مجدداً أن أي قوة غير ديمقراطية محكوم عليها بالانهيار، الدول القومية عاجزة عن حل الأزمات الاجتماعية العميقة، لذا فإن تبني السياسات الديمقراطية ضرورة لا يمكن إنكارها".

وشددت على أن التغيير الديمقراطي ضرورة لإيران أكثر من أي مكان آخر، لأن هناك خططاً خارجية خطيرة ضدها وفي الوقت نفسه تكافح أزمات عميقة في الداخل، ومع ذلك بدلاً من تبني نهج ديمقراطي، تعمل السلطات الإيرانية على تعميق الأزمات الاجتماعية كل يوم، يجب على إيران أولاً وقبل كل شيء الاعتراف بحقوق المرأة وجميع الشعوب ومختلف مكونات المجتمع، كما تدرك الحكومات جيداً عمق الأزمات الاجتماعية وعدم قبولها من قبل الشعب، لقد رأينا بوضوح في الانتفاضة الشعبية في إيران أن الرغبة الحقيقية للشعب الإيراني هي تحقيق الديمقراطية والمساواة والحرية، ومع ذلك لا تعترف القوى الرأسمالية ولا الدولة القومية الإيرانية بالإرادة الحقيقية للمجتمع خاصة المرأة".

 

"عندما تواجه الحكومة تهديدات خارجية تلجأ إلى الإعدام"

وأكد أنه كلما واجهت السطات الإيرانية تهديداً خارجياً، فإنها تزيد من الضغط على المجتمع باللجوء إلى سياسة الإعدام والترهيب "تعلم السلطات الإيرانية أنها تواجه مجتمعاً مقاوماً، لذلك اعتقلت وأعدمت العديد من المشاركين في الانتفاضة الشعبية بذرائع كاذبة، ومن الآن فصاعداً سترسل بلا شك عدداً من الأبرياء الآخرين إلى فرق الإعدام بتهمة التجسس لصالح إسرائيل، كلما دخلت إيران في مفاوضات مع قوى أجنبية، فإنها تكثف الضغط الداخلي على الشعب من أجل إظهار نفسها قوية، وقد لوحظ هذا النهج بوضوح بعد وقف إطلاق النار الأخير وسيزداد بلا شك في المستقبل، لو كانت الحكومة الإيرانية قد أدركت قوة المجتمع وتعدديته لما واجهت مثل هذا الوضع الفوضوي أبداً".

 

" نحن ندعم الخط الثالث" 

واعتبرت دنيز داريا أن السبيل الوحيد لتحقيق الحرية والديمقراطية في الشرق الأوسط هو تحقيق مشروع الأمة الديمقراطية "لو أن الحكومة الإيرانية فهمت رسالة ثورة Jin Jiyan Azadî  لأدركت أن شعب شرق كردستان وإيران قد وجّه أقوى رسالة بضرورة تغيير النظام، لم تكن تلك الانتفاضة العظيمة مجرد احتجاج على مقتل امرأة بل كانت صرخة "لا" لنظام ، ففي تلك الأيام خرجت جميع شعوب إيران إلى الشوارع متحدة وأثبتت أن عصر المقاومة الصامتة قد انتهى، وأن مرحلة جديدة من النضال قد بدأت، وفي غضون ذلك كانت المقاومة المجيدة للنساء اللواتي دفعن ثمناً باهظاً لنيل حقوقهن "موقفنا واضح في نهاية المطاف، لسنا مع حرب إسرائيلية ولا حرب إيرانية، بل ندعم الخط الثالث، وبالتمسك بهذا الخط فقط يمكن للمجتمع خاصةً المرأة أن يكون طليعةً لتحقيق حياة حرة وديمقراطية".